كشف مصدر مسؤول في مجلس محافظة بغداد، أمس الأربعاء، عن قيام الأحزاب السياسية المتنفذة في مجلس محافظة بغداد باخفاء قرابة ٨ آلاف درجة تعيين (عقد) من حصة أبناء المحافظة، وذلك لاستخدامها في الدعاية الانتخابية، واستمالة الشباب العاطل عن العمل.
وزعم المصدر لـ"طريق الشعب"، الذي فضل عدم ذكر اسمه، ان "العقود المخصصة لمحافظة بغداد أكثر بكثير من الأرقام التي جرى الإعلان عنها"، مبينا ان الرقم الحقيقي هو ١٩ ألف درجة وظيفية بصيغة عقد، وليس 11 ألفا.
وقال أن القوى السياسية المتنفذة داخل مجلس المحافظة عملت على اقتسام ٨ درجة وظيفية في ما بينها. كما ستكون لها حصة اخرى في الدرجات المعلنة الـ١١ ألفا.
وأكد المصدر، ان أكبر كتلتين في المجلس حصلتا على قرابة نصف هذه الدرجات الوظيفية"، مضيفا ان "أعضاء المجلس كذلك حصلوا على حصة من هذه التعيينات، اذ بلغت حصة كل عضو في المجلس ما بين 250 و 300 درجة".
يذكر ان عدد الموظفين في العراق يزيد على 4 ملايين و200 ألف موظف، بينما يتجاوز عدد المتقاعدين 3 ملايين، إلى جانب أكثر من 3 ملايين عراقي يتسلمون اعانات اجتماعية من الحكومة، ما يرفع إجمالي الالتزامات السنوية في موازنة 2025 الى 90 تريليون دينار على الاقل.
ويعاني القطاع العام ترهلا وظيفيا، جعل العراق يتصدر قائمة الدول العربية في عدد الموظفين الحكوميين.
مرحلة المحاصصة وتقاسم المغانم
رئيس هيئة النزاهة الأسبق، موسى فرج، قال ان "الوظيفة حق شرعي ودستوري وقانوني لكل مواطن عراقي، ويفترض ان يحصل عليها من خلال المنافسة والمفاضلة، وهي تعتمد على معايير محددة أهمها الكفاءة والجدارة والنزاهة، وفي نفس الوقت هي ليست حقا للمواطن العراقي فحسب وانما حق دستوري للمجتمع، كون مخرجاتها تتلامس مباشرة مع المجتمع، فاذا كان شاغل الوظيفة غير كفوء او غير نزيه فلن يقدم مخرجات صحيحة للمجتمع بل سيلحق الضرر به".
وذكر فرج في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "حقبة المحاصصة التي بدأت بعد العام ٢٠٠٥ جعلت عملية التوظيف تتحكم بها الأحزاب المتنفذة، لا سيما في الرئاسات الثلاث وفي الهيئات المستقلة، انطلاقا من مبدأ تقاسم المغانم".
رشوة انتخابية
ولفت رئيس هيئة النزاهة الأسبق، الى ان "الحصول على وظيفة في العراق صار عن طريقين محددين، اما بدفع الرشوة او الانتماء لحزب من أحزاب المحاصصة، وهذا خرق لحق المواطن الدستوري، فالمجتمع لم يحصل على حقوقه من مخرجات الخدمات، فيما تحولت الوظيفة الى عبء، وأخيرا أصبحت الوظائف تشكل نسبة هائلة من المجتمع العراقي خلافا للمعايير الدولية وفي نفس الوقت أصبحت تمثل رشوة انتخابية.
ترويج سياسي وانتخابي مبكر
من جهته، قال الخبير في مكافحة الفساد سعيد ياسين، ان "إدارة الوظيفة العامة من اساسيات زرع النزاهة في المؤسسات العامة ان كانت محلية او اتحادية، لذلك عندما ينال الموظف هذه الوظيفة خارج المعايير بالتأكيد ستكون هناك شبهات فساد على أدائه".
وعن ملف الدرجات الوظيفية التي اطلقتها محافظة بغداد، أشار ياسين الى انه "يفترض بالحكومة المحلية ومجلس المحافظة اعتماد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة والمستوى العلمي بالإضافة الى الامتيازات القانونية لعوائل الشهداء وغيرها، وبغير هذه الطريقة يعتبر الموضوع في خانة الفساد"، لافتا الى ان "هذا الموضوع يدخل في تقاسم المغانم مما يؤثر على أساس القرار ويكون ترويجا سياسيا وانتخابيا مبكرا لهذه الأطراف السياسية".
جهتان معنيتان بالمراقبة!
ونوه ياسين الى ان "هناك حاجة لاعتماد هذه الوظائف على المنافسة والكفاءة والخبرة وحسب نوع الوظيفة، وكذلك يجب الإشارة الى حصة الأقليات ونسبتهم وضرورة عدم التجاوز على هذه النسبة".
وعن عمله في معالجة الفساد، بين الخبير انه "كنا نعاني في مسألة مراقبة مجلس المحافظة والمحافظة ولسنوات طويلة. هناك جهتان معنيتان بمراقبة ملف الوظائف، الأولى هي المجلس الأعلى للتنسيق بين المحافظات التابع لمجلس الوزراء، والأخرى هي ديوان الرقابة المالية، ويفضل ايضا ان يتم انتداب ممثل عن مجلس الخدمة الاتحادي كجهة قطاعية مسؤولة عن توزيع الوظائف العامة".
وانتقد النائب السابق في البرلمان، رزاق الحيدري، ظاهرة "الاستغلال الواضح والكبير للمال العام ومشاريع الدولة في الدعاية الانتخابية"، مبيناً أن هذه السلوكيات تعكس "مزاجا سياسيا عاما يتكرر مع كل انتخابات، برغم أنها ظاهرة مخزية للعملية السياسية بتوظيف المال العام بمنّة على العراقيين".
وقال الحيدري، ان "هناك أموالا وعروضا وصلت بعضها إلى مليارات الدنانير لمن يملك مساحة وثقلاً عشائرياً وسياسياً. هذا الأمر ينذر بخطر على العملية السياسية".