كشف خبراء صندوق النقد الدولي عن تراجع الوضع المالي في العراق، وتراجع الأرصدة الخارجية، وتسجيل نموا أبطأ قياسا في العام الماضي في القطاعُ غير النفطي، وظلَّ التضخُّم منخفضاَ. وحدث ذلك بعد تحقيق نمو "قوي جدا" بنسبة 13.8 في المئة في العام 2023 ومن المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق قد تراجع إلى نسبة 2.5 في المئة في العام 2024.
وقال خبراء الصندوق، ان الفساد يُشكّل عقبةً كبيرة أمام تحقيق النمو. ويُعتبر تعزيزُ أُطر المساءلة لتشغيل الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة في قطاعات النفط والكهرباء والتشييد أمرًا بالغ الأهمية.
قيود على التمويل
وجاء في البيان التفصيلي الذي صدر، على هامش اجتماع عقده خبراء البعثة مع مسؤولين عراقيين في عمّان وبغداد خلال المدة من 4 الى 13 أيار الجاري، ان "القطاعُ غير النفطي نما بوتيرة أبطأ في العام الماضي، وظلَّ التضخُّم منخفضاَ. فبعد تحقيق نمو قوي جدًّا بنسبة 13.8 في المئة في العام 2023، من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق قد تراجع إلى نسبة 2.5 في المئة في العام 2024، بسبب التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلًا عن ازدياد الضعف في الميزان التجاري"، لافتة الى ان "انخفاض إنتاج النفط أثر على النمو الكلي، الذي انكمش بنسبة 2.3 في المئة خلال العام. كما انخفض التضخم إلى نسبة 2.7 في المئة بحلول نهاية العام 2024، وسْط انخفاض تضخُّم أسعار المواد الغذائية، وامتصاص السيولة النقدية من قِبَل البنك المركزي العراقي".
وأضاف البيان، أن "الوضع المالي تراجع، وتراجعت الأرصدة الخارجية، اذ يُقدرُ العجز المالي للعام 2024 بنحو 4.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1 في المئة في العام 2023، ما يعكس حجم الإنفاق الآخذ في الارتفاع على الأجور والرواتب والمشتريات"، مبينا ان "القيود المفروضة على التمويل قد أدت إلى عودة نشوء المتأخرات، ولا سيّما في قطاع الطاقة والانفاق الرأسمالي. وعلى الصعيد الخارجي، تقلّص الفائض في الحساب الجاري بشكل حاد من 7.5 في المئة إلى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الارتفاع الكبير في المستوردات من السلع".
انخفاض عائدات النفط
وأشار البيان الى انه "من المتوقع أن يظل النمو غير النفطي ضعيفًا في العام 2025 في خضم بيئة عالمية تكتنفها التحديات، والقيود على التمويل. ومن المتوقع أن يتباطأ الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 1 في المئة هذا العام حيث يُثقل انخفاض أسعار النفط والقيود على التمويل كاهلَ الإنفاق الحكومي ومعنويات المستهلكين. ومن المتوقع أيضًا أن يَضعُف الحساب الجاري بشكل كبير في العام 2025، وذلك يرجع بصفة رئيسية إلى عائدات صادرات النفط الآخذة في الانخفاض. كذلك من المتوقع أن يؤثّر تدهور الوضع الخارجي على الاحتياطيات الأجنبية".
ولفت البيان الى "ازدياد مواطن الضعف في العراق في السنوات الأخيرة بسبب التَّوسُّع الكبير في المالية العامة، فإلى جانب التأثير على آفاق النمو الذي يقوده القطاع الخاص، فإن سياسات التوظيف المعمول بها حاليًّا في القطاع العام، وتكاليف الأجور المترتبة عليها غير مستدامة، وذلك نظرا إلى تدني حجم الوعاء الضريبي غير النفطي لدى العراق. وتبعًا لذلك، فقد تفاقم الاعتماد على عائدات النفط، وازداد سعر برميل النفط المطلوب لتصفير العجز في الموازنة، إلى حوالي 84 دولارًا في العام 2024، مرتفعا من 54 دولارا للبرميل في العام 2020".
تأجيل النفقات غير الأساسية
وأوضح البيان ان "تفاقم هذه التحديات سببه التراجع الحاد في أسعار النفط في العام 2025، ما يتطلب استجابة عاجلة على صعيد السياسات. فعلى المدى القصير جدًا، ينبغي للسلطات مراجعة خطط الإنفاق الجاري وخطط الإنفاق الرأسمالي للعام 2025، والحدّ من جميع النفقات غير الأساسية أو تأجيلها".
وقال خبراء البعثة بحسب البيان، ان "تنفيذ الإصلاحات يوفر حيزا ماليا لزيادة الإنفاق الرأسمالي. إذ ينبغي لتوسيع الاستثمار غير النفطي، لا سيّما في البنية التحتية للتجارة والنقل، أن يُساعد على التنويع الاقتصادي. وتقتضي الحاجةُ أيضًا تنفيذ استثمارات جوهرية لتحديث قطاع الكهرباء، وتنمية موارد الغاز الطبيعي؛ فكلاهما ضروري لتحسين أمن الطاقة وتقليص الاعتماد على الغاز المستورد. ومن شأن تحسين المشتريات وإدارة الأموال العامة للدولة، ومكافحة الفساد أن تعمل كلها على تعزيز فعّالية أي استثمار عام إضافي". وعلى الرغم من ثناء البعثة على جهود البنك المركزي في التحول الى نظام تمويل التجارة الجديد، وتأثيرها على دعم الانخفاض الأخير في الفارق بين أسعار الصرف الرسمية وأسعار الصرف الموازية، الى ان البيان اشر "حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للحد من هذا الفارق، بما في ذلك عن طريق فرض استخدام الدينار العراقي في تنفيذ معاملات السيارات والعقارات، وتحسين الضوابط الجمركية للحد من التهريب، وتبسيط الحصول على العملات الأجنبية".
مكافحة غسيل الأموال
ودعا الخبراء من خلال البيان، الى "ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى تعزيز تدابير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال معالجة أوجه القصور المُحدَّدة في تقرير التقييم المشترك لفرقة العمل للإجراءات المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا فاتف)". كما نوه البيان الى انه "لا تزالُ عواملُ النقصُ المُزمنُ في توافر الطاقة، والفقدُ في قطاع الكهرباء، والدعم المفرط للتعرفة الكهربائية تُؤثّر كلها على الاقتصاد. فمعالجةُ أوجه القصور في قطاع الكهرباء أمرٌ مهمٌّ لاستدامة المالية العامة ولتحسين الإنتاجية. ففي العام 2024، بلغت نسبة الفقد في عمليات توزيع الكهرباء 55 في المئة، مدفوعةً بالسّرقات والتوصيلات غير القانونية، مما أدى إلى خسائر مالية كبيرة.
الشفافية والحصول على المعلومات
وتابع البيان بحسب رأي الخبراء، ان "مكافحةَ الفساد ونقاط الضعف في الحوكمة أمرٌ لا مفرَّ منه، وذلك لأجل دعم التنمية الاقتصادية. وتُعَدُّ الخطواتُ المتخذة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ورفع كفاءتها، والتحسيناتُ في المؤشرات/ الأرقام القياسية لإدراك الفساد تطوراتٍ إيجابية في هذا المجال. ومع ذلك، فما زال الفساد يُشكّل عقبةً كبيرة في تحقيق النمو"، موضحا ان "تعزيزُ أُطر المساءلة لتشغيل الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة في قطاعات النفط والكهرباء والتشييد. يعتبر أمرًا بالغ الأهمية، ويجب إعطاء الأولوية للامتثال الشامل لمعايير مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وسنّ قانون الشفافية والحصول على المعلومات.
تحسين تعليم المرأة
واختتم البيان بالإشارة الى ان "وجودُ أجندة شمولية للإصلاح الهيكلي أمر ضروري لإطلاق العنان لإمكانات النمو. فالبعثةُ تُقدِّر بأن تنفيذ مجموعة شاملة من الإصلاحات، التي تشمل سوقَ العمل، وتنظيم أنشطة الأعمال، والقطاع المالي والحوكمة، يُمكنها جميعها أن تضاعف نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي المحتمل تحقيقه على المدى المتوسط".
فيما نوّه الى انه "على صعيد سوق العمل، تشمل الأولويات زيادة المشاركة في القوى العاملة، لا سيما بين النساء، من خلال تحسين تعليم المرأة، والمساهمة الأكبر في رفع الحواجز التي تحول دون ممارستها العمل وقدرتها على الحركة والتَّنقُّل، وإصلاح التوظيف في القطاع العام؛ فكلُّ هذه العوامل تُؤدّي إلى تشويه أسواق العمل وتقليل الإنتاجية. وينبغي تعزيز الجهود لمواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل. وبشكل أكثر عمومية، فإن تبسيط اللوائح/ الأنظمة والحد من المعوّقات البيروقراطية في تسجيل أنشطة الأعمال، أو إدارة الضرائب، على سبيل المثال، من شأنه أن يزيد من المشاركة في الاقتصاد الرسمي/النظامي، ويساعد على تنمية القطاع الخاص".