الذكاء الاصطناعي يقتحم سوق العمل العراقي.. فرص رقمية هائلة تهدد الوظائف التقليدية وتكشف فراغاً تشريعياً
نشر بواسطة: mod1
الثلاثاء 12-08-2025
 
   
بغداد/ تبارك عبد المجيد - المدى

ملايين العمال أمام تحدي البقاء في المنافسة

لم يعد الذكاء الاصطناعي مفهوما مستقبلياً أو رفاهية تقنية في العراق، بل أصبح واقعاً يتغلغل في تفاصيل الحياة المهنية اليومية، فارضاً نفسه كلاعب جديد يعيد تشكيل خريطة العمل والمهارات والفرص. وبينما ينظر إليه كرافعة محتملة للتنمية الرقمية، يُثير في الوقت ذاته مخاوف حقيقية لدى العاملين في قطاعات عديدة، من التصميم الجرافيكي إلى الترجمة، مروراً بالإعلام والتعليم.

الوظيفة على المحك!

أعرب علي حسين، وهو مصمم جرافيك يعمل في التصميم منذ 7 سنوات بشكل حر، عن قلقه إزاء التوسع غير المنظم لهذه التكنولوجيا في مجاله وبقية المجالات.

وقال حسين لـ(المدى): "بصفتي أعمل في التصميم منذ أكثر من سبع سنوات، ألاحظ كيف بدأت الشركات تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتوليد تصاميم بسرعة كبيرة وبتكلفة أقل، مما أدى إلى تقليص دور المصممين البشر أو حتى الاستغناء عنهم في بعض الحالات."

ورغم إقراره بقدرة الذكاء الاصطناعي على تنفيذ مهام تصميمية معينة بكفاءة، شدد حسين على أن الجانب الإبداعي لا يزال ميزة حصرية للعقل البشري.

وأضاف: "التصميم ليس مجرد أداة لإنتاج صور جذابة، بل هو وسيلة للتعبير، تتطلب فهماً عميقاً للسياق الثقافي، والهدف من الرسالة، وطبيعة الجمهور. هذه أبعاد لا يمكن لآلة أن تستوعبها كما يفعل الإنسان"، ولفت إلى أن "الذكاء الاصطناعي في الغالب يولد تصاميم متشابهة بعيدة عن التميز والابتكار".

وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي، برغم تطوره، لا يزال بحاجة إلى التدريب والتوجيه من قبل البشر، كما ان من يعمل به يحتاج الى تدريب ايضاً، موضحاً أن هذه الأنظمة تتعلم من البيانات الموجودة، وتعيد إنتاجها ضمن قوالب محددة، "ما يجعلها تفتقر إلى عنصر الابتكار الحقيقي". ويؤكد المختص في الذكاء الاصطناعي، عثمان عباس، أن "التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي يلعبان دوراً متزايداً في تشكيل مستقبل سوق العمل في العراق، إذ يخلقان تحديات وفرص جديدة على حد سواء". حيث يشير إلى ان "الاعتماد المتزايد على الأتمتة والرقمنة أدى إلى تراجع بعض الوظائف التقليدية في العراق، وخاصة في القطاعات الصناعية، حيث تشير التقديرات إلى انخفاض هذه الوظائف بنسبة تصل إلى 25% منذ عام 2020. هذا الانحسار لا يعني توقف سوق العمل، بل يشير إلى تحول نوعي في طبيعة الوظائف المطلوبة".

ويضيف عباس لـ(المدى)، أن "الحاجة إلى المهارات الرقمية شهدت ارتفاعاً ملموساً، إذ ارتفع الطلب على الكفاءات الرقمية بنسبة تصل إلى 40%. وهذا يعكس تحول سوق العمل نحو وظائف أكثر تعقيداً تعتمدا بشكل كبير على تقنيات حديثة مثل تحليل البيانات، تطوير الخوارزميات، والأمن السيبراني".

ويتابع :"في هذا الإطار، يفتح الذكاء الاصطناعي آفاق جديدة أمام الباحثين عن عمل، ويساهم في رفع كفاءة القطاعات الحيوية كالنفط والصحة والزراعة من خلال قدراته على التنبؤ والتحليل الذكي".

كما يشير عباس إلى أن "الذكاء الاصطناعي يحفز ريادة الأعمال بين الشباب العراقي، حيث أصبح يمثل منصة لانطلاق مشاريع تقنية مبتكرة، خاصة في مجالات التجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني، مما يوسع دائرة الفرص الوظيفية ويعزز الاقتصاد الرقم".

ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو الحاجة إلى تطوير مهارات العمال العراقيين. فالقوى العاملة تعاني من فجوة واضحة في المهارات الرقمية، حيث تبين أن 64% من العراقيين يفتقرون للثقة بأن النظام التعليمي الحالي يزودهم بالمهارات اللازمة لسوق العمل الرقمي. لذلك، أصبح من الضروري أن يتعلم العاملون المهارات التقنية الحديثة ليستطيعوا مواكبة التطورات والتنافس بفعالية في الأسواق المحلية والإقليمية. وفقا لعباس.

ويبين ان "اللجنة العليا للذكاء الاصطناعي في العراق تسعى إلى دمج موضوعات الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، مع وجود مبادرات تدريبية متعددة تشمل النوادي التعليمية ومعسكرات تدريب الخريجين، كما تحظى الشركات الناشئة بمجالات التكنولوجيا بدعم متزايد بهدف تعزيز ريادة الأعمال وتمكين الشباب من المشاركة في الثورة الرقمية".

واستدرك قائلاً، إن "التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل ملامح سوق العمل العراقي. رغم تقلص بعض الوظائف التقليدية، تظهر فرص جديدة تتطلب مواكبة مستمرة من خلال تطوير مهارات حديثة تؤهل القوى العاملة العراقية لمواجهة تحديات المستقبل بثقة وكفاءة".

دعوات لإصلاح تشريعي وتأهيلي

من جانبه، ذكر المختص في الأمن السيبراني، مصطفى الموسوي، أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تطور تقني عابر، بل أصبح منظومة متكاملة تفرض حضورها بقوة في مختلف مناحي الحياة اليومية وميادين العمل.

وأوضح الموسوي لـ(المدى)، أن هذه التكنولوجيا دخلت بعمق في قطاعات متنوعة مثل التعليم، الطب، البرمجة، والصحافة، حيث باتت جزءاً أساسياً من العمليات اليومية.

وأشار الموسوي إلى أن "الذكاء الاصطناعي تجاوز وظيفته التقليدية كأداة لتنفيذ المهام، ليصبح نظام متطور يتفاعل مع محيطه، يتعلم من البيانات، بل ويساهم في عمليات اتخاذ القرار أو دعمها"، واعتبر أن هذه القدرات تمنحه تأثيراً ملموساً على الكفاءة والإنتاجية، لا سيما في بيئات العمل التي تسعى لتقليل الأخطاء وتسريع الإنجاز.

ويرى الموسوي أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة لتطوير الأداء المؤسسي، وتمكين رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة من المنافسة في أسواق تسيطر عليها شركات عملاقة.

ويضيف: "الأدوات الذكية أصبحت متاحة للجميع، ما يتيح فرصاً حقيقية لإنشاء وظائف جديدة في مجالات مثل تطوير الأنظمة الذكية وصيانتها".

مع ذلك، لم يغفل الموسوي عن التحديات التي تفرضها هذه التكنولوجيا، محذرا من النظرة الوردية المفرطة. وقال إن الأتمتة المتسارعة تهدد العديد من الوظائف، خاصةً تلك التي تعتمد على المهارات اليدوية أو المهام الروتينية، مثل الترجمة والتحرير، ما قد يؤدي إلى تقليص فرص العمل أمام من يفتقرون إلى المهارات الرقمية. وبين أن العراق بدأ يشهد تحولا رقمياً واضح منذ مطلع عام الحالي، حيث بدأت المؤسسات والأفراد على حد سواء في تبني أدوات الذكاء الاصطناعي في مجالات العمل والدراسة. وقد ظهرت آثار هذا التحول بوضوح في بعض القطاعات، مثل خدمات الترجمة، إذ كشفت دراسات محلية عن تراجع الطلب في مكاتب الترجمة ببغداد وأربيل والبصرة بنسبة تجاوزت 35% خلال عام واحد، في حين تأثر نحو 20% من العاملين في هذا القطاع بشكل مباشر.

كما أشار الموسوي إلى نتائج مسح وطني أظهرت أن أقل من 20% من موظفي القطاع العام في العراق يمتلكون مهارات رقمية متوسطة أو متقدمة، مما يجعلهم أكثر عرضة للإقصاء المهني إذا تسارعت وتيرة التحول الرقمي.

ولفت الى أن الذكاء الاصطناعي بدأ ينافس بوضوح العاملين في مجالات الإبداع مثل تصميم الجرافيك، كتابة المحتوى، الترجمة، وصناعة الفيديو. وأشار إلى أن اغلب العاملين في هذه المهن داخل العراق، بل وعلى مستوى العالم، تأثروا بالفعل من هذا التحول، وفقاً لمحادثات أجراها مع شركات مختصة. وعلى الرغم من هذا التأثير المتسارع، حذر الموسوي من غياب القوانين التنظيمية في العراق التي تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل، مؤكدا أن هذا الفراغ التشريعي قد يؤدي إلى حالات فصل تعسفية دون وجود حماية قانونية للعاملين، خاصة في ظل امتلاك الشركات سلطة شبه مطلقة على قرارات التوظيف والاستغناء. وتابع الموسوي حديثه بالتأكيد على أن "الذكاء الاصطناعي ليس خصماً للبشر، بل يمكن أن يكون أداة دعم قوية إذا ما تمت إدارته بحكمة ورؤية مستقبلية". كما أعرب عن ثقته بقدرة الشباب العراقي على التكيف مع هذه التحولات، مشددا على ضرورة اعتماد استراتيجيات توعية وتأهيل، سواء من خلال السياسات الحكومية أو عبر تطوير المناهج التعليمية في المدارس والجامعات.

"أصبح الذكاء الاصطناعي جزء أساسي من واقعنا المهني، وهو يغير شكل سوق العمل بوتيرة متسارعة. وبينما يُنظر إليه كأداة لتحسين الكفاءة والإنتاجية، فإننا لا يمكن أن نتجاهل الأثر العميق الذي يتركه على الطبقة العاملة، خاصة في الوظائف التقليدية التي تعتمد على المهارات اليدوية أو المهام المتكررة. تقول الناشطة العمالية، قبس الزاملي.

وتضيف الزاملي لـ(المدى)، ان "ما يحدث اليوم هو انتقال غير متكافئ، تدفع فيه الفئات الأضعف في سوق العمل نحو الهامش، دون أن يُمنحوا الحد الأدنى من الحماية أو التأهيل. نحن لا نرفض التقدم، بل نرفض أن يكون على حساب قوت العامل وكرامته"، مشيرة الى انه "لا يمكن للعدالة الاجتماعية أن تتحقق في ظل أتمتة لا تراعي الإنسان."

وتبين أن الذكاء الاصطناعي في غياب التشريعات سيكرس الفجوة الرقمية والاقتصادية، ويجعل ملايين العاملين عرضة للتهميش أو الفصل التعسفي، حيث لا توجد حتى الآن قوانين واضحة في العراق تنظم العلاقة بين العامل والتكنولوجيا. الشركات تمتلك السلطة الكاملة". وتشير إلى أن التقارير الميدانية الأخيرة تؤكد بالفعل تأثر فئات واسعة من العاملين، من المترجمين إلى كتّاب المحتوى والمصممين، بفعل اعتماد الشركات على أدوات ذكاء اصطناعي مجانية أو منخفضة التكلفة، وهو ما تراه الزاملي مؤشر خطير على تغييب البعد الإنساني في القرارات الاقتصادية.

وتؤكد أن الحل لا يكمن في مقاومة التكنولوجيا، بل في توجيهها لخدمة الإنسان، وليس العكس. وتطالب الجهات الحكومية والنقابات العمالية بضرورة سن قوانين وتشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل، وتضمن حقوق العاملين. اطلاق برامج وطنية لإعادة تأهيل العمال وتزويدهم بالمهارات الرقمية، ليكونوا جزءاً من المستقبل، لا ضحاياه.

وتؤكد على "ضرورة "فرض الشفافية والمساءلة على المؤسسات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في قرارات التوظيف أو التسريح".

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced