رواية الدون الهاديء من تأليف الكاتب والروائي الروسي " ميخائيل شولوخوف " وهي عمل أدبي روسي كلاسيكي كُتبتْ بين عامي 1928-1940 تعتبر من أهم الأعمال الأدبية الأوربية في القرن العشرين ، حصلت الرواية على جائزة نوبل للأداب عام 1965 ، أستغرقت كتابة الرواية لدى شولوخوف 12 عامأ أمتدت من عام 1928 حتى عام 1940 وهو لم يكمل المرحلة الأبتدائية ، وقد أستلهم أسم روايتهُ الرائعة لسيمياء العنوان " الدون الهاديء "من كونه فعلا نهرا هادئاً مطمئنا يجري منسابا بأمواج مسالمة ووديعة في أرض السهوب بطول 1980 كم من جنوب شرق روسيا بداية من قرية ( تتارسكي ) القوقازية من مقاطعة ( تولا ) وصولا إلى بحر الخزر في جنوب شرق روسيا عند موسكو .
كُتبتْ الرواية في فترة ثورة أكتوبر1917 التي تلتها الحرب الأهلية ، وتتناول (حياة القوازق) في تلك الفترة المضطربة تحكي حياة بطل الرواية شخصية ( غريغوري ميليخوف ) وهو فارس قوقازي بسوكيولوجية مضطربة بعض الشيء يجد نفسهُ مضطراً مواجهة أختيارين ولاءهُ لعائلتهِ وقيم مجتمعهِ التقليدية وبين الأنضمام إلى الثورة البلشفية وهو مقاتل عنيد مليء بالطاقة زوجته( نتاليا ) ، وأكسينا زوجة جاره وعشيقته التي يعشقها حد الموت وهنا يقوم بتفكيك الحيرة بترك نتاليا والهروب مع أكسينا مندسا في أحدى قرى أريافها .
يسرد لنا الكاتب الروسي شولوخوف بشكل تفصيلي حياة القوقاز بمسيرتهم التأريخية خلال الأحداث وبدراسة شمولية وعميقة (حد) الجذورالأثنية للقبيلة القوزاقبة وعاداتهم وتقاليدهم وشخصنتهم السايكولوجية والنرجسية التي أنعكست لدى الجنود القوقاز يالتذبذب بالتعامل مع المواقف حسب ما تقتضيه الحالة فمن جنود حراس قصر الأمبراطورالقيصري إلى المشاركة الفعلية في التمرد في الحرب الأهلية الروسية وب600 شخصية قيادية وأخيرا الأنتماء إلى صفوف البلاشفة ، وبأغلبية متواضعة حسب أعتقادي ، وأستذكر ( سقطة تأريخية سالبة) لحراس القصرالجنود القوقاز في تنفيذ أمر القيصر بالتصدي الجائر للتظاهرة الجماهيرية من عمال ( المدرعة بوتيمكين ) قتلوا ألفا وجرحوا ألفين عند الأوديسا الروسية .
يعرف أسلوب شولوخوف بالواقعية الأشتراكية بتصويرالحياة اليومية للناس والقوقازيين بصورة خاصة يعكس الصراعات السوسيولوجية والسياسية لتلك الفترة ، كان للرواية تأثيرات ذات رؤية عميقة على السفر الأدبي الروسي والعالمي بحصولها على جائزة نوبل ، وقدمت رواية الدون الهاديء التصوير الواقعي للحياة في روسيا بأستكشافها الصراعات الأنسانية العميقة التي يواجهها الأفراد في أوقات التغيرات السياسية والأجتماعية الكبيرة والتي تتمثل (بالحرب الأهلية) في منطقة الدون والتي تمثل الفترة المضطربة من التأريخ الروسي حيث يصور شولوخوف تأثيراتها العميقة على الأفراد والمجتمع .
لقد قرأتُ الرواية أكثر من مرَة وأستذكرتُ حكمة للكاتب الروسي ( تولستوي ) : { الجميع يفكر في تغيير العالم !؟ لا أحد يفكر في تغيير نفسهُ } !!!؟؟؟ كما يروي لنا التأريخ البعيد والقريب من نكران العرفان والجميل لبعض الأقليات مثل القوقاز والأكرانيين لثورة البلاشفة السوفيتية الأ نسانية .
وتبقى أهم محاور الرواية هي المحاكمة الأخلاقية سواء كانت للحرب العبثية أم للحرب الأهلية الطاحنة الغبية الطفيلية الزاحفة على الخلايا السليمة وتأثيراتها السالبة والجدوى منها ؟! وفي تتبع مشاهد رواية الدون الهاديء الأسطورية يدفعني شئء غريب في تتبع والتركيزعلى حركات بطل الرواية ( غريغوري بيليخوف ) الذي يبدو مشتت الفكروالرأي ولسان حالهُ يتمتم بالحكمة( من خيرك حيرك ) وهو بين الجنة والنار بين الأنتماء الكلي لثورة السوفييتات البلشفية أم إلى أهلهِ وقبيلتهِ القوقازية ذات الأصول العريقة المؤطرة بالقيم الروحية ، مما جعلت القاريء حائرا مع من يتعاطف ؟!.
التماهي- الغيرمقصود - بمقاربات أدبية عالمية
-ثمة مقاربات في الشكل وليس في المضمون الكلي مع رواية " أولاد حارتنا للكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ من حيث الحكايات السردية الواقعية للريف المصري والقوقازي وكدح الفلاح بمهنية أحترافية واقعية فهوالمنتج العزيز في زمن الجدب ، ولأن حكايات رواية "الدون الهادي" تجمع بين الحدث التأريخي وقصص القوقاز كما في عالم نجيب
محفوظ وهنا شولوخوف يتبع الواقعية الأشتراكية العلمية في روايته الدون الهاديء بسيمياء رموزهِ وشفراتهٍ المراوغة التي غدت نسغها الصاعد مأثرة أدبية ثرة وثرية للسفر السوفييت وتتويجها بجائزة نوبل .
- أتجه شولوخوف بروايته الأسطورية إلى عدة مدارس في الواقعية النقدية ثم الواقعية الوجودية والواقعية الأشتراكية كما في عالم محفوظ ورواياته أولاد حارتنا والحرافيش وبين قصرين وقصر الشوق والسكرية واللص والكلاب.
- تلاقى مع محفوظ في ثيمات الأنسنة والميل إلى ترسيخ السلام ونبذ الحروب وطاحونة الحروب الأهلية وأندماج الفلاح القوقازي والمصري بتربة أرضيهما كما في عالم روايات محفوظ ، وتمكن شولوخوف من أ ن يجعل من السرد كائن حي يدور بجد في أرض ضفاف الدون الهاديء.
- أني أرى نجاح شولوخوف في تحقيق التوافق بين التأريخ وثيمة الأنسنة بالتماهي- الغير مقصود- والمقاربة النقدية مع (هوميروس ) في حرب طروادة وبطلها ( هيكتور ) الذي تبنى خط الأنسنة بدل الحقد فكان سببا في تغيير منحى الحرب أيجابيا ، كذلك كان البطل المحوري في رواية الدون الهاديء (غريغوري ميليخوف ) أكثر أنسانية ومحبا للسلام مستلهما القيمه الأخلاقية من مدرسة البلاشفة الروسية .
- باعتقادي ارى إن ميخائيل شولوخوف تقارب فلسفيا مع الأديب الأمريكي " أرنست همنغواي " في مفهوم البطولة والتضحية والشجاعة وحب الحياة فالأجراس دُقت ْ لبطل رواية لمن تدق الأجراس ( لروبرت جوردان )؟ وهو الصحفي العسكري الذي ضحى بنفسه في نسف جسر الأعداء ، وكذلك تدق الاجراس للبطل الرئيسي المركزي لرواية الدون الهاديء (غريغوري ميليخوف) لشخصنته الكاريزمية وهو شخصية مركزية محورية في الرواية يجد نفسه متفهما التعامل مع قضايا مثل الولاء الأخلاقي الصواب والخطأ والحب والكراهية حيث يتطور غريغوري على مدار الرواية حيث يتعلم من تجاربه ويطور مواقفه تجاه الحياة والسياسة يثبت كيف يمكن للافراد ان يتغيروا ويتعلموا من تجاربهم خلال الحرب والحرب الاهلية وتجبرهم على اتخاذ قرارات صعبة للوصول للموقف العقلاني الناجح وهو بكامل وعيه وأدراكه للأنضمام في صفوف الثورة البلشفية السوفيتية .
أهم الأفكار الرئيسة في رواية " الدون الهاديء"
- رواية الدون الهاديء الروسي لميخائيل شولوخوف هي عمل أدبي كبير يصف حياة القوقاز في منطقة نهر الدون خلال الحرب الأهلية الروسية التي تعتبر تحفة وأسطورة الأدب الروسي نالت جائزة ستالين عام 1941 ثم جائزة لينين للأدب عام 1960 وجائزة نوبل عام 1965.
-البحث عن المثل العليا كفاتورة للمحن القاسية عبر التضحيات من أجل العدالة الأجتماعية وحرية الأنسان .
- قوة لتحريك روح الأرادة في الأنسان .
- الرواية من الأعمال التي روجت لبناء الأشتراكية في الأتحاد السوفيتي والتي تعتبر دفعة أسطورية لظهور المدرسة الواقعية في سفر الأدب الأشتراكي .
- يتميز تبويب الكتاب بالشكل والمضمون بأختلافه الفكري عن الأدب البورجوازي وحتى عن أدباء عصرهِ من الأشتراكيين لكون روايتهُ الدون الهاديء تسير على أكثر من جبهة فالنضال الفكري الأيديولوجي ثم الحروب والصراع الطبقي بهيئة الحرب الأهلية وفضح أعداء المسيرة السريين والعلنيين داخل السلطة السوفييتية والحزب ودول الجوار والعالم نموذج بولندا وألمانيا.
- تفضح الرواية في فصلها الأول مستلبات الدكتاتورية القيصرية الأقطاعية والكنيسة ورهبانها .
- المزج بين الثورة والحب بعفوية مطلقة هو تجسيد وترجمة حرفية لتقديس الحياة والتضحية لديمومتها .
- سينيوريست الرواية من ثلاثة مشاهد:
1-الأحداث العصيبة لروسيا بين 1915-1920دخول روسيا الحرب العالمية الأولى والثورة البلشفية والحرب الأهلية .
2- أنتهاء الحرب الكونية على الجبهتين الروسية والألمانية وأعلان ثورة أكتوبر المجيدة 1917.
3- تحول غريغوري ميليخوف إلى مقاتل في صفوف البلاشفة ثُمَ إلى جندي متمرد في صفوف متمردي قرية تتارسكي حتى تم تعينهُ قائدا للفيلق الأول لجيش المتمردين وهم خليط غير متجانس من يساريين طفيليين ووكلاء ملكيين وكنسيين وجواسيس بأغلبية قوقازية ، سرعان ما أن تراجع عن موقفه (الخياني) لمعاناته الجلد الذاتي مع صحوة ضمير يلقي بأسلحته في نهر الدانوب ويعبر إلى صفوف فيلق البلاشفة الرابضين بأمتداد ضفاف الدانوب في الجهة المقابلة للمتمردين
كاتب وباحث وناقد أدب عراقي مغترب
أغسطس – آب 2025