ينبعث صراخ هنا وأنين هناك في إحدى صالات الولادة بمستشفى حكومي في العاصمة العراقية بغداد، فيما تبدو اللامبالاة على وجوه الممرضات اللواتي يذرعن الصالة ذهاباً وإياباً.
في هذه الصالة، هناك امرأة تعض بقوة على شرشف السرير، وأخرى من السرير المجاور تطلق صرخة ألم حادة.
تتطلع عيون النسوة اللواتي ينتابهن الطلق إلى الباب، لعلّ الطبيبة النسائية تدخل وتوعز بإجراء عملية قيصرية للتخلص مما يعانين من آلام المخاض.
الخوف والرهبة والفرح والألم تمتزج لدى النساء الحوامل وهنّ ينجبن الطفل البكر.
الشابة عبيرانتظرت بفرح وخوف لحظة إنجاب طفلها الأول، ومنذ اقتراب نهاية شهرها التاسع من الحمل، ما فتئت تزور الطبيبة النسائية، وحين شعرت ليلاً بآلام المخاض توجهت إلى المستشفى واتضح أن الولادة ما زالت في مراحلها الأولى، وأنها بحاجة للانتظار لمدة 24 ساعة.
داهم عبير الحزن، ومع اشتداد ألم المخاض عليها، كانت تتمنى الخلاص منه بأي ثمن.
تقول عبير لوكالة شفق نيوز "كان الألم شديداً ولا يطاق، والممرضات يوصينني بالصبر والتحمل، بينما كانت تقوم الطبيبة المقيمة بفحصي كل 6 ساعات حتى أصبح ماء الجنين أخضر اللون، وشرب منه الجنين ما أدى إلى تسممه وبقي مدة شهر في قفص في الخدج".
وتضيف "لم يكن يسمح لأحد بالدخول معي إلى صالة الولادة وكنت أتعذب وأستغيث وحيدة، لم أعرف أن طفلي سيكون مصيره الهلاك بسبب الإهمال والتقصير وغياب التكنولوجيا الطبية الحديثة".
إما هند وسام فتؤكد، أن "حالات الإهمال وترك المريضة تعاني آلام المخاض دون مهدئات وفحص منتظم، أمر شائع في المستشفيات العامة".
وتؤكد لوكالة شفق نيوز، أنها بقيت يومين كاملين تعاني أوجاع المخاض دون أن تدخل من الأطباء لفحصها وتخفيف ألمها إلى أن خفتت حركة الجنين، منوهة إلى أنه "بعد ذلك تم إجراء فحص وتخطيط لنبض الجنين واتضح أن نبضه أصبح ضعيفاً ومتقطعاً ويعاني من نقص حاد في الأوكسجين، فتم إجراءعملية ولادة قيصرية".
وتلفت إلى أن طفلها استغرق مدة أسبوعين في ردهة "إنعاش الخدج"، وبقي يعاني بعد ذلك من تأخر في النمو الحركي خلال سنواته الأولى.
وتتكرر هذه المعاناة في المستشفيات العامة بسبب عدم وجود ضوابط وقوانين تحدد الفترة الزمنية التي يجب أن تخضع خلالها المريضة لعملية ولادة قيصرية، وترك الأمر لخبرة الطبيبة وتجربتها وحسب.
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية بعدد النساء اللواتي فارقن الحياة خلال الولادة أو فقدن أطفالهن أو تعرضن بعد الولادة لمشاكل صحية، بيد أن ثمة نساء وفتيات ممن شهدن التجربة تحدثن عما لحق بهن من ضرر جراء تأخير العمليات القيصرية.
وتقول ياسمين جواد، لوكالة شفق نيوز "ما كنت أعلم أنني سأعاني من ألم حاد وأعرض طفلي للاختناق في المستشفى الحكومي".
وبدأت قصة ياسمين جواد في منتصف الليل بإحدى الليالي الشتائية، إذ جاءها المخاض على حين غرة، فذهبت إلى المستشفى وقالوا إن عليها الانتظار في صالة الولادة.
وتتابع جواد "مرت 8 ساعات وأنا أصرخ من الألم ويتناهى إلى سمعي صياح الممرضات وهّن يقلّن ليّ اصبري، ستحتاجين إلى 18 ساعة أخرى من الطلق من أجل الإنجاب الطبيعي".
وتضيف "فجأة تغيرت ملامح وجه الطبيبة بعد قياس النبض، وقررت إجراء عملية قيصرية طارئة، ولكن ذلك تم بعد فوات الأوان. لقد فقدت طفلي بسبب تأخر الولادة إذ لم يلبث سوى يومين في إنعاش الخدج حتى توقف قلبه وفارق الحياة".
وتشير إلى أنه "لا يمكن إدراك حجم المعاناة في صالات الولادة داخل المستشفيات الحكومية، إذ بالإضافة إلى ما تعانيه النساء من آلام المخاض ثمة خوف شديد من فقدان الطفل أو تعرضه للاختناق، خاصة وأن طبيبة التوليد واحدة فقط في صالة تضم عشرات الحوامل، وهذه الحالة تتكرر يومياً".
ووفقاً للأخصائيين، الأخطاء شائعة في المستشفيات، إذ يؤكدون على أنه يجب منح المرأة الحامل فرصة للإنجاب الطبيعي شريطة أن تخضع هي وجنينها للمتابعة الطبية ولا تُترك مسجاة على السرير وحسب.
وبهذا الصدد، تقول الطبية الأخصائية في التوليد نضال الهيتي، لوكالة شفق نيوز "ليس لوزارة الصحة أي مسؤولية على الطبيبة المشرفة على الولادات، كما أنه ليس بوسع الوزارة محاسبة الطبيبة المشرفة إذا تعرضت المرأة أو طفلها أو كلاهما للخطر أو الموت لأن الطبيبة ستجد شتى الأعذار للتخلص من مسؤولية موت الجنين".
وتضيف "الولادة الطبيعية أمر جيد وصحي بالنسبة للحامل وللجنين معاً، لما للولادة القيصرية من أعراض جانبية مستقبلية، لكن يجب أن لا يتجاوز معدل العمليات القيصرية من 3 إلى 5 حالات من بين كل 100 ولادة طبيعية".
وتشير إلى "وجود تداخلات طبية غير صحية تعسر الولادة الطبيعية وتتم أحياناً من خلال إعطاء مغذي بطريقة غير صحيحة"، مؤكدة أن "الولادة الطبيعية هي حالة مثالية لصحة الأم والطفل بشرط طبيعي وهو وجود متابعة مستمرة لنبض الطفل وكمية الأوكسجين لأن نقصه عند الجنين يتسبب بمشاكل عديدة مستقبلاً ومنها الإصابة بالغباء ويتضح ذلك في سن الرابعة".
وتلفت الهيتي إلى "عدم توفر جهاز تخطيط لقلب الجنين وهو في رحم أمه لتتمكن الطبيبة من خلاله معرفة وضع الجنين وتقلصات قلبه"، منوهة إلى أن "جهاز التخطيط هذا يبقى مربوطاً على الأم أثناء الولادة لتتسنى متابعة الجنين بشكل دقيق".
وتنوه إلى أن "العملية القيصرية ليست هي الحل الصواب دائماً، فالعملية تحتاج إلى مواد مخدرة وقد تتعرض المريضة لمضاعفات خلال العملية، ومن الصواب وضع المريضة في صالة الانتظار لفترة تتراوح بين 6 إلى 8 ساعات مع متابعة دقيقة ومستمرة للمريضة وللجنين بغية أن تنجب بشكل طبيعي ودون خطر".
ويؤكد مصدر مطلع في وزارة الصحة، لوكالة شفق نيوز، وجود "إهمال وتقصير من الكوادر الطبية في صالات الولادة".
ويشير المصدر إلى أن "بعض الأجنة يتعرضون للاختناق نتيجة تصرف خاطئ من الكوادر الطبية، أو لا يتم زرق أبر التوسع التي تحتاجها المرأة الحامل أحياناً"، مؤكداً أنه "لا تتم محاسبة أية طبيبة جراء اختناق الجنين بسبب الأعذار والتبريرات التي يقدمنها، ومن بينها المقولة الأكثر شيوعاً (اختنق الجنين لأن شارب مي الراس)".
ومثلما تسبب الولادة القيصرية بأعراض جانبية، غهناك مخاض طويل المشاكل.
وتؤكد أخصائية التوليد، الطبيبة هناء شاكر، لوكالة شفق نيوز، أن "المحاض الطويل يؤدي إلى نزول ماء الجنين، وهناك احتمال ازدياد العدوى الرحمية أو المجاري البولية التي تنتقل إلى الجنين إضافة إلى حدوث نزيف شد".
وتضيف "لتأخر الولادة تأثيرات مباشرة على الجنين إذ يسبب الاختناق الولادي من خلال الانقباضات الولادية الطويلة التي قد تقلل من دفع الدم إلى المشيمة، ما يؤدي إلى خطر إصابة الدماغ بنقص الأوكسجين"، مؤكدة أن "الجنين الذي يولد بعد مخاض طويل لابد من وضعه في الخدج لمراقبة وضعه الصحي".
صالات الولادات العامة وما يحدث فيها من مشاكل، تفتح عشرات الأسئلة وعلامات التعجب أمام الجهات المختصة لرصد الفوضى والعشوائية وعدم توفر الأجهزة الطبية الكافية بهذه الصالات للإشراف على النساء الحوامل وتجنب المخاطر الصحية للأم والجنين.