استهدف الاحتلال الصهيوني، المنشئات المدنية والعسكرية والنووية الإيرانية في ضربات جوية عديدة، وادى هذا الاعتداء المدان الى أضرار مادية وبشرية كبيرة في مناطق عدة، فيما ردّت طهران بتوجيه مئات الصواريخ والطائرات المسيرة، طيلة ليلة الجمعة – السبت، والتي حققت العديد منها أهدافها.
وتستمر المناوشات بين الجانبين، حتى لحظة اعداد هذا التقرير، في ظل دعوات دولية وعربية الى ضرورة التهدئة وضبط النفس والعودة الى طاولة الحوار بشأن الملف النووي الايراني.
العراق يدين ويشتكي
ودانت الحكومة العراقية الاعتداء العسكري، وعدّته انتهاكاً صارخاً للمبادئ الأساسية للقانون الدولي، ولميثاق الأمم المتحدة، وتهديدا للأمن والسلام الدوليين، خصوصا انه حصل في اثناء فترة المفاوضات الامريكية ـ الايرانية.
وطالبت الحكومة المجتمع الدولي بـ"عدم التفرج، واتخاذ موقف رادع وعملي".
وشددت في بيان على لسان المتحدث الرسمي باسم الحكومة، على أهمية الشروع في حوار جاد لإيجاد اطر بديلة، تتضمن المساءلة، وتفرض العدالة، وتحمي السلم العالمي في حال عجز الآليات القائمة.
وفي السياق، قدمت وزارة الخارجية شكوى الى مجلس الأمن الدولي ضد الاحتلال الصهيوني الذي انتهك الأجواء العراقية، خلال تنفيذه الاعتداء العسكري على الجارة ايران.
ادانة السيستاني والصدر
كما دان المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني هذا العدوان، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على هذا الكيان المعتدي وعلى داعميه، لمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات.
فيما حذّر زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر من توسع الحرب، مؤكداً رفضه استخدام الأجواء العراقية في العدوان على إيران. كما شدد على أهمية إبعاد العراق عن الحرب، ومحاسبة الكيان الصهيوني عبر الطرق المعمول بها دولياً، ودعا العراقيين الى الإصغاء لصوت الحكمة.
مجلس الأمن يدعو للحل السلمي
من جانبه، حذر مجلس الامن الدولي خلال جلسة طارئة عقدت بدعوة من ايران، من العواقب الوخيمة التي ستحصل في حال استمرار التصعيد. واعتبر المجلس ان افضل وسيلة لضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني تكون "عبر المفاوضات والحل السلمي".
ودعا الى تجنب اندلاع أي تصعيد متزايد في منطقة الشرق الأوسط بأي ثمن.
وأعربت روزماري ديكارلو وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، عن "إدانة أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة لأي تصعيد عسكري في الشرق الأوسط، مؤكدة التزام الدول الأعضاء بعدم استخدام القوة ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي، وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
الصين وروسيا
من جهتها، أعربت الصين عن قلقها البالغ إزاء العواقب الوخيمة بعد الضربات الإسرائيلية على إيران، مؤكدة معارضتها أي انتهاك للسيادة الإيرانية.
ودعت الخارجية الصينية الأطراف المعنية إلى التصرف بطرق تخدم السلام والاستقرار الإقليميين، مشيرة إلى استعدادها للعب دور بناء في تهدئة الوضع.
فيما دانت موسكو في بيان صدر عن الوزارة الخارجية "بشدة الإجراءات ضد إيران"، مشيرة إلى أنها "تنتهك بشدة ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي". وقالت إن "الضربات الإسرائيلية في إيران غير مقبولة وغير مبررة".
هذا وصدرت مواقف عربية ودولية عديدة، دانت العدوان، ودعت الى تجنب التصعيد ومحاسبة إسرائيل على تصرفات حكومتها المتطرفة.
التيار الديمقراطي العراقي
واستنكر التيار الديمقراطي العراقي في بيان تلقته "طريق الشعب"، الهجوم، الذي اعتبره "تصعيدًا خطيرًا يُهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ويعرض شعوب المنطقة لمزيد من المخاطر والمعاناة".
ودعا البيان، الحكومة العراقية إلى اتخاذ موقف واضح يدعو إلى التهدئة، والعمل على تجنيب المنطقة مزيدًا من التصعيد، عبر التنسيق مع الأشقاء في الدول العربية والإسلامية، بما يُسهم في حماية استقرار المنطقة، والحفاظ على مصالح شعوبها، وتعزيز فرص السلام والتنمية.
