أرجأ مجلس النواب العراقي، أمس السبت، جلسته التي كانت مقررة للتصويت على مشروع قانون «حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي»، في ظل تصاعد التحفظات المحلية والدولية على بنود المشروع، وغياب التوافق السياسي حوله. وفي إجراء عقابي، وجّه النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي بنشر أسماء النواب المتغيبين وقطع مبلغ مليون دينار من رواتبهم.
وقالت الدائرة الإعلامية للمجلس إن “الجلسة أُجّلت”، دون توضيح الأسباب، في حين أعلن البرلمان أن المتغيبين سيتعرضون لخصم مالي ونشر أسمائهم للرأي العام.
وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت المشرّعين إلى التصويت ضد المشروع أو إدخال تعديلات جوهرية عليه، مشيرة إلى أن تمرير القانون خلسة ودون نقاش علني أو شفافية يعكس توجهاً مقلقاً نحو مزيد من التضييق على الحريات. الباحثة في الشأن العراقي لدى المنظمة، رازاو صالحي، حذرت من أن القانون قد يُستخدم لملاحقة النشطاء والصحفيين استناداً إلى مواد غامضة، واعتبرت أن مسودات المشروع تتضمّن عقوبات قاسية تصل إلى السجن عشر سنوات، وتشكل امتداداً لسلسلة من الإجراءات القمعية.
من جانبه، عبر مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية هو الآخر عن رفضه لصيغة المشروع، وسجل خمس ملاحظات رئيسية وصف فيها القانون بأنه يمثل تراجعاً عن الحريات ويكرّس ثقافة تكميم الأفواه بأساليب ناعمة. وانتقد المركز اشتراط الحصول على موافقة مسبقة للتظاهر، وإشراك القضاء في إجراءات معقدة تُفقد الحق في التظاهر مرونته، فضلاً عن تقييد التظاهرات العاجلة وربطها بتقديرات الجهات الأمنية، إلى جانب الاستناد إلى قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وهو ما اعتبره المركز عودة إلى ممارسات الحقبة الدكتاتورية.
ورغم هذه الانتقادات، أكدت لجنة حقوق الإنسان النيابية أن تعديلات جوهرية أُدخلت على المسودة، وشملت حذف الفقرات التي تتضمن عقوبات جزائية، وإلغاء إلزامية الموافقات المسبقة، فضلاً عن تغيير اسم القانون إلى “قانون التجمع السلمي”. النائبة نيسان الزاير، عضو اللجنة، أوضحت أن التعديلات تهدف إلى حماية المتظاهرين وحرية الصحافة، وأن اللجنة تتابع الإجراءات الحكومية بعد إقرار القانون لضمان تطبيقه دون تقييد الحريات.
المسودة المعدّلة، المؤلفة من 17 مادة، تعرّف التظاهر السلمي بأنه تجمّع المواطنين للتعبير عن آرائهم والمطالبة بحقوقهم، وتسمح بعقد الاجتماعات الخاصة دون إذن مسبق، لكنها تشترط تقديم إشعار قبل خمسة أيام لعقد الاجتماعات العامة. المشروع يحظر التظاهرات بين العاشرة ليلاً والسابعة صباحاً، ويفرض عقوبات مشددة على التحريض على الكراهية أو الطعن بالمعتقدات الدينية، كما يمنع ارتداء الأقنعة أو حمل الأسلحة والأدوات الجارحة خلال التظاهرات.
لجنة حقو ق الإنسان اقترحت حذف بعض البنود المثيرة للجدل، من بينها المادة التي تعاقب بالسجن والغرامة من يطعن بمعتقد ديني أو يحرّض على الكراهية، وأوصت بالعودة إلى قانون العقوبات لتطبيق هذه الجزاءات. كما طالبت بتوسيع مفهوم التجمهر ليشمل الحالات العفوية، في استجابة مباشرة لأحداث آنية لا تحتمل التأجيل، وذلك لمنح المواطنين مساحة للتعبير السريع دون المرور بالإجراءات الرسمية.
ورغم إعلان البرلمان عن تضمين ملاحظات المجتمع المدني في النسخة الأخيرة من المشروع، إلا أن منظمات حقوقية لا تزال تعتبر أن المسودة تفتقر إلى الشفافية والمشاركة المجتمعية، محذّرة من تمريرها ضمن توافقات سياسية مغلقة قد تقوّض الحريات المدنية.