مهرجان شمران الياسري .. أبو كاطع .. لسان الناس الفصيح والجريء
نشر بواسطة: mod1
السبت 10-05-2025
 
   
طريق الشعب

مفيد الجزائري*

أبدأ بتوجيه التحية الى "مركز شمران الياسري للثقافة والآداب" على اقامته هذا المهرجان، استذكارا واحتفاءً بهذه الشخصية الوطنية والثقافية الفذة، شخصية ابو كاطع التي شغلت الناسَ طويلا وما زالت، بعطائها النضالي وبانجازها الاعلامي والادبي المتفرد، وبما تركت لنا من إرث حافل في ميدان القيم والمثل الوطنية والانسانية والتمسك بها، واعلاء شأن بسطاء الناس والذود عن حقوقهم وكراماتهم ومشاعرهم، والتسامي فوق كل ما يحط من قدر الانسان وآدميته.

تميّز شمران منذ الصغر، على ما يبدو، برهافة حسّه الاجتماعي والانساني، متأثرا بالوسط العائلي الذي نشأ في كنفه ونما. فكان طبيعيا ان ينفر من مظاهر الاستهانة بالناس، واستغلالهم وحرمانهم من اسباب العيش، وهي المظاهر التي تنامت واستشرت في محيط حياته الريفي، مع اختلاق الاقطاع والاقطاعيين من قبل المستعمرين الانكليز، وفرضهم قسرا عليه، وتسمينهم وتعزيز نفوذهم. وبمرور السنوات وتعاظم المحن التي تطبق على الفلاحين نتيجةً لذلك، وتشعل نيران غضبهم وثورتهم، اشتد نفوره هو ايضا من ذلك الواقع المرير، وغدا اكثر واكثر  استعدادا للثورة عليه.

وفي تلك السنوات من اربعينات وخمسينات القرن الماضي، اقترب من تنظيمات الحزب الشيوعي، التي كانت تنشط بكثافة متزايدة ضد الاقطاع في ارياف الكوت كذلك، حتى التحق نهاية المطاف بصفوف الحزب سنة 1956، قبل ثورة 14 تموز بسنتين.

في ذلك الوقت كان شمران ابن ثلاثين عاما، وبقي يُعرف بـ ابو جبران (نسبةً لاسم ابنه الاكبر) حتى انطلاق برنامجه الاذاعي الشهير من اذاعة بغداد، غداة ثورة 14 تموز ، برنامج "احجيهه بصراحة يبو كاطع". فشاعت كنيته الجديدة، وفي ما بعد ترسخت تماما، حتى لم يعد اسمه يذكر الا وهي معه: ابو كاطع. (كان بوسع من توجه منكم اليوم الى هذه القاعة عبر ساحة الاندلس، ان يقرأ في اللافتة المثبتة واضحةً أمامه: شارع شمران الياسري – ابو كاطع).

وكانت تنطبق عليه، حتى قبل نزوله الى الميدان الاعلامي ببرنامجه المذكور، الريادي في طابعه النقدي والساخر وفي جاذبية لغته واسلوبه، والمثير وغير المعهود في صدقه وصراحته، اقول: كانت تنطبق صفة العصامي.

كان شمران عصاميا بحق منذ حداثة سنّه، حين انكبّ على الحروف يتعلم نطقها وخطها، ثم يتقن الكتابة تماما ومعها القراءة، بجهده الخاص لا غير، وبعد ان كانت امه قد علمته قراءة شيء من القرآن وحسب.

.وبقي عصاميا في كل سعيه اللاحق.

علّم نفسه وثقفها وظل يطوّر معارفه ويوسعها بعيدا عن المدارس، بجهده الشخصي، وبدافع الفضول السليم اولا، والرغبة ثانيا في العثور على اجابات على الاسئلة، التي غدت تكثر امامه وتكبر، مع تنامي افقه المعرفي وتطور وعيه. وحينما انتمى الى الحزب الشيوعي، وجد في بيئته كل ما يدعمه، بل ويحفزه على المضيّ قدما، في اهتماماته تلك وفي حرصه على التعمق والاستزادة ثقافيا وفكريا ومعرفيا.

