تتعمّق أزمة المياه في العراق عامًا بعد عام، متحوّلة من شحٍّ في الموارد إلى تهديد وجودي يمسّ الزراعة والأمن الغذائي والصحة العامة والاستقرار الاجتماعي.
ويواجه العراق، المعروف تاريخيًا بوفرة مياهه، تراجعًا غير مسبوق في مناسيب نهري دجلة والفرات، وسط تحذيرات متكررة من مسؤولين وخبراء بأن الإطلاقات المائية الأخيرة من تركيا لا تلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات الوطنية.
الإطلاقات غير كافية
رغم إعلان الجانب التركي عن ضخ 420 مترًا مكعبًا في الثانية من مياه نهر دجلة باتجاه العراق، إلا أن هذا المعدل لا يغطي الفجوة المائية التي تعاني منها البلاد، وفق تقديرات رسمية.
وأكدت لجنة الزراعة النيابية أن الأزمة امتدت إلى مياه الشرب في عدد من المناطق، ما أدى إلى توقف بعض محطات التنقية، وبيّن النائب ثائر الجبوري لـ (المدى) أن المحافظات الجنوبية هي الأكثر تضررًا بسبب انخفاض الخزين المائي إلى نحو 9 مليارات متر مكعب، في حين يحتاج العراق إلى 3 مليارات متر مكعب شهريًا لتلبية متطلبات الشرب والزراعة والتخزين.
في مواجهة الأزمة، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن توقيع اتفاق استراتيجي مع تركيا لنقل تجربتها في إدارة السدود والمياه، وأوضح أن أكثر من 90% من موارد العراق المائية تأتي من خارج حدوده، ولا سيما من تركيا.
وخلال مؤتمر صحفي في البصرة، كشف السوداني عن سلسلة إجراءات تشمل تعزيز الدبلوماسية المائية، تنفيذ مشاريع لتحلية مياه البحر، وتطبيق رقابة صارمة على التجاوزات في توزيع المياه.
كما أشار إلى موافقة تركيا على إطلاق كميات جديدة من المياه بواقع 320 مترًا مكعبًا في الثانية من سد الموصل، و350 مترًا مكعبًا من الحدود السورية.
وأكد مستشار وزارة الزراعة، مهدي القيسي، أن الإطلاقات الأخيرة ساهمت في تخفيف حدة الأزمة لكنها لم تحلّها، لأنها مخصصة لمياه الشرب دون الزراعة، محذرًا من أن الخزين المائي بات في وضع حرج بسبب تراجع الإيرادات في دجلة والفرات.
وقال القيسي لـ (المدى) إن نوعية المياه تدهورت، خصوصًا في المحافظات الجنوبية وعلى رأسها البصرة، مشيرًا إلى أن زيارة رئيس الوزراء وعدد من الوزراء إلى هذه المحافظات أسفرت عن قرارات لتقليل الأضرار، لكنها لم تنهِ الأزمة.
وشدد على ضرورة الوصول إلى حلول دائمة من دول الجوار، خاصة تركيا، نظرًا لاعتماد العراق على نهري دجلة والفرات المنبعين من الأراضي التركية. كما حذّر من أن المياه الجوفية مهددة بسبب قلة الأمطار والواردات المائية، ما ينذر بتحديات وجودية تطال الماء والزراعة.
وأوضح أن استمرار الشح يؤدي إلى توقف الزراعة ونزوح السكان من الأرياف، ما يفاقم أزمات السكن والخدمات في المدن، داعيًا إلى اعتبار الأمن المائي جزءًا لا يتجزأ من الأمن الوطني.
تحذيرات من (حلول مؤقتة)
من جانبه، اعتبر الباحث في الشأن المائي والزراعي تحسين الموسوي، أن الاعتماد على الإطلاقات التركية المؤقتة يُعدّ معالجة سطحية، داعيًا إلى اتفاق دائم يضمن حصة العراق المائية وفق القوانين الدولية.
وأوضح الموسوي لـ (المدى) أن الأزمة تتعقد بسبب عوامل عدة، أبرزها التغير المناخي، وسوء الإدارة الداخلية، والسياسات المائية الإقليمية لدول الجوار.
وأشار إلى أن العراق يعتمد حاليًا على تشغيل عدد من السدود، أبرزها سد الموصل، دربندخان، ودوكان، إضافة إلى الإطلاقات المتقطعة من الزاب الكبير، لسد جزء من العجز المتزايد في الطلب على المياه.