رضا الظاهر في كتاب جديد شكسبير .. مقاربة جمالية ماركسية
نشر بواسطة: mod1
الأحد 29-06-2025
 
   
كمال فهمي

بـكتابه الجديد (شكسبير .. مقاربة جمالية ماركسية)، الصادر، مؤخرا، عن دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، يضيف الكاتب رضا الظاهر مساهمة جديدة متميزة الى انجازاته الابداعية متمثلة بكتبه وأبحاثه الهامة.

ويضم الكتاب، الذي صمم غلافه الفنان القدير الدكتور فلاح حسن الخطاط، ويقع في 263 صفحة من القطع المتوسط، 7 فصول تبدأ بمقدمة ضافية تحمل عنوان (في منهجية دراسة شكسبير)، وتغطي ما يقرب من 40 صفحة، ويتضمن الكتاب فصولا هي: (ماركس "شكسبيرياً" وشكسبير "ماركسياً")، (دراما رأس المال)، (شايلوك .. الناطق باسم الرأسمالية)، (عاصفة التاريخ)، (إعادة قراءة هاملت)، (شكسبير معاصرنا). وفي خاتمة الكتاب ملحق يتضمن التسلسل التاريخي لحياة شكسبير وقائمة بما أنجز من أعمال مسرحية.

ومما جاء في نص الغلاف الأخير أن "هذا الكتاب يسعى الى إضاءة منهجية دراسة شكسبير من منظور ماركسي، ويبحث في (دراما رأس المال)، وكيف حلل الكاتب المسرحي الانجليزي الفذ، ارتباطا بذلك، شخصية (شايلوك) في مسرحية (تاجر البندقية)، باعتباره ناطقا باسم الرأسمالية في مرحلة نشوئها. كما يحلل الكتاب سمات "عاصفة التاريخ" عبر دراسة مسرحية (العاصفة)، ويعيد قراءة (هاملت)، وما انطوت عليه المناجاة الشهيرة: "أن تكون أو لا تكون، تلك هي المسألة" من تجسيد لمصيرنا الوجودي ومرآة حياتنا، وتصوير شكسبير لأعمق المشاعر الانسانية. ويحاول الكتاب، أخيرا، ومن بين موضوعات أخرى، الاجابة على سؤال: لماذا مايزال شكسبير راهنا؟

وفي سياق هذه الموضوعات تجري العودة، بالطبع، الى مسرحيات شكسبير ذات العلاقة حيثما كان هذا ضروريا.

ومن الطبيعي أن كل جيل من النقاد والقراء يعيد تفسير مسرحيات شكسبير منذ أن ظهرت أول مرة قبل ما يزيد على أربعة قرون، حيث عاش شكسبير في فترة تحول عنيف واضطراب اجتماعي، حتى وقتنا الراهن، حيث ماتزال هذه المسرحيات تجسد عبقرية "معاصرنا" شكسبير، وإنجازه الجمالي الفريد".

ومعلوم أن هناك ما لا يحصى من الكتب والدراسات التي تناولت شكسبير بالتحليل، وبحثت في مختلف جوانبه الشخصية والابداعية. وفي اللغة العربية يوجد الكثير منها سواء كان موضوعا أو مترجما. لكن لا يوجد، على حد علمنا، بحث بصيغة كتاب من المنظور الذي ينهجه الباحث رضا الظاهر في عمله هذا.

يقول المؤلف إنه "في الوقت الذي كان شكسبير يكتب كانت الاقطاعية في طريقها الى الاضمحلال، والرأسمالية في طريقها الى الازدهار، وقد برع شكسبير في تصوير هذا الانتقال التاريخي". ويضيف إنه "بينما لا يمكن لشكسبير نفسه أن يوصف كثوري، فان لفنه تأثيرا راديكاليا على المجتمع. فقد كان شكسبير يصارع في سياق تصادم القديم والجديد. وقد ينظر الى الوراء لخلق معنى للعالم المحيط به، ولكن عمله كان يتطلع الى أمام، أيضا، متسائلا عما يمكن لهذا المجتمع الجديد أن يقدم".

ويشير الظاهر الى أن ماركس أحب أعمال شكسبير منذ عمر مبكر، ويمكن أن نرى تأثير شكسبير عبر كتابات ماركس. فشخصية شايلوك في مسرحية (تاجر البندقية) تقدم لماركس تجسيدا أدبيا للواقع العنيد لمراكمة الثروة، وهو ما ميز الطبقة الرأسمالية الناشئة في أوروبا أوائل القرن التاسع عشر. ولكن في (رأس المال) يقوم ماركس باستخدام شايلوك باعتباره صوت المضطهِدين، وكذلك صوت المضطهَدين. وغالبا ما تعتبر (تاجر البندقية) إشكالية في أيامنا لأن تقديمها يمكن أن يقع ضحية الصور النمطية لمعاداة السامية.

ويضيف الظاهر الى أن ماركس يشير، أيضا، الى (تيمون الأثيني) في (رأس المال) عندما يبحث في التأثير المدمر للمال على العلاقات الانسانية. فالمسرحية مليئة بعمليات تبادل النقود والسلع التي تتخذ شكلا فاسدا ومنحرفا في مجتمع تيمون، إذ ما أن تشح النقود يتبخر "أصدقاء" تيمون، الذي يتحدث بازدراء عن كيف أن يأسه جاء عبر المال وموقف الآخرين منه.

ويوضح المؤلف إن ماركس يطرح تحليله الخاص للأهمية الأبعد لكلمات تيمون ليقول إن شكسبير جسد سمتين للمال بشكل خاص: (1) إنه الإله المرئي، تحول جميع السمات الانسانية والطبيعية الى ضدها، التباس وانقلاب الأشياء الشامل، و(2) إنه العاهرة المشتركة، البغي المشتركة بين البشر.

ويضيف أن ملاحظات ماركس تخترق قلب الرأسمالية: الإله الحقيقي للمجتمع الحديث هو الجشع، والمعابد الحقيقية هي المصارف والبورصات، والكهنة هم المصرفيون والتجار، وهو ينجحون في الحياة عبر مطالبتهم برطلهم من جسد الناس عندما تسير الأمور على نحو لا يروق لهم.

ويشير المؤلف الى أنه في فجر المجتمع الجديد نتذكر كلمات شكسبير على لسان الملك لير: "يتعين على الانسانية أن تكون فريسة لنفسها بالقوة، مثل وحوش الأعماق". وقد عبر ماركس عن إحساس مماثل في (رأس المال) عندما قال إن "رأس المال يولد وهو ينزف قذارة من جميع مسامه، من الرأس حتى أخمص القدمين".

ويرى رضا الظاهر أن "نقادا يجادلون بأن (تاجر البندقية) كمسرحية هي قصة صعود الرأسمالية البرجوازية الحديثة. ويطرح القصد في خلق شخصية شايلوك التباسا، ذلك أنه من غير اليسير معرفة قصد شكسبير في خلق هذه الشخصية. ومع ذلك فانه من المفهوم أن السمات التي يحملها شايلوك (الاستغلال، التسليع، الاغتراب، التضحية اللاأخلاقية بالآخرين) تشبه، الى حد كبير، الطريقة التي ينتقد بها ماركس المجتمع الرأسمالي الحديث. وفي هذا السياق يشار الى أن "شكسبير كان واحدا من الآباء الروحيين لـ (البيان الشيوعي)".

ويضيف أنه يجري تحليل الخصائص المتأصلة في الرأسمالية على نحو مقصود من جانب شكسبير في عدد من مسرحياته، وبينها (الملك لير) و(هاملت)، وهما اثنتان من بين أفضل مسرحياته الكلاسيكية. لقد كان الاضطهاد والتسليع والاستغلال ودوافع الربح والاغتراب هي الأسس الرئيسية لماركس في نقد الآيديولوجية الرأسمالية. ويقرأ ماركس مسرحيات شكسبير ليخلق فلسفته الخاصة، ويقدم، من وجهة نظر نقدية، التأثيرات السلبية للرأسمالية الحديثة، وآيديولوجيتها الزائفة عبر تجسيد التسليع والاستغلال. فقد اقتبس ماركس من مسرحيات شكسبير، وكان الكثير من هذه الاقتباسات والتلميحات يظهر كمسائل هامة في تطور الماركسية.

ويقول الظاهر إن "ماركس يمارس ستراتيجية مزدوجة في (الثامن عشر من برومير لويس بونابرت). ففي الستراتيجية الأولى يجري تمثيل التاريخ باعتباره انحدارا كارثيا من نابليون الى لويس بونابرت. أما في الستراتيجية الثانية فان لتأثير هذا التكرار أن يزعزع حالة الأصل. فنابليون يمكن، الآن، حسب، أن لا تعاد قراءته عبر إبن أخيه، حيث يجري إيقاظ شبحه ولكن على شكل كاريكاتير. ومع ذلك فان الكاريكاتير والمحاكاة الساخرة والهجاء والمهزلة كانت بعيدة عن أن تكون أشكالا سلبية بالنسبة لماركس. وكشف ماركس في (الثامن عشر من برومير لويس بونابرت) عن تفسير بارع للتجسيد الأدبي والسياسي وللتكرار وعدم استقرار الأصل. وقد فعل ذلك، قبل كل شيء، عبر إعادة قراءة غير مباشرة لمسرحية (هاملت) كمحاكاة ساخرة أو مهزلة".

وفي الفصل الأخير الموسوم (شكسبير معاصرنا) يعالج المؤلف موضوع راهنية شكسبير. ويقول إن المصادر التي تتحدث عن راهنية شكسبير تؤكد أنه بات لا ينتمي الى عصر معين، ذلك أنه متجاوز للأزمنة. فبعد ما يزيد على أربعة قرون مايزال شكسبير حيا الى حد كبير، وهو اليوم أكثر شعبية مما كان عليه في أية مرحلة منذ رحيله. ويضيف أنه لا ريب أن الإنترنت جعل شكسبير أكثر انتشارا، ولكن هناك، أيضا، كم هائل من المحتوى البديل الأكثر معاصرة يمكننا أن نختار تناوله والاستمتاع به. ومع ذلك فان شكسبير هو الذي يرتقي الى القمة ليس على النت حسب، حيث يجري البحث عنه كثيرا، الى حد أنه توجد الآن محركات بحث خاصة بشكسبير.

لقد كان شكسبير واحدا من أفضل الكتاب لدى ماركس. ويشير الظاهر الى أن المسألة لا تكمن في أن ماركس "اعترف" بشكسبير، أو منحه استحقاقه، أو أنه استمد منه منهجية جمالية عميقة، وإنما إدراكه بأن أفضل معاصريه قلدوه في واقعيته. وعند مناقشة مسرحية لاسال (فرانز فون سيكنغن) نصحه ماركس بـأن يعود الى شكسبير، لا أن يتبع خطى شيلر في تحويل الأفراد الى مجرد ناطقين بروح الأزمنة. ولا ريب أن ماركس كان يعني أن فهم السياق التاريخي للأدب ينبغي أن يكون ملائما، على نحو متفرد، لاستخلاص العلاقة بين الفن والحياة.

ويرى الظاهر أن هناك أسبابا كثيرة تجعل شكسبير راهنا. فمسرحياته تعالج موضوعات هامة مثل الحياة والصراع والحيرة والحب والموت والخيانة، وهي موضوعات ذات صلة بأيامنا.

ويضيف أنه إذا كان من الجلي أن عظمة (هاملت) تكمن في الحيرة الاستثنائية التي اكتشفها شكسبير في الشخصية الرئيسية وفي أحداث المسرحية، التي جسدت المشاكل المعقدة للوجود الانساني، فان مناجاة هاملت التي تبدأ بـ" أن تكون او لا تكون، تلك هي المسألة"، تظل الأعمق تأثيرا والأكثر شهرة في تاريخ المسرح.

ويستنتج المؤلف أنه من الصعب أن نجد كاتبا آخر كان له مثل تأثير شكسبير على عالم الأدب والفن. فقد كان شكسبير نتاج عصر ثوري، عصر تحول فتح آفاقا جديدة أمام البشر، ووسع الرؤية، ورفع المخيلة الى قمم جديدة.

ويتساءل المؤلف: "هل يتعين علينا أن نستنتج أن شكسبير كان ظاهرة فريدة لا يمكن تكرارها؟"، ويقول إنه "بالطبع لا يمكن أن يكون هناك أرسطو أو رامبرانت آخر. فكل واحد قدم مساهمته المتفردة في الثقافة الانسانية في توافق مع الفترة التي عاش فيها. وطالما أن تلك الظروف الخاصة لن تتكرر، فان النتاجات الفنية والفلسفية التي نشأت عنها لا يمكن أن تتكرر بالطريقة ذاتها على وجه التحديد".

ويختتم المؤلف كتابه بالقول إنه "بالنسبة لنا، اليوم، تبدو الأحكام أو الادعاءات الساعية الى التقليل من شأن شكسبير مضحكة تماما. فعبقرية شكسبير معترف بها على نطاق واسع. وقد ترك بصمة لا تمحي في عالمنا. لقد مضى ما يزيد على أربعة قرون على رحيل شكسبير، ومنذئذ لم يتجاوزه أي كاتب في إبداع مخيلته وشعره وعمقه السايكولوجي, وهذا هو الذي جعل معاصره وخصمه بن جونسون يقول عنه: لم يكن مبدع عصره، بل مبدعا لكل أوان".. وتلك هي الحقيقة.    

مؤلف الكتاب، رضا الظاهر، كاتب وصحفي ومترجم. درس الأدب الانجليزي. وعمل في وسائل إعلام ومؤسسات صحفية مختلفة بينها (بي بي سي)، وكان محرراً ثقافياً في هيئة الاذاعة البريطانية في التسعينيات.

أصدر عموده الصحفي الموسوم (تأملات) في خمسة كتب.

ميدان بحثه الأساسي هو جماليات الأدب، ولديه كتب في هذا المجال، بينها: (غرفة فرجينيا وولف - دراسة في كتابة النساء)، و(الأمير المطرود - شخصية المرأة في روايات أميركية)، و(أمير آخر مطرود - شخصية المرأة في روايات بريطانية)، فضلا عن عدد من الكتب المترجمة في هذا الحقل المعرفي، بينها: (الدون الهاديء ليس هادئاً)، و(جماليات الصورة الفنية)، و(الوعي والابداع .. دراسات جمالية ماركسية)، و(الثقافة الروحية والتفكير الجديد).

من بين كتبه الأخرى: (موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة)، و(النسر المحلق .. تأملات في مثال روزا لوكسمبورغ) و(اقتحام السماء .. تأملات في الحراك الشعبي).

وفي الفكر السياسي والاجتماعي والثقافي لديه كتب بينها: (ماركس هل كان على حق؟) - 2021، و(اضطهاد النساء مقاربة نقدية) - 2023، و (إبسن – الحداثة، الجماليات، الشخصيات النسائية) - 2024.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طريق الشعب – 29 حزيران 2025

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





المهرجان العربي والكلداني
 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced