بفعل عمليات استخراج النفط وحرق النفايات بطرق عشوائية، تتصاعد نسب الانبعاثات الكربونية في سماء العراق بشكل كبير، مخلفة أضرارا بيئية وصحية شديدة. وبينما تؤكد تقارير ودراسات محلية ودولية ارتفاع نسب التلوّث الكربوني في معظم مدن البلاد، لا يبدو في الأفق أي إجراء حكومي للحد من تلك الملوّثات، لا سيما في ظل مواصلة تآكل الغطاء النباتي بفعل التجريف والتغير المناخي، والذي يُفترض أن يُساهم بشكل كبير في تقليل نسب ثاني أكسيد الكربون.
وتُشكل الانبعاثات الكربونية تحديات بيئية عالمية كبيرة. إذ تصدر عنها غازات تحتوي على الكربون، تنتشر في الغلاف الجوي وتسبب أضرارا بيئية وصحية. وتنجم تلك الانبعاثات عن أنشطة بشرية متعددة، مثل حرق الوقود الأحفوري في توليد الطاقة وفي النقل والصناعة، فضلا عن عمليات استخراج النفط وحرق النفايات. وإضافة إلى أضرارها البيئية والصحية، تُعتبر الانبعاثات الكربونية المسؤول الرئيس عن ظاهرة الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ – حسب ما تؤكده دراسات علمية متخصصة.
في حديث صحفي، يقول الاختصاصي في الشأن البيئي عمر عبد اللطيف: أن "الآليات والأساليب غير الصحيحة المتبعة في حرق النفايات، والتلوث الذي تحدثه عوادم المولدات الأهلية ومعامل الأسفلت والأدوية وغيرها، كل ذلك له دور كبير في ارتفاع نسبة انبعاث الكربون والتغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في العراق خلال الأعوام الأخيرة".
وسبق أن أظهر تقرير حصلت عليه ونشرته وحدة أبحاث الطاقة في واشنطن، ارتفاع نسب انبعاثات الكربون في الدول العربية خلال العام الماضي، وتحديدا في 5 بلدان بينها العراق الذي حل وفق التقرير في المرتبة الثالثة، بنسبة انبعاث تقدر بـ 342.8 مليون طن.
وفي المقابل، نفت وزارة البيئة ما ورد في ذلك التقرير، معتبرة إياه مجهول المصدر، إضافة إلى عدم وجود مصادر علمية تثبت النسب التي وردت فيه.
ووفقا لما ذكره المتحدث باسم الوزارة لؤي المختار، في حديث صحفي، فإن "العراق بدأ بخطوات جديدة للتخلص من الانبعاثات الكربونية وخفضها إلى أدنى حد ممكن"، مضيفا قوله أن "العراق أنشأ العام الماضي شركة اقتصاديات الكربون، التي تنفذ مشاريع ذات مردودات بيئية واقتصادية إيجابية".
وأشار المختار إلى أن "الشركة تسعى لإنتاج مشاريع تعتمد الطاقة النظيفة وتراعي تقنيات خفض الانبعاثات"، مؤكدا أن "الشركة تمضي بخطوات متسارعة، بعد عقد المؤتمر الأول لاقتصاديات الكربون بحضور شركات محلية وعالمية، والذي تم خلاله توقيع مذكرات تفاهم من شأنها المساهمة في تعزيز بنية الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة".
وبيّن أن "لكل فرد في العالم بصمة كربونية ناتجة عن مجموعة من الأنشطة اليومية وحجم النفايات التي يولدها، وأنه بوسع الإنسان خفض البصمة الكربونية باتخاذه خطوات صحيحة في جمع النفايات والفائض من الأطعمة وغير ذلك".
وكان رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، قد أفاد العام الماضي بأن عام 2021 سجل انبعاثات في تركيز ثاني أكسيد الكربون في العراق، نسبتها 177.8 مليون طن، وان هذه النسبة تزداد سنوياً بمقدار 4.88 في المائة.