وبفضل ذلك مجتمعا ومتضافرا، صار ابو كاطع ما صار:

مبدعَ برنامج اذاعي فريد في بابه، ولا مثيل له ولشعبيته سابقا ولا لاحقا،

وكاتب عمود صحفي متفرد ايضا، جاء في الواقع امتدادا متطورا لبرنامجه الاذاعي في الصراحة والصدق، والجرأة في النقد والسخرية، وفي الشعبية منقطعة النظير،

(وهذا العمود هو ما دفعنا، في مهرجان طريق الشعب السنوي، الى اطلاق اسم شمران الياسري – ابو كاطع على جائزته المكرسة للعمود الصحفي.)

وفي النهاية، صار ابو كاطع كاتب رواية ناجحا، بشهادة رباعيته المعروفة، ومتممتها "قضية حمزة الخلف".

لكن الأهم من هذا كله ربما، هو صعوده وسطوعه خلال ذلك وبعده، رمزا من رموز النضال الوطني والديمقراطي الثابت، ولسانا فصيحا لا يبارى في التعبير عن هموم الناس ومشاعرهم وآمالهم، وفي فضح اكاذيب السلطات ومسؤوليها وأحابيلهم ونفاقهم، ومثقفا شعبيا يبسّط بلغته واسلوبه أعقد قضايا السياسة المستعصية ويوضحها بما يقنع ويلهم أقل مستمعيه اطلاعا ومعرفةً، وسوطاً موجعا يلهب ظهور الظالمين ومضطهدي الشعب وجلاديه، ويكشف وضاعتهم وموبقاتهم، و"يغري الوليد بشتمهم والحاجبا"!

لم يكن شمران الياسري عاديا في نباهته ونبوغه، وفي مثابرته وشجاعته، وفي ما حقق وأنجز اعلاميا وثقافيا، وفي ما كان يكن من حب للناس وغيرة على حقوقهم وكراماتهم ومصالحهم، ومن احترام للانسان وعقله ومشاعره ..

لهذا كله، وللعديد غيره من العوامل، غدا شخصية شعبية من الدرجة الاولى، وواحدا من أهم الشخصيات المؤثرة في الرأي العام العراقي خلال القرن العشرين.

فلنحفظ ذكراه دائما ونصونها، ولنرجع اليه في ما ترك لنا من إرث ثمين، ما وجدنا الى ذلك سبيلا، وليعمل مركز شمران الياسري الثقافي، ما استطاع، على جمع كتاباته الصحفية، المذاعة والمطبوعة، وعلى اعادة طبعها ونشرها باوسع نطاق ممكن!

************************************************

نموذج ملهم لم يساوم على المباديء ولم ينفصل عن نبض الناس

وسام الخزعلي*

إن هذا المهرجان لا يستحضر مجرد اسم كبير في ذاكرة العراقيين، بل يستحضر سيرة نادرة لشخصية استثنائية جمعت بين الكلمة والموقف، وبين الانحياز التام لقضايا الفقراء والمهمشين، وبين الإبداع الأدبي والالتزام الوطني. لقد كان أبو گاطع صوت الريف العراقي، وضمير الناس البسطاء، ومثقفاً عضوياً لم ينفصل عن مجتمعه ولا عن قضاياه، بل اندمج فيها، وكرّس قلمه وفكره من أجل تعرية الظلم والسعي نحو العدالة والتغيير.

تمثل حياة أبو گاطع ومسيرته درساً بليغاً لكل من ينشد التغيير الحقيقي، ولكل من يرى في الثقافة أداة للنهوض الاجتماعي، وفي الأدب صوتاً للحقيقة، وفي الصحافة منبراً للدفاع عن الكرامة والحرية. ونحن، إذ نُحيي اليوم ذكراه ونحتفي بإرثه، فإنما نعيد التأكيد على حاجة وطننا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى مثل هذه النماذج الملهمة التي لا تساوم على المبادئ ولا تنفصل عن نبض الناس.

ومن هنا، فإن مشاركتنا اليوم ليست فقط تمثيلاً لمؤسسة علمية ومهنية عريقة، بل هي أيضاً تعبير عن قناعة راسخة بأن الثقافة والعلم، والفكر والهندسة، تشترك جميعاً في هدف واحد: بناء الإنسان وبناء الوطن. فالهندسة لا تقتصر على تشييد الجدران والجسور، بل تشمل أيضاً المساهمة في بناء الوعي، وترسيخ القيم، وصياغة المستقبل الذي يليق بتضحيات الأجيال.

نحن في جمعية المهندسين العراقية نعتبر أن من واجبنا دعم كل مبادرة تُسهم في ترسيخ القيم الإنسانية والوطنية، وفي مقدمتها الثقافة التي تُنير العقول وتزرع الأمل، وتمنحنا القدرة على مواجهة التحديات بروح جماعية ووطنية أصيلة.

تحية تقدير ووفاء لشمران الياسري، الذي ما زال حاضراً بيننا بفكره، وإرثه، وأثره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نائب رئيس جمعية المهندسين العراقيين، ألقاها في المهرجان نيابة عن الجمعية.

**********************************************

استحقاقات شمران الياسري

إحسان شمران الياسري

خلال شهر تموز 2024 نظم منتدى بيتنا الثقافي ندوة ثقافية تناولت رواية شمران الياسري، قدمها الأستاذ الدكتور علي حداد.

وخلال الندوة وبعدها جرى حوار مع الاستاذ مفيد الجزائري حول استدامة استذكار شمران الياسري وتعريف الجمهور بمنجزه الثقافي. وكان المقترح أن يُنظم مهرجانا ثقافيا سنويا عن شمران الياسري.

وهكذا نضجت الفكرة وتحمس أعضاء مركز شمران الياسري للثقافة والآداب للموضوع، وتشكلت لجنة منهم خلال شهر أيلول 2024.

كان شمران حاضرا في كل مراحل تنظيم المهرجان، وقد رحب كل من اتصلنا به بالحضور والمشاركة. فاتصلنا بأساتذة الإعلام والصحافة والرواية والأدب.. والتقينا بمحبيه في أرياف الكوت والحي ومدنه.. فتحدثوا كأنهم يروه اليوم. وبعضهم روى مواقف وقصص لم نكن نعرفها نحن عائلته. مواقف في الشجاعة والبطولة ونكران الذات. قصص عن ارتباطه بالناس والذود عن مصالحهم وآمالهم وأحلامهم. قصص عن الحزب الذي انتمى له، فصُقلت مواهبه الفكرية والثقافية والإنسانية. وعن الرفاق الذين جاب معهم سهول الوسط والجنوب وهم يحملون أرواحهم على أكفهم ويحلمون بغدٍ أبهى.

في الأيام التي كنا نعدُّ للمهرجان، كنتُ أسير في الطرقات التي سارت عليها خيولهم، أو مرت بجنباتها، وأسمع رفاق شمران يروون عن أيامهم ولياليهم التي عطرها شمران وشهداء الحزب الآخرين بأنفاسهم على أمل أن تزهر غدا الأرض وتزدهر فتحتضن عيالهم وأحفادهم.

الشهداء الذين قضوا وهم في مطلق يقينهم أن (باچر أحسن من أمس) كما كانت تقول أغانيهم.

كان رفاقه ومحبوه يتحدثون عنه وكأنه أمامهم، يتغزلون بفنه وفكره ومنجزه الأدبي والثقافي والإنساني، وكنت أستمع لبعض ما يقولون وكأني أسمعه أول مرة.

الشهداء الذين قضوا وهم في مطلق يقينهم أن (باچر أحسن من أمس) كما كانت تقول أغانيهم.

وخلال التحضيرات والترتيبات لعقد المهرجان، اكتشفت في الناس هذا الولاء والمحبة لشمران. وحين انتظم المهرجان، رأيت أبوگاطع عشرات المرات في قاعة جمعية المهندسين العراقية مزهوا بالعدد الكبير من ضيوفه ومحبيه، بل وعشاقه. ووجدتني ألوذ به من قلقٍ مفرطِ أن يفشل المهرجان. وكان يشدُ على يدي مبتسما (مالك لازم.. لا تخاف) كما قالها ليلة امتحان السادس الإعدادي، وكنت مع ضيوفه أخدمهم وغدا امتحان السادس الإعدادي في درس الفيزياء، حين عاتبون عن إشغالي عن مراجعة درسي: (مالكم لازم.. باچر يجيب 95). وظهرت النتيجة وحصلت على (95) فعلا.

