أهوار ذي قار.. تراث عالمي يواجه تهديداً وجودياً.. ومجلس المحافظة يطلب تدخلاً عاجلاً
نشر بواسطة: mod1
الأحد 15-06-2025
 
   
تبارك عبد المجيد -طريق الشعب

تعاني محافظة ذي قار من أزمة مائية حادة باتت محط اهتمام الإعلام المحلي والدولي على حد سواء. فقد أدى جفاف الأهوار إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، بما في ذلك موجات النزوح المتزايدة وارتفاع معدلات الفقر، ما جعل الأزمة قضية حيوية لا يمكن تجاهلها. ورغم خطورة الوضع وتأثيراته الواضحة على حياة السكان، لا تزال الاستجابة الحكومية متواضعة وغير كافية لمواجهة تداعيات هذه الأزمة المتفاقمة بشكل فعال.

ترك مهنة الصيد

يقول عامر الزبيدي، أحد صيادي الأسماك، من اهوار ذي قار لـ "طريق الشعب"، أنه اضطر إلى ترك مهنة الصيد في أكثر بقعة يشعر بالانتماء لها، بسبب الجفاف.

ويضيف الزبيدي خلال حديثه لـ "طريق الشعب"، بحزن: "تركت مهنتي التي مارستها منذ الطفولة، واعمل الان في مهنة لا تشبهني: عامل في محل حدادة وسط المدينة".

ويشير الزبيدي الى، أن "اغلب سكان الاهوار تركوا مهنهم بسبب صعوبة العيش، ولم يبق سوى قليل منهم ممن لا يزال الامل يحدوهم بعودة الاهوار كما كانت عليه"، لافتا إلى ان إنعاش الاهوار يحدث بشكل طارئ، وسرعان ما تعود الى ارض قاحلة.

ويتمنى المتحدث ان لا تفقد محافظة ذي قار هويتها الممتدة إلى الاف السنوات.

موجة نزوح تحوّل الهور لذكرى باهتة

ويؤكد سجاد الربيعي، ناشط بيئي من محافظة ذي قار، أن أكثر من 1000 صياد اضطروا لمغادرة مناطق الأهوار بسبب الجفاف المستمر، إما بحثا عن فرص عمل بديلة أو نزوح إلى مناطق لا تزال تحظى بتوفر المياه.

وفي حديثه لـ"طريق الشعب"، أوضح الربيعي أن هذه الموجة من النزوح تركت أثرا بالغا على النسيج الاقتصادي والمهني والتاريخي للمحافظة، حيث تحولت مهن الصيد والزراعة، التي كانت تشكل العمود الفقري لاقتصاد الأهوار، إلى مجرد ذكريات باهتة لدى السكان المحليين.

ويقول أن التحول من إنتاج الموارد الغذائية إلى الاعتماد على الاستهلاك سيزيد من الضغوط على المراكز الحضرية، كما سيفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية.

ويضيف أن تزايد أعداد السكان المستهلكين دون وجود بدائل اقتصادية مستدامة سيؤدي إلى تفاقم البطالة، وانتشار الفقر، وتدهور الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى خلق أزمات في توفير الغذاء والماء".

وتقول التدريسية في جامعة ذي قار، منار ماجد، إن العراق يواجه أزمة مائية حقيقية منذ سنوات، تعود أسبابها إلى مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية المتداخلة.

وتضيف ماجد في حديث لـ "طريق الشعب"، أن الخلل في توزيع المياه بين المناطق يعد أحد أبرز مظاهر هذه الأزمة، وهو أمر يرتبط مباشرة بالظروف البيئية المحلية، مثل طبيعة المناخ وطبوغرافية الأرض، إلى جانب سوء توزيع الحصص المائية من دول المنبع، وازدياد الطلب البشري على المياه نتيجة النمو السكاني المستمر.

وترى ماجد، أن هذه العوامل مجتمعة ساهمت في "ظهور أزمات متعددة الأوجه، امتدت آثارها إلى القطاعات الاقتصادية والزراعية والاجتماعية".

وتضيف، ان "العراق جزء من منظومة عالمية متأثرة بندرة المياه وتغير المناخ".

وتشير إلى أن التغير المناخي يُعد اليوم من أبرز التحديات التي تهدد الموارد المائية، موضحة ان التغير المناخي يعني تلك التحولات التي تصيب المناخ العام خلال فترات زمنية طويلة، قد تمتد لعقود أو قرون، وينتج عنها تذبذب واضح في معدلات الأمطار ودرجات الحرارة، ما يخلق أنماطاً مناخية جديدة تؤثر بشدة على الموارد المائية.

وتبين أن محافظة ذي قار تعتمد على نهري دجلة والفرات كمصادر رئيسية للمياه، إذ تستفيد المناطق الشمالية والشرقية من مياه جدول الغراف القادم من نهر دجلة، بينما تعتمد المناطق الجنوبية والغربية على مياه نهر الفرات، وكلا النهرين ينبعان من تركيا، ما يعكس أهمية تنظيم وترتيب العلاقات المائية مع دول المنبع.

وتتابع ماجد ان "الدراسات المناخية الحديثة أظهرت وجود تغيرات واضحة في منطقة حوض النهرين، متأثرة بارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار، وهذا مرتبط بمناخ شمال الأطلسي، الذي تتسبب تقلباته بتذبذب معدلات الأمطار في المنطقة، علماً أن 27 من موارد مياه النهرين تعتمد على الأمطار الموسمية".

وتحذر من أن هذا التراجع في التساقط المطري أسهم في انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة 50 في المائة، مشيرة إلى أن موسم الشتاء في عام 1998-1999 شهد واحدًا من أسوأ معدلات الأمطار، ما أدى إلى تراجع إنتاجية محاصيل القمح والشعير بنسبة 63 في المائة، وخسائر في الزراعة الديمية وصلت إلى 70 في المائة.

مؤشرات مناخية

وتستعرض ماجد المؤشرات المناخية في محافظة ذي قار، مشيرة إلى ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة خلال العقود الماضية. وتقول: "سجلت المحافظة أعلى معدل سنوي لدرجة الحرارة في عام 2000 وبلغ 27.3 درجة مئوية، مقارنة بـ22.9 درجة في عام 1984، مما يعكس فرقًا قدره 4.5 درجات".

أما الرطوبة النسبية، فتؤكد أنها شهدت تناقصا مستمرا، حيث انخفضت من 45.3 في المائة حلال الأربعينات إلى 40 في المائة في العقد الأول من الألفية الجديدة، وقد تصل إلى 30 في المائة  بحلول عام 2080، وهو ما سينعكس سلبا على معدلات الأمطار. وتضيف: "كلما انخفضت الرطوبة، تراجعت الأمطار، فقد تراجع المعدل السنوي من 161.5 ملم في الأربعينات إلى 132.4 ملم خلال العقد الأخير".

وتختتم ماجد حديثها بالتشديد على أن مناخ محافظة ذي قار يتجه نحو الجفاف وليس مجرد التذبذب المناخي، بفعل الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، وانخفاض مستويات الرطوبة، مما يزيد من خطورة الوضع المائي ويستدعي استجابة عاجلة من الجهات المعنية.

تدهور بيئي ومعيشي

ويكشف رئيس لجنة التصحر والجفاف في محافظة ذي قار، حيدر السعيدي، عن أبعاد خطيرة للأزمة البيئية والإنسانية التي تعصف بالمحافظة، مؤكداً أن ذي قار أصبحت من أكثر المحافظات تضرراً في العراق نتيجة التغيرات المناخية وشحّ المياه، ما تسبب في موجات هجرة داخلية واسعة وتدهور بيئي ومعيشي كبير.

ويقول السعيدي لـ "طريق الشعب"، "لدينا مجموعة من التقارير والدراسات التي توثق حجم الكارثة، كما نعمل بتحرك جاد على المستويين الحكومي والدولي، بالتعاون مع منظمات دولية ووزارات ذات صلة. ذي قار اليوم تمثل رقماً صعباً، إذ تجاوز عدد المهاجرين داخلياً أكثر من 10,000 شخص".

ويشير السعيدي إلى أن الهجرة لم تتم بشكل عشوائي، بل وثّقت وفق استمارات رسمية ومعايير دولية، لاقت استحسان عدد من الجهات الأممية بسبب دقتها وجودتها.

وأردف: "اعتمدنا التصوير الجوي لمناطق كانت مغمورة بالمياه وأصبحت اليوم جافة بالكامل، ما أضفى مصداقية أكبر على تقاريرنا".

ولفت إلى أن ذي قار تختلف عن باقي المحافظات العراقية، كونها تفتقر لأي مصدر دخل بديل أو مشاريع استراتيجية يمكن أن تمول تعويضاً عن الخسائر. وأضاف: "نحاول أن نكسب دعماً من الحكومة المركزية عبر تقليص الخطط الزراعية في محافظات أخرى لضمان حصص مائية عادلة، إلى جانب التواصل مع المنظمات الدولية للضغط على الجانب التركي في هذا الملف الإنساني، خاصة أن ما يحدث أقرب إلى إبادة جماعية صامتة".

وأكد السعيدي أن الأزمة تركت آثاراً عميقة على البنى التحتية والخدمات الأساسية، موضحاً أن أغلب النازحين استقروا في مركز المحافظة، مدينة الناصرية، ما شكل ضغطاً كبيراً على خدمات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم. وقال: "لدينا تحديات كبيرة في استيعاب الأطفال وتوفير المدارس، فضلاً عن خدمات صحية خاصة للنساء في المناطق التي نزحوا إليها".

فيما حذر من مخاطر أمنية محتملة، قائلاً: "المناطق التي أُخليت من سكانها قد تتحول إلى ملاذ للعصابات المنظمة وتجار المخدرات، خاصة في ظل ضعف الرقابة وانعدام الوجود الأمني. كما فقدنا إنتاجية مناطق كانت تعتمد على تربية الجاموس والأسماك، وتحولت إلى مناطق استهلاكية".

واختتم السعيدي بالإشارة إلى تفاقم الوضع الصحي، قائلاً: "نرصد ارتفاعاً في نسب التلوث والإصابة بأمراض مثل السرطان، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن، نتيجة تدهور جودة المياه. التنوع الأحيائي في المحافظة بدأ بالانقراض، وهذا يتطلب تحركاً عاجلاً على المستويات كافة".

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced