لم يكُن مقالها الأوّل المُعَنوَن «إلى طائفة من العراقيّين» والمنشور في مجلّة «دار السلام» البغداديّة عام 1921 إيذانًا بميلاد صحافيّةٍ متميّزة وحسب، بل كان أوّلَ مقالٍ صحافيٍّ يُنْشَر لامرأةٍ عراقيّة، حازت معه الكلدانيّة الكاثوليكيّة مريم نرمه روفائيل رومايا ريادة الصحافة النسويّة في العراق.

تعود جذور نرمه، المولودة في الثالث من إبريل/نيسان عام 1885، إلى بلدة تلكيف المسيحيّة التابعة لمحافظة نينوى العراقيّة. وربّما كانت التقاليد الاجتماعيّة السائدة مطلع القرن العشرين هي التي دفعتها إلى نشر مقالها الأوّل باسمٍ مستعار هو «كلدانيّة عربيّة عراقيّة».

وقد استخدمت لاحقًا اسم «مريم نرمه الكلدانيّة العراقيّة»، ثمّ «أختكم مريم نرمه الكلدانيّة»، ليستقرّ بها الحال على استخدام اسمها «مريم نرمه» فقط، بحسب الدكتور رياض السنديّ صاحب كتاب «مريم نرمه، رائدة الصحافة النسويّة في العراق».

يوسف القديم ويوسف الجديد

كانت نرمه رائدةً في كتابة المقالات الدينيّة أيضًا، إذ عَقَدت في مقالها المُعَنْون «يوسف القديم ويوسف الجديد» والمنشور في مجلّة «نشرة الأحد» عام 1922، مقارنةً بين يوسف الصدّيق الذي أقامه الله رئيسًا على جميع أرض مصر وأودعه خزائنها، ويوسف النجّار الذي «اختاره الله سيّدًا على بيته وائتمنه على أخصّ كنوزه، مريم العذراء البتول الطاهرة»، بحسب نرمه.

الغلاف الأوّل لصحيفة فتاة العرب الصادرة عام 1937. مصدر الصورة: صفحة منظّمة التراث والأرشفة في فيسبوك

وأشارت فيه إلى أنّ «يوسف القديم وجد حُظوةً عند فرعون، ملك مصر. وكان يوسف الجديد أشرف القدّيسين حظوةً ومكانةً عند ربّ الجنود، إذ جعله مربّيًا لابنه الوحيد وقرينًا لأمّه مريم»، وفيما «لم يرَ يوسف الأوّل المخلّصَ الذي آمن به وتاق إلى رؤيته، أسعد الحظّ يوسف الثاني ليرى المخلّص الموعود ويحمله على ذراعيه».

لم يقتصر نشاط نرمه الصحافيّ على كتابة المقالات، بل أسَّست عام 1937 صحيفتها النسائيّة الموسومة «فتاة العرب»، وخصّصتها لتوعية المرأة العراقيّة وإرشادها، وجعلتها منبرًا للمطالبة بحقوقها وبخاصةٍ التعليم.

جاء العدد الأوّل من جريدة «فتاة العرب» ممتازًا وضمّ 16 صحيفة. وفي خلال ستّة أشهرٍ، صدر خمسةٌ وعشرون عددًا من الجريدة، قبل أن تجبرها ظروفٌ صعبة وتحدّيات جمّة، لا سيّما الضائقة الماليّة، على الاحتجاب عن الصدور.

قبل رحيلها عام 1972، استحقّت رائدة الصحافة النسويّة العراقيّة، الكاثوليكيّة الكلدانيّة مريم نرمه، تكريم وزارة الثقافة والإعلام العراقيّة في مئويّة الصحافة العراقيّة عام 1969. وما انفكّت مستحقّةً مزيدًا من التكريم والتقدير والدراسة، لا سيّما من المؤسّسات الإعلاميّة المسيحيّة.