شمران الياسري سَحَرَ المستمع بكلماته الأليفة، وأدهش رفاقه وأعداءه، وأدهشنا بأحاديث الناس عنه في مهرجانه.

والذي أعد للمهرجان وأخرجه هو الجمهور الذي حضر بقلوب مفتوحة لملاقاة شمران.

*******************************************

شمران الياسري ( أبو گاطع ): حكايات نابضة بالاحتجاج ضد الواقع الفاسد بلغة ساخرة

جمال العتّابي*

يُعد الكاتب والصحفي شمران الياسري، “أبو گاطع”، أحد أبرز الكتّاب الصحفيين في العراق ، ارتبط اسمه بشكل وثيق بالعمود الصحفي الذي امتاز بأسلوبه الساخر والناقد في آن واحد، حيث كان يعبّر من خلاله عن آرائه السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى نقده اللاذع لكل أشكال الاستبداد ومظاهر العنف والديكتاتورية، فترك أثره العميق لدى فئات واسعة من القراء، وكسب جمهوراً كبيراً يتابعوه صباح كل يوم، ينتظرون بلهفة عموده اليومي في جريدة طريق الشعب ، يسترجعون صراحته، وحكايات خلف الدوّاح، يفتحون الجريدة على صفحتها الأخيرة قبل الأولى.

امتاز شمران الياسري بأسلوبه الأدبي الفريد في كتابة العمود الصحفي. يجمع بين السخرية والجدية، وينتقل بسلاسة من الموضوعات السياسية إلى القضايا الاجتماعية، مشكلاً بذلك توليفة مميزة تلامس مختلف شرائح المجتمع. كان ( أبو گاطع ) يحرص على اختيار الكلمات بعناية، ليعكس من خلالها مشاعر الناس وهمومهم، دون أن يغفل السخرية الذكية التي تدفع القارئ إلى التفكير العميق.

من أهم ميزات أسلوبه هو قدرته على استخدام الرمزية، حيث كانت الكلمات والعبارات تحمل معانٍ متعددة، مما يسهم في إيصال رسائل غير مباشرة تنتقد الواقع السياسي والاقتصادي. العمود الصحفي لديه بمثابة مرآة تعكس حالة المجتمع العراقي في فترة من الفترات التي شهدت تحديات كبيرة على الأصعدة المختلفة.

كان حلم شمران الياسري بعالم جديد خال من الاستعباد، تسوده الحرية قاده إلى الانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي، مؤمناً بأفكاره ومناصرته لقضايا الشعب الوطنية وتبنيه مطالب الفقراء، والفلاحين الذين ألهموه حكاياته، وما تنطوي عليه من روح التمرد والدعابة الساخرة المريرة.

انخرط أبو گاطع كلياً وبوعي في القضايا السياسية والاجتماعية التي تهم المجتمع العراقي فاستخدم العمود الصحفي كمنبرٍ للحديث عن قضايا حساسة، مثل حقوق الإنسان، الحريات العامة، والفساد السياسي. ومن واقعه الريفي، أستل لغته المحكية، بمفرداتها وتراكيبها البسيطة، لكن الغنية العميقة، التي أدرك قوة نفاذها وتأثيرها منذ خطواته الأولى في الكتابة.

شمران الياسري، الكاتب الذي يستطيع أن يثير فينا الأسئلة، ويعلّق أمام الأنظار أكثر علامات الاستفهام تعقيداً، وأكثرها بساطة بلغة شعبية ومفردة جنوبية، ذكاؤه تجلّى في استخدام اللغة المشحونة بالمشاعر الإنسانية الأصيلة ، النقية، المختزنة في أعماقنا، يصطادها على غفلة منا، ونحن في تمام اليقظة. انه كاتب عميق الغور في الأشياء، كاشف للزيف، وكل علامات الضعف الإنساني.

