النمو السكاني تحدٍ ديموغرافي واقتصادي.. وفشل حكومي في استيعابه
نشر بواسطة: mod1
الأربعاء 09-07-2025
 
   
تبارك عبد المجيد -طريق الشعب

يشهد العراق تحديات ديموغرافية واقتصادية متشابكة، حيث يستمر النمو السكاني المتسارع في الضغط على الموارد والخدمات الأساسية، وسط ضعف التوازن بين القطاعين العام والخاص في سوق العمل. وفي ظل هذه المعطيات، يبرز السؤال الملح: كيف يمكن للدولة أن تواكب هذا التغيير الكبير وتعمل على تحويل هذا النمو السكاني إلى فرصة حقيقية بدل أن يتحول إلى عبء ثقيل على الاقتصاد والمجتمع؟

مليون مولود جديد سنويا

وكشفت وزارة التخطيط عن مؤشرات ديموغرافية واقتصادية بارزة تؤكد استمرار ارتفاع النمو السكاني وتزايد الضغط على الموارد والخدمات، بالتوازي مع ضعف التوازن بين القطاعين العام والخاص في سوق العمل.

وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في حديث خصّ به "طريق الشعب"، إن إجمالي "العاملين في القطاع الحكومي 4 ملايين موظف خلال عام 2023، وموزعين على مؤسسات الدولة الممولة مركزياً وفقاً لقانون الموازنة العامة. وفي المقابل، بلغ عدد العاملين في القطاع الخاص والمسجلين في الضمان الاجتماعي نحو 370 ألف عامل فقط".

وأضاف الهنداوي، أن "العراق يتميز بتركيبة سكانية فتية مع معدلات خصوبة لا تزال مرتفعة، رغم الانخفاض التدريجي الذي شهدته خلال السنوات الأخيرة، ما يؤدي إلى زيادة متسارعة في عدد السكان ضمن الفئات العمرية القادرة على العمل"، مشيرا إلى أن "ارتفاع معدلات الخصوبة يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه التخطيط التنموي في البلاد، إذ يؤدي إلى زيادة الضغط على الموارد والبنى التحتية، وتفاقم مشكلات الاكتظاظ السكاني في المدن، إضافة إلى تفشي ظاهرة العشوائيات وما يصاحبها من آثار اجتماعية سلبية".

ووفقاً لبيانات الوزارة، انخفض معدل النمو السكاني من 2.6 عام 2018 إلى 2.5 في المائة عام 2022، إلا أن الزيادة السنوية ما تزال تقدر بـ نحو 840 ألف نسمة. وقد ارتفع عدد سكان البلاد من 38.1 مليون نسمة عام 2018 إلى 42.3 مليون نسمة عام 2022، تشمل محافظات إقليم كردستان.

وتوقعت الإسقاطات السكانية، بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن، والذي أُجري العام الماضي، أن يتواصل النمو ليبلغ عدد سكان العراق نحو 46.18 مليون نسمة بحلول عام 2024، وصولاً إلى 48.9 مليون نسمة في عام 2028، بمعدل نمو سنوي يُقدر بـ 2.4 في المائة.

وأكد الهنداوي، أن هذه الزيادة السكانية تمثل تحدياً مركزياً لخطة التنمية الوطنية 2024 – 2028، وتتطلب مواءمة السياسات الاقتصادية والاجتماعية مع المتغيرات الديموغرافية، مشدداً على أهمية زيادة الاستثمار في رأس المال البشري وتحسين جودة التعليم والصحة والخدمات العامة.

تسونامي سكاني!

يقول أستاذ الاقتصاد نوار السعدي، إن تجاوز عدد سكان العراق حاجز الأربعين مليون نسمة، بمعدل نمو سنوي يبلغ 2.5 في المائة، يشكل ظاهرة مزدوجة تحمل في طياتها فرصا وتحديات في آن واحد، إلا أن هذه الزيادة السكانية، في ظل الواقع الاقتصادي والإداري الراهن، مرشحة لأن تتحول إلى عبء تنموي خانق بدلًا من أن تكون رصيدًا استراتيجيًا. فالعراق يعاني من ضعف في مؤسسات التخطيط وغياب السياسات السكانية المتكاملة، الأمر الذي يجعل إدارة هذا النمو السكاني السريع أشبه بالتعامل مع قنبلة موقوتة.

ويُبيّن السعدي لـ "طريق الشعب"، أنّ "هذه الزيادة المتسارعة تشكل ضغطا مباشرا على البنية التحتية التي تعاني أصلًا من التآكل والإهمال، سواء في قطاع الكهرباء أم المياه أم التعليم أم الصحة أم السكن والنقل. وبحسب تقديره، فإن الدولة لا تواكب هذه الزيادة لا بالتخطيط ولا بالتنفيذ، ما يؤدي إلى تدهور تدريجي في جودة الخدمات وتوسّع الفجوة الاجتماعية، حيث يزداد الفقر وتنتشر البطالة، وتغيب العدالة في توزيع الفرص.

وفي الجانب الاقتصادي، يؤكد السعدي أن هذا النمو السكاني يتطلب توفير ما لا يقل عن نصف مليون فرصة عمل جديدة سنوي فقط من أجل منع تفاقم معدلات البطالة، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل اقتصاد ريعي يعتمد بشكل شبه كلي على عائدات النفط، ويعاني من ضعف في التنويع والإنتاج، وعجز في تحفيز القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية.

ويضيف، أن عدم قدرة الدولة على استيعاب هذه الزيادات في القوى العاملة يدفع باتجاه خلق أزمات اقتصادية واجتماعية متشابكة، تبدأ بالبطالة ولا تنتهي عند حدود الهجرة الداخلية وتضخم المناطق العشوائية في المدن الكبرى.

كما يحذر السعدي من أن ارتفاع عدد السكان يعني أيضا ضغطا متزايد على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها المياه، في بلد يعاني أصلًا من أزمة مائية متفاقمة وتراجع في الإنتاج الزراعي. هذا الضغط سيؤدي إلى ارتفاع في كلف الغذاء وزيادة الاعتماد على الاستيراد، ما يضعف الأمن الغذائي ويزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني أمام أي صدمة خارجية، سواء كانت بيئية أو سياسية أو اقتصادية.

انهيار تدريجي

وفي السياق الاجتماعي، يرى السعدي أن التركيبة السكانية الشابة للعراق، التي يُفترض أن تكون مصدر قوة، قد تتحول إلى نقطة ضعف إذا استمرت هذه الفئة دون تعليم ملائم وفرص عمل واضحة؛ فبطالة الشباب تؤدي إلى الإحباط واليأس، وقد تدفع إلى الهجرة أو الانخراط في الاقتصاد غير الرسمي، بما يحمله من هشاشة قانونية واجتماعية، أو حتى إلى التطرف والانخراط في أنشطة تهدد استقرار الدولة.

ويؤكد السعدي أن التحدي الحقيقي لا يكمن في عدد السكان بحد ذاته، بل في غياب سياسة سكانية واضحة المعالم. فالعراق لا يمتلك حتى الآن رؤية وطنية شاملة لإدارة النمو السكاني، ولا توجد استراتيجية تستهدف تنظيم الأسرة أو ضبط الولادات أو رفع الوعي المجتمعي بأبعاد المشكلة. والأخطر من ذلك هو غياب السياسات الاقتصادية الكفيلة بتحويل هذا النمو إلى قوة إنتاجية، عبر إصلاح التعليم، ورفع كفاءة التدريب المهني، وربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجالات قادرة على استيعاب اليد العاملة الشابة.

ويخلص السعدي إلى أن المشكلة لا تحل بكبح النمو السكاني وحده، بل بتغيير طبيعة الاقتصاد نفسه، من اقتصاد ريعي استهلاكي إلى اقتصاد منتج يقوده القطاع الخاص وتدعمه مؤسسات قوية وسياسات ذكية ومستقرة. فالنمو السكاني ليس كارثة بطبيعته، لكنه يصبح كذلك حين يُترك بلا تخطيط، ويُدار بعقلية التوظيف العشوائي دون رؤية أو تخطيط بعيد المدى.

غياب التخطيط

بدوره، يجد المحلل الاقتصادي حسنين حسن أن هذه القضايا "تحتاج إلى وعي مزدوج من الدولة والمواطن، حيث يدرك كل طرف مسؤوليته بوضوح تام"، ولفت الى انه "في دول العالم، يزداد عدد السكان رغم وجود عشوائية إدارية ونسبة ضرائب عالية، أما نحن فنملك موارد تكفي لسكان أكبر، لكن سوء إدارة هذه الموارد جعلها عاجزة عن تلبية الاحتياجات".

ويضيف حسن لـ "طريق الشعب"، ان "من الضروري أن توفر وزارة التخطيط إحصائيات مفصلة للمحافظات والأقضية، وأن تعلن هذه البيانات بشكل شفاف وتحرص على إيصالها للمواطنين في تلك المناطق. فمن خلال إحصائيات دقيقة وشاملة للموارد والفرص، يستطيع المواطن تكونين وعي حقيقي، كما تتمكن الدولة من وضع دراسات متوازنة تحقق موازنة عادلة بين الحقوق والواجبات".

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced