شهدت العاصمة بغداد الخميس الماضي، مسيرة جماهيرية حاشدة انطلقت من ساحة الفردوس وانتهت في ساحة التحرير، إحياءً لعيد العمال العالمي في الأول من أيار، بمشاركة واسعة من العمال والناشطين وأعضاء النقابات العمالية.
ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بتطبيق قانون الخدمة المدنية، وتفعيل سلم رواتب عادل، إلى جانب توفير نظام ضمان اجتماعي وصحي يحمي حقوق العمال ويوفر لهم حياة كريمة.
المسيرة التي طغت عليها أجواء الحماسة والهتافات العمالية، عبّرت عن امتداد نضالات الطبقة العاملة في العراق، وسط تأكيدات نقابية على ضرورة اسراع الحكومة في تفعيل القوانين المنصفة للعمال، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وتزايد العمالة غير المنتظمة.
وأوضح عدد من المشاركين أن هذه الفعالية ليست احتفالاً تقليدياً فحسب، بل أيضاً رسالة تضامن متجددة مع الطبقة العاملة التي لا تزال تعاني من قوانين مجحفة وظروف معيشية قاسية، في ظل غياب الضمانات الاجتماعية والصحية. وطالب المتظاهرون برفع أجور العمال، وضمان حقوقهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، داعين الحكومة والبرلمان إلى الإسراع في تشريع قوانين عادلة تنصف هذه الشريحة الأساسية.
محطة نضالية ضد الظلم والاستغلال
وفي كلمة أُلقيت باسم اللجنة المنظمة، تم التأكيد على أن الأول من أيار يمثل محطة نضالية لتجديد المطالب، وتأكيد استمرارية نضال الطبقة العاملة ضد الاستغلال والتمييز الطبقي. وذكّرت الكلمة بجذور هذا اليوم الذي ارتبط بنضالات العمال في الولايات المتحدة الأمريكية وسفك الدماء الذي أدى إلى إقرار حقوق أساسية، من بينها تحديد ساعات العمل.
وأشارت الكلمة إلى اتساع رقعة الحركات المطلبية في العراق، وتزايد الاحتجاجات في قطاعات مختلفة كالصناعة والتعليم والصحة، إضافة إلى العقود والأجور اليومية والمحاضرين المجانيين والفلاحين. وأكدت أن هذه الحركات باتت واقعاً ملموساً لا يمكن تجاهله.
كما وجّهت الكلمة انتقادات حادة لما وصفته بـ"النهج النيوليبرالي" الذي تتبناه الحكومة من خلال خصخصة الشركات العامة، وبيع ممتلكات الدولة، وهو ما يُعد، بحسب المنظمين، تهديداً للاقتصاد الوطني ومعيشة الملايين. ولفتت إلى أن هذه السياسات تعمّق الفقر وتزيد من التفاوت الطبقي، بينما تستمر معاناة الموظفين من التمييز والإفقار.
مطالبات بالإصلاح الشامل ووقف الخصخصة
ودعت الكلمة إلى سن قانون جديد يضمن حق التنظيم النقابي في القطاعين العام والخاص، وتنفيذ قوانين الضمان الاجتماعي والعمل بصورة فعّالة. كما طالبت بوقف الخصخصة فوراً، ودعم الزراعة المحلية، وتوفير فرص عمل عادلة، وتحقيق المساواة في الأجور وفرص التوظيف بين الجنسين، مع توفير بيئة آمنة للمرأة العاملة.
وطالب المشاركون بإعادة النظر في سلم الرواتب في القطاع العام من خلال تشريع قانون خدمة مدنية جديد ينصف العاملين بالعقود والأجور اليومية، إلى جانب توفير دعم حقيقي للفلاحين والعمال الزراعيين، ومنع التمييز ضد العمال الأجانب، واعتبارهم جزءاً من سوق العمل العراقي.
واختُتمت الكلمة بالتأكيد على أن مشاركة مختلف الفئات في فعاليات الأول من أيار تعبّر عن وحدة مصالح الطبقات الكادحة، ورسالة واضحة للحكومة برفض السياسات الاقتصادية الحالية، والتشبث بالنضال العمالي حتى تحقيق العدالة الاجتماعية، واستعادة مكانة الصناعة والزراعة الوطنية، ووقف الاستيراد العشوائي.
"صناعتنا هويتنا وفخرنا"
وفي السياق، أصدرت اللجنة التنسيقية للعاملين في قطاع الصناعة والمعادن بياناً خلال المسيرة، وجهت فيه تحية تضامن إلى الطبقة العاملة، خاصة العاملين في شركات الصناعة الوطنية، الذين قالت إنهم "عانوا طويلاً من التهميش بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة ووزراء المحاصصة".
وأشار البيان إلى أن الشركات والمصانع العراقية تعرّضت منذ عام 2003 إلى عمليات تعطيل ممنهجة دمّرت خطوط الإنتاج وأضعفت الكوادر، محمّلاً الوزير الحالي لوزارة الصناعة والمعادن مسؤولية ما وصفه بـ"أسوأ فترة تمر بها الصناعة الوطنية"، بسبب ممارسات الترهيب والتقاعد الإجباري بحق الموظفين، بهدف تصفية الكوادر تمهيداً للخصخصة وتحويل المصانع إلى مشاريع سكنية.
واتهم البيان "لجاناً اقتصادية حزبية وأبناء شخصيات سياسية" بالسعي للاستيلاء على المصانع وتحويلها عن طابعها الصناعي، ما يهدد بمحو الهوية الصناعية للعراق بالكامل.
مطالب عاجلة من العاملين
وأكدت اللجنة التنسيقية على عدد من المطالب العاجلة، منها: إلغاء سياسة دمج الشركات وعقود الشراكة التي ثبت فشلها، تعديل سلم الرواتب لضمان العدالة، مكافحة الفساد، وتمكين المدراء من تقديم حلول لتشغيل المصانع اعتماداً على الكوادر الوطنية.
كما دعت إلى وقف الخصخصة وهيكلة الشركات، ومراجعة عقود الشراكة وتفعيل قوانين حماية المنتج الوطني والمستهلك، وفرض تعرفة كمركية فعالة تحمي الصناعة المحلية. وأشارت إلى أن العديد من خطوط الإنتاج تم تحديثها بين عامي 2009 و2015 بكلف استثمارية ضخمة، ويجب الاستفادة منها.
وشدد البيان على ضرورة إلغاء العقوبات التعسفية بحق الموظفين، وتشريع قانون ينظم العمل النقابي في القطاع الصناعي، بما يضمن حق العمال في المطالبة بحقوقهم.
واختتمت اللجنة بيانها بالتأكيد على أن الأول من أيار سيبقى "مناسبة للنضال والدفاع عن الصناعة العراقية"، مشددة على أن "الصناعة هي هويتنا وفخرنا، ولن نتخلى عنها مهما اشتدّت التحديات".