وُلدت سارة مالدورور يتيمة عام 1929ووصلت إلى باريس في الخمسينيات، واختارت لنفسها اسماً سريالياً، ربما لتتجنب التصنيفات المفروضة عليها، ولتعبر عن هويتها المتمردة. حملت مالدورور إلى الشاشة "أغاني الظل" الخاصة بالزنوجة، ونضالات تحرير البلدان الأفريقية. توفيت في 13 نيسان 2020 بسبب مضاعفات كوفيد. ورغم غزارة أعمالها، التي تضم نحو أربعين فيلماً بمختلف الأشكال، لا تزال أعمالها غير معروفة للجمهور.
بدأت مسيرتها في المسرح، ضمن فرقة أسستها مع ثلاثة من أصدقائها الطلاب، ما منحها شغفاً بالاقتباس والإخراج. قدموا معاً أعمال سيزير، وجان جينيه، وجان بول سارتر، الذي دفع بنفسه حقوق التأليف والنشر لدار غاليمار من أجل تقديم مسرحيته" لا مفرّ" وفي مكتبة "الحضور الأفريقي"، التي كانت تتردد عليها، التقت بالمفكرين الذين صنعوا من الزنوجة هويةً وحركةً ثقافية، مثل إيمي سيزير وليوبولد سنغور، إلى جانب ماريو بينتو دي أندرادي، الشاعر المعارض للنظام الاستعماري البرتغالي في أنغولا، والذي أصبح رفيق حياتها. وسط هؤلاء الكتّاب، قررت سارة مالدورور أن تكون لغتها هي السينما، حيث بنت من خلالها جسوراٍ بين الأدب والشعوب، متجاوزة الحدود الجغرافية والثقافية.
بدلًا من الالتحاق بالمعهد العالي للدراسات السينمائية في باريس، فضّلت الدراسة في معهد غيراسيموف للسينما" بموسكو، حيث كان التدريس تحت إشراف مارك دونسكوي، الذي كانت تحترمه بشدة. هناك، التقت بسمبين عثمان، الطالب الأسود الوحيد الآخر في دفعتها. في يومهم الأول، أُرسل كلاهما إلى الكنائس الأرثوذكسية، ما أثار استياء مالدورور، لكن دونسكوي أصرّ على أن تتعلم "كيف ترى". وعندما سألها عمّا لاحظت في اللوحات الجدارية، أدركت نقطة مهمة: "رأيتُ يهوذا، معزولاً في نهاية الطاولة، ذو بشرة داكنة ونظرة سوداء. وكانت هذه الصور عنصرية."
في عام 1963، بعد قضاء عامين في الاتحاد السوفيتي، انتقلت مالدورور إلى الجزائر، التي كانت آنذاك مركزاً للحركات المناهضة للاستعمار، حيث كان رفيقها بينتو دي أندرادي ينظم الكفاح من أجل استقلال أنغولا. في هذا السياق، بدأت مسيرتها السينمائية، حيث عملت كمساعدة للمخرج جيلو بونتيكورفو في فيلم معركة الجزائر (1966)، وساعدت في اختيار الكومبارس من "حي القصبة". ولكن بينما ركّز بونتيكورفو على تسجيل المقاومة الجزائرية من منظور شبه وثائقي، اتخذت مالدورور مساراً مختلفاً، متبنيةً لغة سينمائية تمزج بين الشعر والسياسة، وتعيد تعريف أساليب الإنتاج.
أنتجت أفلامها الأولى بدعم من مقاتلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية وحركة تحرير أنغولا. ومن بين هذه الأفلام موناغامبي (1969) وسامبيزانغا (1972)، اللذان تناولا السجون والتعذيب، لكنه ركزا على الألم الصامت للمسجونين والعبثية القاسية لجلاديهم. في سامبيزانغا، يُضرب المعتقل منذ لحظة اعتقاله، دون أن يُعرض على أي محكمة، بينما في موناغامبي، يجري تعذيب أحد النشطاء لمجرد أن الشرطي البرتغالي أساء تفسير رسائل الحب التي تبادلها مع زوجته. وفي كلا الفيلمين، تقابل مالدورور العنف الاستعماري بأفعال الحب والتضامن، بينما تعيد صياغة الدور النسائي في السينما الثورية: فالمرأة ليست مجرد ضحية أو نائحة، بل هي من تطالب بالعدالة، على غرار أنتيغون الأفريقية التي تواجه القوى الاستعمارية بغضبها الصامت.
في أثناء ذلك، سافرت مالدورور إلى غينيا بيساو لتصوير فيلم بنادق من أجل بانتا (1970)، الذي يروي مسيرة النساء اللاتي يبحثن عن رجالهن وسط نيران الحرب. لكن الفيلم، الذي أُنجز بمساعدة الجيش الجزائري، صودر من قبل أحد قادة جبهة التحرير الوطني، ولم يُعرض قط، مما يعكس مدى هشاشة السينما الثورية وتهديدات الرقابة حتى داخل الحركات التحررية نفسها.
بعد الاستقلال، انتقلت مالدورور إلى غينيا بيساو والرأس الأخضر، حيث أصبح بينتو دي أندرادي وزيرًا للثقافة. في عام 1977، أخرجت فوجو، جزيرة النار، وهو فيلم يتميز باستخدام الألوان النابضة بالحياة والتصوير الحسي، مستكشفًا الطقوس والسياسة في أعقاب الاستقلال. كما صورت كرنفال في بيساو (1980)، الذي أبرز البعد الثوري للاحتفالات الشعبية. وقد تم استخدام بعض لقطاته لاحقًا في فيلم شمس بلا ظل لكريس ماركر (1983)، مما يعكس التشابك بين أعمالهما.
رغم إسهاماتها السينمائية البارزة، لم يتم تكريم أعمال مالدورور في فرنسا برؤية شاملة حتى الآن، بينما حظيت ببعض التقدير في ألمانيا وإسبانيا، حيث أقيمت عروض استعادية لأفلامها في أرسنال برلين ومتحف رينا صوفيا في مدريد عام 2019.
لكن إرثها لا يزال حاضرًا من خلال جهود الباحثين والفنانين المعاصرين. في عام 2011، قدم ماتيو كلييبي أبونينك تركيبًا فنيًا يستعيد بنادق من أجل بانتا استنادًا إلى السيناريو الأصلي ومذكرات التصوير، بينما قامت الفنانة البرتغالية فيليبا سيزار بترميم الأرشيف السينمائي لغينيا بيساو، ما أدى إلى إنتاج فيلم سبيل ريل -2017 تسلط هذه المشاريع الضوء على أهمية أرشفة السينما الثورية، ليس فقط لاستعادة الماضي، ولكن لإعادة التفكير فيه من منظور جديد.
نأمل أن تفتح هذه المبادرات الباب لإعادة اكتشاف أعمال سارة مالدورور، وأن تحررنا سينماها الجريئة والسخية من صمت التاريخ.
أليس ليروي وراكيل شيفر/ مجلة "كراسات السينما"