تواجه الكثير من العائلات العراقية صعوبة في تسجيل أطفالها في رياض الأطفال الأهلية، بسبب قلة الرياض الحكومية وارتفاع كلفتها في القطاع الخاص.
ومع تزايد الحاجة إلى التعليم المبكر، يرى كثير من الأهالي أن هذه المرحلة العمرية لم تحظَ باهتمام كاف من الدولة.
ضرورية لتنشئة الأجيال
تقول الناشطة التعليمية أروين عزيز أن "رياض الأطفال ليست ترفا، بل ضرورة أساسية في بناء شخصية الطفل وتنمية مهاراته منذ سنواته الأولى، اذ تلعب دورا مهما في تشكيل قدراته المعرفية والاجتماعية والعاطفية".
وتضيف ان الأجيال السابقة كانت تعتمد كثيرا على رياض الأطفال كمكان أمني وتعليمي لاولادهم، خاصة الموظفين منهم.
وتشير عزيز في حديث لـ "طريق الشعب"، الى أنه "رغم هذه الأهمية، إلا أن هذه المرحلة ما تزال مهمشة في العراق، في ظل غياب الدعم الحكومي الكافي، وعدم وجود خطة وطنية واضحة لتوسيع نطاق رياض الأطفال، خاصة في المناطق الريفية والقرى والمحرومة".
وتذكر ان "هناك تفاوتا كبيرا بين ما يحتاجه الطفل العراقي في هذه المرحلة، وما هو متاح فعليا على أرض الواقع، سواء من حيث عدد الروضات أو جودة الكادر التعليمي أو المناهج المستخدمة".
وتعتقد ان "هذا الإهمال الحكومي دفع كثيرا من الأهالي إلى اللجوء إلى مؤسسات تعليمية غير مسجلة، لا تخضع للرقابة، ما يشكل خطرا على جودة التعليم، بل على سلامة الأطفال أنفسهم".
وتؤكد أن "الوضع يتطلب تحركا عاجلا من قبل وزارة التربية، من خلال سن قوانين صارمة للرقابة على المؤسسات، وتوفير دعم مباشر لرياض الأطفال الحكومية، مع الاهتمام بتدريب الكوادر وتأهيل المناهج"، لافتا الى وجود مدارس تستقبل الأطفال بمبالغ خيالية فيما يحرم اقرانهم من أبناء العوائل الفقيرة وحتى متوسطة الدخل، ما يخلق فجوة اجتماعية بين الأجيال القادمة. كما يخلق فرصا مستقبلية أكثر للأطفال الذين اتيحت لهم فرص التعلم.
وتجد أن "الطفولة المبكرة هي القاعدة التي يبنى عليها مستقبل الإنسان، وأي خلل في هذه المرحلة ينعكس لاحقا على المنظومة التعليمية ككل".
وتخلص الى القول: "إذا أردنا مستقبلا أفضل للعراق، فيجب أن نبدأ من روضة الطفل، لا من قاعة الجامعة".
فرصة لاكتساب مهارات التواصل
من جانبها، تعبّر مريم علاء وهي أم لطفلين عن رغبتها في إلحاق أطفالها بروضة أطفال "للأسف لا توجد أي روضة حكومية قريبة من منطقتنا"، مشيرة إلى ان "وجود أطفالي في بيئة تعليمية منظمة، مهم جداً بالنسبة لي، خاصة في هذا الزمن الذي أصبح فيه الأطفال عرضة لمحتوى غير مناسب عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أشاهدهم يومياً وهم يقلدون ما يرونه على الإنترنت دون وعي، وهذا الأمر يثير قلقي بشكل كبير، كما اسمع ان الأجهزة الإلكترونية تجعلهم أكثر عزلة".
وتقول لـ"طريق الشعب" ان "رياض الأطفال ليست فقط مكاناً للتعلم، بل أيضاً فرصة لاكتساب مهارات التواصل، والانضباط، والاعتماد على النفس. أريد لأطفالي أن يدخلوا المدرسة وهم مستعدون نفسياً وتعليمياً".
وتوضح ان "الروضات الأهلية مكلفة جداً. إلى جانب الأقساط المرتفعة، هناك متطلبات مثل القرطاسية، الملابس الموحدة، وأدوات الخط، وكلها فوق إمكانياتنا".
"ومع غياب البدائل الحكومية، يتحول التعليم المبكر إلى رفاهية لا يقدر عليها أمثالنا". تضيف المتحدثة.
وأعلنت وزارة التربية، خلال شهر شباط من العام الجاري، إغلاق أكثر من 100 مؤسسة أهلية مخالفة للضوابط عام 2024.
وذكر بيان للوزارة، أنه "تم إغلاق أكثر من 100 مؤسسة تربوية أهلية بينها رياض اطفال مخالفة للتعليمات والضوابط الوزارية الرامية إلى توفير بيئة تعليمية آمنة وخاضعة لمعايير الجودة الشاملة".
وأضاف أن "ذلك جاء بعد متابعة ميدانية حثيثة قامت بها اللجان المختصة التابعة الى المديرية العامة للتعليم العام والأهلي والأجنبي في محافظات العراق كافة تحت إشراف المدير العام، علي سعود".
إهمال متعمد؟
وقال التربوي والناشط في مجال التعليم زيد شريف أن رياض الأطفال الحكومية تعاني من إهمال "متعمد"، مشيرا إلى وجود تضارب مصالح لدى بعض المسؤولين في وزارة التربية الذين يمتلكون حصصا أو أسهماً في رياض الأطفال الأهلية، وهو ما انعكس سلبا على جودة التعليم المقدم في المؤسسات الحكومية. وقال شريف في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "رياض الأطفال الحكومية أصبحت مجرد مكان لتضييع وقت الطفل، إذ يتخرج منها الطفل وهو لا يمتلك سوى 20 في المائة من المعرفة والمهارات التي يحصل عليها نظراؤه في رياض الأطفال الأهلية".
وأضاف أن هذه الفجوة في التحصيل المعرفي تظهر بشكل واضح لدى أطفال الأسر من ذوي الدخل المحدود، ما يؤثر لاحقًا على مستواهم الأكاديمي في المراحل الابتدائية.
وأشار شريف إلى أن وزارة التربية "غير مهتمة بالتوسع في إنشاء رياض أطفال حكومية جديدة"، برغم الزيادة السكانية المطردة في المحافظات، لافتا إلى أن "أغلب الأحياء في محافظة النجف تخلو من أي روضة حكومية للأطفال".