تجربة عقد من الزمن في عمل مشترك مع " ابو گاطع" منحتني فرصة رائعة في الاقتراب من شخصيته كصديق ومعلّم في أن واحد، اعتاد دائماً أن ينثر الورد والمحبة على زملائه في العمل ، يمتعنا بحضوره، يثير فينا أحاسيس النشوة والمسرات، ويزيح الحزن والفزع في غمرة عاطفة مستديمة من صنعه هو . تعلّمت منه الكثير، هو كائن مختلف يمتلك صوته الخاص، ولغته الخاصة، من خلالهما يحدد موقفه الخاص، يرى العالم من خلال منظوره الخاص، واذا ما وجد ان الظروف المحيطة به لا تمنحه قدرة الوصول إلى مبتغاه، يحزن داخلياً، لكنه لا يريد أن يكون أسيراً لها، فيفلت ( أبو گويطع) إلى فضاء الحرية، عابراً القيود التقليدية، يحلّق بعيداً إلى النور تقوده الشجاعة إلى اختراق الحجب.

أغلب حكايات شمران، فيها سخرية بلا تجريح أو تشهير، بل بفيض عميق من الوعي، تمكن ان يدخل حياة الريفي، ينقل معاناته لابن المدينة أو للأثنين معاً. وهذا ما منح كتاباته سمة القبول من مستويات مختلفة للقراء.

في حكايته(نماذج من الصحة) والواقع يعالج الياسري إحد الأزمات الأزلية المتمثلة في علاقة المسؤول بالصحافة.

إزاء صعوبة ما يواجه الإنسان لمتطلبات حياته اليومية البسيطة، يقول : لعن الله الآونة الأخيرة التي أوقعت كاتب المقال بهذا المقال ، مع أنه …. لولا الآونة الأخيرة، التي جعلت ما نشرناه لا أساس له من الصحة والواقع .

حكاية (وصفة نوار) تمثل تعبيراً حقيقياً لطبيعة التحالف بين حزبين متناقضين في المنهج والسلوك والرؤى، كان حزب السلطة يتربص بحليفه للإيقاع به، صدقت نبوءة ابو گاطع والتهم نوار الدجاجة.

نوار الحكيم يلجأ للحيلة والخداع في وصف العلاج لأبناء القرى البسطاء : أول ما توصل لأهلك اذبح دجاجة وأكلها ، ثم تغيرت الوصفة، يأكل نصف الدجاجة ويأتي بالنصف الآخر إلى بيت الحكيم، ثم صارت دجاجة حية يجلبها المريض، ومن لا يريد فليشرب الشط !

حكاية (كورة الزنابير) تمنح القارىء فرصة سهلة لمعرفة القلق على مصير مجهول، قلق تجربة ( الچبحة) كما كان يسميها متهكماً، خلاصة الحكاية ان مربي النحل عليهم اقتحام كورة الزنابير مع احكام أقنعة الوجه وتغطية الأيدي.

الحكاية تحمل رموزاً لمعانٍ أبعد، الكورة مصدر للخير والشر معاً.

تلك احدى سمات الكتابة لديه، وتفتحه على الأشياء، صور الريف مشفوعة على الدوام بنشاطه. السياسي ونضاله مع الفلاحين، حكاية (عزيمة يو چوي حصان)، خلاصتها ان عارف الخيل يستدعي جميع رجال القرية ليوثقوا الحصان عند الكي، وهي أصعب مهمة تواجه العارف.

في تلميحاته الذكية يظل أبو گاطع علامة بارزة ومتقدمة في استخدام اللهجة القروية الجنوبية، صياغة وتركيباً، انه يشبع وجودنا واحاسيسنا بجمال التوظيف والتعبير وما تعتمل به دواخلنا من افكار وانفعالات، وهو يتحفنا بحكايات نابضة بالحب والحياة والمتعة.

لنتأمل ما تحمله حكاية ( حصة أولاد البايرة) من دلالات ومعان عميقة تصلح لتفسير واقع سياسي نعيشه ما بعد 2003، الزوجة البايرة توصي ولدها بأن يتحدث بحديث الكبار…ليأخذ دور أبيه بين أبناء قومه، ولسذاجة هذا الولد، يعتقد ان الحديث عن الكبار يعني الحديث عن ( البعران)، والاباعر، ، وعلى هدي وصية الأم، نصحني احد الأصدقاء، يقول ابو گاطع : ان لا اكتب عن الصغائر مثل البيض، مثل هذا النوع من الحكايات تعبر عن مشاعر الطبقات والفئات الفقيرة ، قضيتها المحورية الاحتجاج على الواقع الفاسد بلغة ساخرة ، حادة وذكية.

