يعيش الصحفيون في العراق واقعاً مؤلماً في ظل غياب البيئة الآمنة للعمل وسط انتهاكات وتحديات مختلفة، من مضايقات ومحاولات تكميم الأفواه بالتهديد أو التضييق أو التصفية الجسدية، إلى استدعاءات قضائية وضغوط أمنية، ومنع التغطيات ومصادرة المعدات وغيرها.
ويحتفل العالم في 3 مايو/أيار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهي مناسبة لتسليط الضوء على دور الصحافة الحرة في تعزيز الديمقراطية وصون حقوق الإنسان، وتقييم ما تحقق من إنجازات على طريق حرية التعبير، وما يواجهه الصحفيون من تحديات وقيود في مختلف أنحاء العالم.
وعلى الرغم من الاحتفاء العالمي بهذا اليوم والمساعي الدولية لحماية حرية الصحافة، فإن الكثير من الدول ومنها العراق لا تزال لم تتخذ خطوات جادة تجاه الجرائم المتكررة ضد حرية الصحافة.
فهذا اليوم ليس مجرد احتفال، "بل تذكير أن حرية الصحافة هي حق إنساني مشروع وأساس للديمقراطية والعدالة، وكل القيود التي تُفرض على الكلمة الحرة هي قيود تُفرض على حساب العقل والكرامة والمهنية"، بحسب الممثل القانوني لنقابة الصحفيين العراقيين، أحمد المدني.
ويؤكد المدني لوكالة شفق نيوز، أن "حرية الصحافة في العراق تتعرض لأشد أنواع المضايقات ومحاولات تكميم الأفواه، وأغلب من ينتقد سلوك وأداء القوى السياسية والمتنفذين في البلاد يتعرض للتهديد أو التضييق أو للتصفية الجسدية، والتاريخ يذكر ما حدث للعديد من الصحفيين والناشطين والكتّاب في العراق".
ويشدد المدني، أن "على السلطات العراقية والمسؤولين مراجعة القوانين المقيدة لحرية الصحافة وتطبيق القوانين التي تحفظ كرامة العاملين بمهنة المتاعب وتشريع قوانين تواكب تطور العمل الصحفي ودفع الأخطار التي تحيط بالصحفيين".
اضطرابات منذ 2003
وشهد العراق طيلة السنوات الماضية، واقعاً صحفياً "مضطرباً" نتيجة الاعتداءات التي تعرض لها الصحفيون وعدم وجود قوانين وإجراءات رادعة، وفق رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية، هادي جلو مرعي.
ويوضح مرعي لوكالة شفق نيوز، أن "هذه الاعتداءات كانت مرتبطة بوجود القوات الأمريكية ثم الصراع الطائفي وقضايا بمرتبطة بالحكم والإدارة، والمنع من التغطية والحصول على المعلومة، ورفع العديد من الدعاوى القضائية ضد الصحفيين، وجميعها لا تزال مستمرة لغاية اليوم".
ومن التحديات أيضاً، يضيف مرعي، "فضلاً عن الاعتداءات المتكررة من الضرب ومصادرة المعدات، وفي بعض الأحيان يحصل صِدام مع القوات الأمنية ومنع للتغطية في الشوارع العامة والندوات والمؤتمرات، وعدم وجود فهم لطبيعة العمل الصحفي من قبل فئات اجتماعية".
ويتابع، "كما تعرض العديد من الصحفيين للقتل والاستهداف من قبل القاعدة وداعش ومجموعات مسلحة مختلفة، ما أدى إلى مقتل العشرات من الصحفيين بأعداد تتجاوز 500 صحفي، عدا الذين غادروا العراق نتيجة التهديدات".
ويؤكد مرعي، أن "هذا الواقع المؤلم ترك أثراً عميقاً على الصحفيين، لكن رغم ذلك ما يزال الصحفيون العراقيون يبذلون الجهود في سبيل نقل الحقيقة".
من جهتها، ترى رئيس مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية، زينب ربيع، أن "واقع حرية الصحافة في العراق لا يزال مقلقاً، فالانتهاكات مستمرة، من استدعاءات قضائية وضغوط أمنية، إلى منع التغطيات وغياب البيئة الآمنة".
وفي سبيل الحد من تلك الانتهاكات، تدعو ربيع خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى ضرورة "توفير بيئة قانونية ومؤسساتية تضمن حرية التعبير، وتحمي الكلمة الحرة، وتكافئ المهنية بدلاً من محاربتها أو ترهيبها".
العمل الميداني
بدورها، تقول المراسلة الميدانية، شروق الغانم، إن "الصحفي يواجه تحديات مختلفة، منها صعوبة الحصول على المعلومة في ظل عدم وجود قانون يتيح ذلك، وكذلك في التواصل مع المؤسسات الرسمية والجهات ذات العلاقة، فيما يواجه الصحفي العامل في الشارع مصاعب إضافية بالتعامل مع الجهات الأمنية وحتى المواطنين".
وتبين الغانم لوكالة شفق نيوز، أن "في بعض الأحيان عندما يلاحظ أحد المواطنين أن الصحفي يعمل بمؤسسة معينة غير راضي عن توجهها، يصب المواطن جام غضبه على الصحفي، وكأن الصحفي هو صاحب هذه المؤسسة وتوجهاتها، وليس موظفاً فيها يعمل لغرض كسب لقمة عيشه فقط".
كما تشير الغانم إلى "وجود فضاء واسع نوعاً ما أمام من ينتحل صفة الصحفيين والإعلاميين، ما أثر على أصحاب هذه المهنة الحقيقيين نتيجة شمول غيرهم بهذه المهنة، وبالتالي أثر هؤلاء الدخلاء على سمعة وعمل الصحفيين والإعلاميين الحقيقيين".
"شديد الخطورة"
وصُنف العراق من بين دول العالم شديدة الخطورة على حياة الصحفيين أو على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وذلك بحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2025.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، أن "الصحفيين هم الفئة الأكثر عرضة للانتهاكات مقارنة بالإعلاميين، نظراً لطبيعة عملهم المرتبط بالتقارير الاستقصائية وتغطية القضايا السياسية والأمنية الحساسة، وهو ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع مصادر النفوذ والسلطة".
"في حين يقلّ تعرّض الإعلاميين للمخاطر نظراً لتمركز أعمالهم في التقديم أو التغطيات العامة"، وفق الغراوي.
ويضيف لوكالة شفق نيوز، "كما تُظهر الوقائع أن الذكور من الصحفيين هم الأكثر عرضة للانتهاكات، بحكم وجودهم الميداني الواسع وتكليفهم بتغطية الأحداث الساخنة، في الوقت الذي تتعرض فيه الصحفيات لانتهاكات من نوع مختلف، تتعلق بالتحرش والتهديد والابتزاز، خاصة عبر المنصات الرقمية، مما يترك آثاراً نفسية ومجتمعية عميقة".
وتشير البيانات الميدانية، إلى أن "بغداد تحتل المرتبة الأولى في تسجيل الانتهاكات ضد الصحفيين، تليها محافظات البصرة وذي قار ونينوى وكركوك وديالى، نتيجة للظروف الأمنية والتنافس السياسي، كما شهد إقليم كوردستان، خلال السنوات الأخيرة، تصاعداً في حالات التضييق على الصحفيين"، وفق الغراوي.
المرتبة 155
ويضع مؤشر منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2025 العراق في المرتبة 155 عالمياً، مسجلاً تقدماً مقارنة بالمرتبة 169 التي احتلها في عام 2024، و172 في عام 2023، بحسب ما ذكره الغراوي في بيان اليوم.
وبيّن الغراوي، أن العراق لا يزال يسجل أعلى عدد من الصحفيين الشهداء عالمياً خلال الثلاثين عاماً الماضية، بواقع أكثر من 340 صحفياً من أصل 2660 صحفياً قتلوا عالمياً خلال الفترة ذاتها.
ودعا الغراوي، الحكومة والبرلمان والمؤسسات المعنية كافة، إلى الإسراع بتشريع قانون "حق الحصول على المعلومة" لضمان حرية الوصول إلى المعلومات وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، مشدداً على أهمية تشريع قانون شامل لحماية الحريات الصحفية وتوفير بيئة قانونية آمنة للصحفيين.
كما طالب الغراوي، بتعزيز الإجراءات الأمنية والقانونية لحماية الإعلاميين، وملاحقة مرتكبي الانتهاكات بحقهم، وإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب، إلى جانب مراجعة التشريعات المقيدة للعمل الصحفي وتعديلها بما ينسجم مع الدستور والمعايير الدولية.
ودعا الغراوي في الختام، إلى ضرورة دعم النقابات والمؤسسات الإعلامية المستقلة، وتوفير برامج تدريبية لتطوير الكفاءة المهنية، مشدداً على أن حماية حرية الصحافة تمثل مسؤولية وطنية تقع على عاتق الدولة لتعزيز الحريات والديمقراطية في العراق.