وأوضح الغراوي أن "بغداد تأتي في المرتبة 13 في قائمة المدن الاكثر تلوثاً بانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون".
طليعة دول التلوث الكربوني
من جانبه، قال الخبير البيئي خالد سليمان، أن "ما يجعل العراق في طليعة دول التلوث الكربوني، هي الصناعات النفطية والغازية. إذ تؤدي هذه الصناعات إلى المزيد من انبعاثات الكربون". لكنه شكك بصحة المعلومات الواردة في التقرير المذكور.
وبينما أكد أن "الصناعة النفطية العراقية أقل من الصناعة السعودية"، نوّه إلى "افتقار العراق إلى الغطاء النباتي مقارنة مع صناعته النفطية، وان نسب الانبعاثات التي تطلق إلى الجو تساهم بشكل كبير في الاحترار". وأضاف سليمان أن "العراق لا يتعامل مع الانبعاثات بشكل علمي. لذا فهو متأخر من ناحية خفضها"، مشيرا إلى ان "العراق يسعى لزيادة إنتاجه النفطي، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع نسب الانبعاثات خلال السنوات المقبلة، وبالتالي يتسبب ذلك على الصعيد المحلي، في ارتفاع درجات الحرارة ونسب التلوث في الهواء والتربة". وكثيرا ما يُطالب اختصاصيون في البيئة، الحكومة بوضع سياسات بيئية ومناخية تهدف إلى تقليل نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، وبإطلاق المبادرة الوطنية للغابات، وإلزام المحافظات كافة بزراعة طوق أخضر ومصدات للرياح، فضلاً عن الاستثمار في المناطق الصحراوية، خاصة بالنسبة للمشاريع التي تساهم في تعزيز الغطاء الأخضر.
استثمار الغاز وتقليل نسب الكربون
في السياق، ذكرت الأكاديمية المتخصصة في الشأن البيئي، منار ماجد، ان "التقرير السنوي لنسب احتراق الغاز عالميا للعام 2024، أفاد بارتفاع معدل الاحتراق في منشآت استخراج النفط والغاز، بزيادة مقدارها 7 في المائة".
ورأت في حديث صحفي أن "العراق لو اعتمد عمليات استثمار صحيحة في استخراج النفط والغاز والمشاريع الصناعية الأخرى، لقلل من نسب انبعاث الكربون"، مبينة أنه "من الممكن الاستفادة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط في التصدير، كما يحدث في قطر التي تعد الأولى في إنتاج الغاز الطبيعي".
ونوّهت إلى أنه "في حال اعتمد العراق استثمار الغاز وسياسات فعالة أخرى لتقليل كميات الهدر والحرق، سيصل إلى مرحلة الاستدامة في هذا المجال، وسيوفر العديد من الوظائف وفرص العمل".
لكن الأكاديمية منار أشّرت "غياب البرامج والمشاريع الجادة المعنية بخفض انبعاثات الكربون في العراق"، مشيرة إلى أن "العمل في هذا الخصوص يجب ألا يقتصر على مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة، وأنه لا بد من الاستعانة بخبرات عالمية في هذا الشأن". ولعبت الانبعاثات الكربونية والجفاف وغياب خطط الاستزراع والتشجير، فضلا عن اتساع التصحر، دوراً كبيراً في تغير المناخ في العراق وارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز أحياناً نصف درجة الغليان، وهو ما يوجب على الحكومة اتخاذ خطوات ملموسة وتبني سياسات علمية ممنهجة تهدف إلى خفض انبعاث الكربون الذي يهدد الناس بمخاطره الشديدة. وترى دراسات علمية عديدة، أن انبعاثات الكربون، خاصة تلك الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري، تحتوي على جسيمات دقيقة ومواد كيميائية مسرطنة، وأن هناك أدلة قوية من دراسات بشرية وحيوانية تربط تلوث الهواء الجسيمي بزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة، فضلا عن سرطاني المثانة والثدي.