نشير إلى نماذج : إلهام رباني، فنجان ذرب، حية شيخ دبس، المدير شعرضه ؟ سووا درب للمدير، قالت ام جاسم ، خاله اشصار عليكم هذا الدرب يطب بيه لوري امحمل تبن ، چا مديركم اشعرضه؟ وحكاية (صعّدوك يو نزّلوك؟) كان يشرح لخلف الدوّاح أسباب نقل عموده اليومي من الصفحة الأخيرة إلى الصفحة الرابعة في طريق الشعب، فردّ عليه بالقول : عندي ابن خالي چان يشتغل خادم بالمستشفى، يوم من الأيام أجاني فرحان ومستانس، گال لي أبشرك بدلوا عنواني من خادم إلى معين .. گتله يا نعمتك يا ربي، واشكثر زاد معاشك؟ جاوبني كلشي ما زاد ! گتله چا عليمن بشرتني ، كونها خالي بلاش عسى ما يسموك مستعين ! سود الله ويهك !

هذا اللون من الأدب احتل مكاناً ممتازاً في تراثنا الشعبي، وتقاليدنا الصحفية على السواء، وهو ما يؤكد مسألة ارتباطها تاريخياً، وازدهارها فنياً على يد شمران الياسري. لها أصولها الفنية الإبداعية، والموضوعية المميزة، وتلك سمة من سمات الكتابة الأدبية في التراث العراقي.

شمران الياسري، كان مقاتلاً بالحب والكلمة الجريئة الصادقة، وهذا سر ديمومة فنه وخلوده،

ما زال شعاع جبهتك العريضة الناصعة البياض يهدينا في ظلام هذا العالم، ويلفّ أرواحنا بالأمل، لقد جبت طرقاً كثيرة شديدة الوعورة، واقتحمت مسالك، لم يُصرّح لك في اجتياز خطوطها الحمراء، وركبت أمواج البحر، ثم أرسيت سفينتك هناك في الغربة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ألقاها في المهرجان ضمن محوره الاخير.

***********************************

قصة قصيدة * إلى شمران الياسري  معلمي الأول .. ومعلمي الأخير

فالح حسون الدراجي

يشمران الفجر من نورك ايغار

لأن طولك منارة ونور يسطع

ولأن حچيك تفهمه ازغار و كبار

و من درّ (الصراحة) الكون يرضع

ومدام إنت نبع .. خنياب الأنهار

شلون يعيش گلي الماله منبع

يبو قلم الشديد وسيف بتار

وإمام الصراحة وحكم مرجع

واذا چفك خبز وأفراح وازهار

ياهو يگول كافي ومنه يشبع

أنه من اكتب قصيدة بذكرى شمران

احسٌن بالشعر فرحان يطلع

ما يحتاج أفكر أبد و احتار

و لا اشطب و اعيد ابيات وأگطع

تصب مثل المطر ع الورقة الاشعار

و بدال البيت اكتب الف مقطع

لأن حتى القصيدة تريد شمران

وكل صورة شعر تتمنه تطلع

أنه بوكت القصيدة يصيبني إعصار

مثل طيار أول مرة يقلع

أهيج.. وأشتعل.. واتگلب أبنار

ومثل مفطوم يم أطفال ترضع

ادخْل البيت كله بحالة انذار

واحط البيت كله بحلگ مدفع

لا جار اليجينه و لا نجي لجار

و اليطلع بعد ممنوع يرجع

وسط هذا الظلام و عتمة الدار

شفت وجهك على الحيطان يسطع

وجه شمران هذا وفايز وياه

مثل وجه الگمر بالليل يلمع

مصابيح الشعر نزلن و الانوار

و حرت اجمع شعر لو نور اجمع ؟

صرت مثل الكمنجة و گلبي أوتار

ومن أعزف محبتك روحي تقنع

ترست البيت و الأبواب اشعار

ومدري منين گام الشعر يطلع

لمن خلٌص جمرها و هفتت النار

وشفت ماس القصيدة بروحي يلسع

قصيدة و يا قصيدة بحجم شمران

اذا إنت الشعر.. من منك أبدع

خلف دواح يبچي يا بو جبران

وعليك عيون يابو عيون تدمع

واذا بالكون روعة وقمة وأسماء

انته اعله القمم بالكون وأروع ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مقاطع من قصيدة الشاعر في المهرجان

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced