وقع العراق في العقدين الماضيين عشرات مذكرات التفاهم مع العديد من البلدان، وتضاعفت أعداد هذه المذكرات في السنتين الأخيرتين لاسيما مع الجانب التركي والأمريكي، لكنها بقيت عرضة للانتقادات من قبل المختصين، خاصة ان أكثر من 60 بالمئة منها لم يجرِ تفعيلها، إضافة إلى أنها ليست ملزمة، على العكس من الجدوى التي تضمنها الاتفاقيات، الغائبة عن قاموس الحكومات العراقية.
الأولوية للاتفاقيات
أستاذ العلوم السياسية، د. عبد الجبار أحمد يرى ان العمل الدبلوماسي في الساحة الإقليمية والدولية يشترط ان تكون هناك علاقات دولية مفتوحة من خلال مذكرات التفاهم والمعاهدات والاتفاقيات، مشيرا إلى ان "الاتفاقيات تكون أكثر جدوى دائما".
وقال أحمد لـ"طريق الشعب"، ان "الاتفاقيات والمعاهدات يجب ان يتم عرضها على السلطة التشريعية وإذا ما وضعنا مقارنة مع النظام السياسي الأمريكي، فان الرئيس الأمريكي يمتلك صلاحية القرارات التنفيذية ويستخدم من خلالها آلاف القرارات التنفيذية ويستخدمها تعبيرا عن قوة الرئيس حتى لا يذهب الى الكونغرس، مع ان الأخير قد يكون من نفس حزبه".
وتابع، انه "في ما يتعلق بالعراق، فإننا من دعاة: أينما تكن هناك حاجة للتعاون والتنسيق بصيغة مذكرة التفاهم أو الاتفاقية أو المعاهدة فأهلا بها، لكن الفرق بين مذكرة التفاهم والاتفاقية، هو ان الأخيرة أكثر ديمومة ومن ثم توثق وتصدق من قبل الأمم المتحدة، وأحيانا يوضع فيها سقف زمني، وعادة ما تلجأ السلطة التنفيذية والحكومات الى مذكرات التفاهم كون بعض الحاجات الملحة قد تكون اقتصادية او أمنية او أياً كان شكلها قد لا تقتضي الذهاب الى معاهدة او اتفاقية والدخول في مسألة تصديقها. ومن الناحية القانونية الفعلية لا يمكن ان نضع مذكرات التفاهم بديلا عن الاتفاقيات والمعاهدات".
مناخ سياسي مستعص
وعن حاجة العراق الى اتفاقية مع دول المنبع بشأن المياه، رأى عبد الجبار، ان "موضوع المياه يدخل في حيز القانون الدولي العام. وعلى سبيل المثال: هناك اتفاقية مائية بين باكستان والهند عقدت في العام 1952 لكنها لم تجد نفعا. كما ان مذكرات التفاهم أحيانا حينما تجد مناخا سياسيا يُستعصى فيه الحصول على اتفاقية، فيجري اللجوء الى مذكرات التفاهم".
وواصل الحديث: ان اللجوء الى مذكرات التفاهم هو إما وجود حاجة ملحة لتحقيق التنسيق والتفاهم حول ملف أمني أو فني طارئ، مردفا أن من الأفضل ان تكون هناك اتفاقيات ومعاهدات.
ونبه الى ان الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات التي تم توقيعها من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، والمصادقة عليها وإيداعها لدى الأمم المتحدة، ما زالت تحمل بعض الإشكاليات.
حبر على ورق
المختص بالشأن الاقتصادي، احمد عبد ربه، يرى ان مذكرات التفاهم في العراق أصبحت أداة سياسية أكثر من كونها أداة اقتصادية حقيقية.
وقال عبد ربه في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "التحدي لا يكمن في عدد المذكرات بل في غياب الرؤية والمؤسسات القادرة على تحويل هذه المذكرات إلى مشاريع وخطط وقرارات على أرض الواقع. إذا لم يُراجع هذا النهج، فإن تلك المذكرات ستبقى حبرا على ورق".
وأضاف عبد ربه، ان "مذكرة التفاهم غير ملزمة قانوناً، وتعكس نية الطرفين التعاون في مجال معين، بينما الاتفاقيات الدولية تُعد ملزمة وتترتب عليها واجبات قانونية واقتصادية".
ولفت الى ان هناك سببا بارزا يجعل الحكومة لا تفضل الذهاب نحو الاتفاقيات، ويتمثل بضعف البرلمان وغياب التنسيق مع الحكومة، كون الاتفاقيات تحتاج غالبا إلى مصادقة برلمانية". وزاد بالقول: ان تغيير الحكومة كل أربع سنوات، في ظل غياب العمل المؤسساتي والاستراتيجيات، يجعل تلك الخطط التي تسير عليها كل الحكومات، بلا قيمة ولا فائدة.
مذكرات غير موثقة!
الخبير الاقتصادي، زياد الهاشمي، علق على ابرام مذكرات التفاهم الأخيرة مع الجانب التركي خلال الزيارة التي اجراها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، معضدا حديثه بمجموعة من التساؤلات والاشارات، التي بدأها بطرح سؤال "لماذا تنجح الحكومات العراقية في توقيع مذكرات التفاهم وتفشل غالباً في تحويلها لعقود ملزمة ومشاريع حقيقية؟!".
وأضاف في تدوينة مفصلة نشرها على حسابه في "فيسبوك" ان "مذكرة التفاهم هي وثيقة (غير ملزمة) قانونيا تعبر عن نوايا التعاون بأهداف عامة دون عقوبات عند عدم التنفيذ، بينما العقد الملزم هو اتفاقية قانونية مفصلة تحدد التزامات واضحة مع عقوبات عند الإخلال، ويُستخدم لتنفيذ مشاريع أو خدمات محددة".
وأوضح الهاشمي، انه "بعد 2003، وقّع العراق ما لا يقل عن 135 مذكرة مع دول مثل تركيا (63+)، مصر (38)، إيران (14)، الولايات المتحدة (3)، روسيا (16)، وألمانيا (2-3) حتى أيار 2025، مع احتمال أن يكون العدد الفعلي أعلى بسبب المذكرات غير الموثقة أو غير المعلنة!".
ضعف سياسي وإداري وإجرائي
وتابع ان "بعض التقديرات تشير إلى أن نسبة كبيرة (60% أو أكثر) من مذكرات التفاهم العراقية لم يتم تنفيذها، خصوصاً في قطاعات التنمية والطاقة والخدمات، وهذا يُعد إخفاقا كبيرا من قبل الحكومة العراقية"، مبينا انه "من أسباب عدم تنفيذ مذكرات التفاهم العراقية مع دول العالم هو الضعف السياسي والإداري والإجرائي في العراق، إلى جانب الفساد، نقص التمويل، والصراعات السياسية والاختلالات الأمنية!".
ولفت الى ان "هذا يعني عدم توفر الشجاعة لدى السلطات الحكومية العراقية للمضي قدماً وتحمل المسؤولية الكاملة وتحويل مذكرات التفاهم لعقود قانونية ملزمة جاهزة للتنفيذ، والاكتفاء بمذكرة التفاهم للاستعراض الإعلامي وترحيل المسؤولية للحكومة اللاحقة".
وانهى تدوينته بالقول: "لذلك فلن نستغرب إن واجهت مذكرات التفاهم الجديدة مع الأتراك نفس مصير أغلب المذكرات السابقة، طالما أن أسلوب الحكومة العراقي بقي نفسه دون تغيير، مع استمرار ضعف القدرة على تحويل مذكرات التفاهم تلك لواقع تعاقدي وتنفيذي ملموس يستجيب لمتطلبات الاقتصاد العراقي!".