الأحزاب الشيوعية تشجب
ودان عدد من الأحزاب الشيوعية في المنطقة، الاعتداء الصهيوني على إيران، وشددت على ضرورة تجنب المنطقة أي مسعى للحرب ومحاسبة حكومة الاحتلال الصهيوني المتطرفة.
ودان حزب توده الإيراني الهجوم بشدة، قائلا في بيان، ان "التصعيد من الطرفين لن يسفر سوى عن عواقب وخيمة"، وأكد "التزامه بحماية المصالح الوطنية الإيرانية".
ورفض الحزب "أي تدخل عسكري أو عدوان أجنبي ضد إرادة الشعب الإيراني ورغباته وحقوقه"، منبها الى انه "لا يستفيد من التوتر والحرب إلا الإمبريالية والقوى الرجعية التابعة والاستبداد الحاكم".
كما دعا البيان، القوى التقدمية في إيران والعالم إلى إدانة هذا الانتهاك، ومنع الصراع العسكري واسع النطاق والمدمر وإحلال السلام في الشرق الأوسط.
ودان الحزب الشيوعي اللبناني هذا الاعتداء، مؤكداً "حق كل الدول والشعوب في تطوير تقنياتها العلمية والتكنولوجية بما فيها النووية للأغراض السلمية الهادفة لتوليد الطاقة".
ومثله، استنكر الحزب الشيوعي الأردني بأشد العبارات هذا العدوان، مشدداً على ان "مساعي إسرائيل الى الاحتفاظ بالتفوق العسكري وتكريس الاحتلال وتصفية حق الشعب الفلسطيني وحرمانه من حق العودة وتقرير المصير، وجر دول المنطقة العربية الى مستنقع التطبيع هو السبب الحقيقي للاعتداء على إيران ودول المنطقة".
وحذر الحزب، السلطة الأردنية من خطورة القواعد العسكرية الأجنبية وخصوصاً الأمريكية، مؤكداً على ضرورة تفكيكها وإلغاء الاتفاقيات الناظمة لوجودها.
كما أبدى حزب الشعب الفلسطيني استنكاره للعدوان واستمرار التصعيد الإمبريالي الصهيوني ضد دول وشعوب المنطقة. وأكد الحزب "ضرورة الوقف الفوري للحرب العدوانية والإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال عن أراضيه وتلبية حقوقه الوطنية وفق قرارات الأمم المتحدة".
فيما دعا الحزب الشيوعي الفرنسي في بيان، الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ موقف حاسم لصالح وقف فوري لإطلاق النار، وتحقيق السلام في المنطقة، وفرض عقوبات على إسرائيل، من خلال تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وطالب الشيوعي الفرنسي بـ"وقف جميع شحنات الأسلحة والمعدات العسكرية. كما يجب التوصل إلى حل تفاوضي بشأن الملف النووي الإيراني، استناداً إلى المفاوضات التي جرت خلال الأسابيع الماضية".
وأكد أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مؤكداً تضامنه مع القوى الديمقراطية والساعية للسلام.
أهمية الدور الدبلوماسي
من جانبه، قال الدكتور أثير الجاسور، أكاديمي وباحث في الشأن السياسي، ان "الكيان الصهيوني سعى الى إضعاف الخارج الإيراني، من خلال تضييق جغرافية حلفاء طهران بعد إنهاء قدرات حزب الله وحركة حماس ونهاية نظام بشار الأسد، وهذا ما يعني ضعف جغرافية الصد الإيرانية"، حسب وصفه.
وأضاف الجاسور في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "الصهاينة لم يريدوا لإيران ان تجلس على طاولة المفاوضات وبالتالي هي تضغط على الولايات المتحدة لتكون طرفاً أساسياً في هذه الحرب"، وبالتالي كان ذلك احد ابرز أسباب هذا الاعتداء.
وأضاف الجاسور، وهو أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة المستنصرية، ان "تبعات هذا التصعيد ستجر المنطقة الى تحالفات وتصنيفات رسمية وغير رسمية جديدة، ومنها إمكانية إعادة الاستقطابات الإقليمية والدولية بقيادة روسيا والصين مما سيعزز من نفوذهما في الشرق الأوسط، فضلا عن بداية لمحاور جديدة بقيادة إيران مختلفة عن محاورها السابقة".
وحذر الجاسور من جرّ المنطقة إلى حرب مفتوحة، داعيا الحكومة العراقية الى العمل ضمن الدوائر الدبلوماسية والابتعاد على ان تكون ضمن معادلة الحرب الحالية.
وأردف كلامه بان الواقع يؤكد ان العراق "عنصر في الحرب بسبب جغرافيته، كذلك إمكانية ان تتحرك الفصائل الموالية الى إيران وكذلك التعاطف الجماهيري ضد الكيان الإسرائيلي، لذلك ان مبدأ ان يكون العراق ضمن مستوى متقدم في الحرب وارد جداً".
وشدد على أهمية الدور الدبلوماسي، الذي اعتبره "المسار الوحيد الذي يجب أن يلعبه العراق لتجنب خطر الحرب وتداعياتها".
العراق المتضرر الأكبر
ومن جانب آخر، حذّر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني من التداعيات الخطرة لأي تصعيد عسكري بين الدول في منطقة الخليج، مشيرا إلى أن "العراق سيكون من بين أكثر المتضررين اقتصاديًا، نظرًا لاعتماده شبه الكلي على صادرات النفط".
وقال المشهداني لـ"طريق الشعب"، إن "أي حرب في المنطقة ستترك آثارًا سلبية كبيرة على اقتصادات الدول المجاورة، لا سيما في ظل الترابط القوي مع الاقتصاد العالمي، إضافة إلى كون الخليج يُعد من أهم مناطق إنتاج وتصدير النفط عالميًا، حيث تبلغ صادراته نحو 17 مليون برميل يوميًا من أصل 45 مليون برميل تُطرح في السوق العالمية".
وأضاف أن "احتمال تطور الصراع إلى حد إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط قد يصل إلى 200 دولار للبرميل، وهو ما سينعكس سلبًا على الاقتصاد العالمي"، مؤكدًا أن "دول الخليج – ومن بينها العراق – لن تستفيد من هذا الارتفاع، كونها ستكون غير قادرة على التصدير في حال إغلاق الممرات البحرية".
ونبه إلى أنّ "توقف التصدير يعني انقطاع الشريان الرئيس لتمويل الرواتب والإنفاق الحكومي"، مشيرا إلى أن "تطور الصراع قد يطال البنية التحتية في إيران، الأمر الذي يؤثر على الاقتصاد العراقي، باعتبار أن العراق يستورد من إيران ما قيمته 10 إلى 12 مليار دولار سنويا من الغاز والمشتقات النفطية والمواد الغذائية".
كما حذّر من مخاطر بيئية واجتماعية محتملة جراء استمرار التصعيد، قائلًا: ان "الحروب لا تترك فقط آثارًا اقتصادية، بل بيئية أيضًا، منها التلوث الناتج عن الحرائق واحتمالية تضرر منشآت نووية، وهو ما قد يصيب بعض المحافظات العراقية القريبة من الحدود".
إفشال مفاوضات طهران وواشنطن
أما الخبير الأمني كاظم الجحيشي، فقد أكد ان إسرائيل سترفع سقف التصعيد العسكري ضد إيران إلى مستوى "الحرب المفتوحة، بعد أن تجاوزت المواجهة بين الطرفين نطاق الضربات المحدودة أو العمليات النوعية.
وقال الجحيشي إن هذه الحرب "تهدف بالدرجة الأساس إلى إفشال المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، وإجبار إيران على تقديم تنازلات عبر الضغط العسكري".
وأضاف أن "المعطيات الميدانية، بما في ذلك عمليات اغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين، تشير إلى أن إسرائيل تخوض صراعاً طويل الأمد، وقد حدّدت مسبقاً ما لا يقل عن 150 هدفاً بين منشآت ثابتة ومتحركة وشخصيات مستهدفة".
وقال وزير خارجية إيران عباس عراقجي في تصريحات صحفية، إن استمرار المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأمريكا "غير مبرر في ظل وحشية إسرائيل".
وأضاف أنه "طالما تتواصل اعتداءات إسرائيل فلا معنى لحوار مع طرف يعد أكبر داعم للمعتدي ومتواطئ معه"، موضحاً أن "واشنطن ساندت الكيان الصهيوني في عدوانه بما فيه استهداف منشآتنا النووية السلمية".
واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفيرة السويسرية في طهران، نادين لوزانو، التي تمثل مكتب رعاية المصالح الأمريكية، وذلك للاحتجاج على الهجمات الأخيرة المنسوبة إلى إسرائيل.
وطبقا للجحيشي فإن "فشل المفاوضات قد يُعد تهديداً استراتيجياً لمصالح الولايات المتحدة، ويوفر غطاءً سياسياً وعسكرياً للمشاركة في الحرب".