يواجه العديد من المرضى في العراق معاناة متزايدة جراء الأخطاء الطبية، وسط غياب واضح للرقابة وضعفٍ في تطبيق القوانين الرادعة، ما أدى إلى فقدان ثقة شريحة واسعة من المواطنين بالقطاع الصحي المحلي.
أخطاء في التشخيص والعلاج
المواطن محمد كريم، كان أن تعرض لخطأ طبي، إثر اجرائه عملية جراحية في منطقة المعدة، قبل أكثر من سنة.
والآن يعاني كريم، مشاكل صحية نتيجة لذلك الخطا في التشخيص والعلاج.
يقول كريم في حديث لـ "طريق الشعب"، "قبل أكثر من سنة خضعت لعملية جراحية في معدتي، لكن خطأ طبيا أدى إلى تفاقم حالتي الصحية، وبعد ذلك تم تشخيصي بشكل خاطئ ايضا، ما دفع الطبيب لإجراء عملية ثانية لم يكن لها أي ضرورة فعلية. هذه التجربة أثرت على نفسيتي وصحتي بشكل كبير، وأصبحت فاقداً لأي ثقة بالنظام الطبي".
ويضيف كريم انه اضطر للسفر إلى الخارج، قائلاً: "لم يكن أمامي خيار سوى التوجه إلى تركيا لتلقي العلاج اللازم بعيداً عن الأخطاء والإهمال، لأن صحتي لم تعد تتحمل الانتظار أو التجربة مع أي أخطاء جديدة".
ويأمل كريم أن تكون هناك ضوابط صارمة على مهنة الطب، وأن تكون هناك رقابة حقيقية لحماية المرضى من الأخطاء التي قد تهدد حياتهم".
مضاعفات الاخطاء
من جانبها، قالت د. إيلاف مرزه، طبيبة ممارسة في جراحة الوجه والفكين، أن موضوع الأخطاء الطبية واسع ومتشعب، ولا يمكن التحدث عنه بشكل عام أو مبسط، إذ تختلف صورته باختلاف نوع التدخل الطبي سواء كان جراحياً أو غير جراحي.
وأوضحت مرزه لـ "طريق الشعب"، أن لدى عامة الناس التباساً شائعاً بين المضاعفات الطبيعية التي قد تطرأ بعد العمليات، وبين الخطأ الطبي الناتج عن إهمال أو تقصير. وضربت مثالاً على ذلك بعمليات شفط الدهون أو قص المعدة، حيث قد تحدث مضاعفات مثل النزف الشديد، الجلطات الدموية أو التهابات الجروح التي قد تصل أحياناً إلى تسمم الدم وحتى الوفاة. هذه المضاعفات ــ بحسب د. مرزه ــ واردة في كل دول العالم، ويكون الطبيب قد شرحها مسبقاً للمريض مع أخذ موافقة خطية منه، مما يجعلها ضمن الإطار الطبي الطبيعي ولا تُعتبر خطأ قانونياً.
واردفت، أن الأخطاء الطبية تُعرف بأنها نتيجة إهمال أو تقصير من الطبيب، مثل نسيان أداة جراحية داخل جسم المريض، أو إهمال إجراء فحوصات أساسية قبل العملية. وهنا يختلف الموقف القانوني، إذ قد يتعرض الطبيب إلى إنذار أو إيقاف مؤقت عن العمل، وفي حال ثبوت تقصير واضح ومباشر يمكن أن تصل العقوبة إلى سحب إجازة مزاولة المهنة.
كما بينت أن لجان الطب العدلي هي الجهة المخولة بتحديد سبب الوفاة في حال حدوثها، وما إذا كانت ناجمة عن مضاعفات طبيعية أم عن إهمال طبيب. فإذا تبيّن أن السبب مضاعفات متوقعة، فلا يُحاسب الطبيب قانونياً. أما إذا كان نتيجة خطأ وإهمال، فقد يترتب على ذلك تعويض مالي لأهل المريض إضافة إلى عقوبات مهنية تؤثر على مسيرة الطبيب.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية أن يُفرق المواطن بين المضاعفات الطبيعية والخطأ الطبي، فلكل منهما طبيعته وعقوبته، مع التأكيد على أن القانون يحمي المريض وفي الوقت ذاته يضمن للطبيب مساحة عمل آمنة وعادلة.
تهديد حقيقي
بدوره، بين الخبير القانوني مصطفى البياتي، أن ملف الأخطاء الطبية في العراق بات يشكل تهديدا حقيقيا لحياة المواطنين، في ظل تزايد حالات الوفيات والعاهات المستديمة الناتجة عن الإهمال والتقصير، مشددًا على أن القانون يضع أطرًا واضحة لمساءلة الأطباء ومقدمي الخدمات الصحية عند خروجهم عن أصول المهنة.
وقال البياتي لـ "طريق الشعب"، إن "العمل الطبي الجراحي مباح قانونا استنادا إلى المادة (41) من قانون العقوبات، بشرط أن يكون الهدف منه إنقاذ حياة المريض أو علاجه، وأن يتم بموافقته أو موافقة ذويه بعد تنبيههم إلى المخاطر المحتملة"، مضيفًا أن "المشكلة تكمن في تجاوز هذه الأصول، حيث تتحول الإجراءات الطبية من كونها عملًا مشروعًا إلى خطأ يعاقب عليه القانون".
وأوضح أن المادة (35) من قانون العقوبات العراقي تُعَرّف الخطأ الطبي بأنه "الإهمال أو الرعونة أو عدم الانتباه أو مخالفة القواعد القانونية"، مبينًا أن هذه الأوصاف تنطبق على العديد من الحالات المتكررة في المستشفيات العراقية.
وبين البياتي أن العقوبات تتدرج وفقا لنتائج الخطأ الطبي، قائلاً: " المادة (411) تنص على الحبس من سنة إلى خمس سنوات. أما إذا نتجت عنه عاهة مستديمة أو أضرار جسيمة، فإن العقوبة تكون الحبس لمدة لا تزيد على سنتين".
وأشار إلى أن هذه العقوبات "لم تعد كافية لردع المتهاونين"، مضيفا: "تزايد حالات العاهات المستديمة والوفيات نتيجة الأخطاء الطبية يستدعي الإسراع في تعديل قانون العقوبات وتشديد بنوده بما يجعلها أكثر صرامة، وبما يضمن حماية أرواح المواطنين وإعادة الثقة إلى القطاع الصحي".
تراجع دور القانون
وذكر الطبيب الجراح زهير الفتلاوي أن تراجع دور القانون وضعف الرقابة في العراق يمثلان السبب الرئيس وراء تفاقم بعض الممارسات السلبية في القطاع الصحي، لافتاً إلى أن هذه الظواهر لا تقتصر على العراق فحسب، بل تكثر في أي مجتمع يفتقر لردع قانوني حقيقي.
وقال الفتلاوي لـ "طريق الشعب"، انه "لو كان هناك قانون واضح وحازم يقف إلى جانب المواطن، لاختفت الكثير من الممارسات السلبية التي نشهدها اليوم، فالقانون هو الضابط الأساسي، وهو الكفيل بحماية المريض والطبيب على حد سواء."
وأشار إلى أن مهنة الطب بطبيعتها إنسانية ويفترض أن تكون بعيدة عن أي استغلال، إلا أن بعض الأطباء ومع الأسف يستغلون حاجة المريض لإجراء عمليات جراحية قد لا يكون بحاجة فعلية إليها، أو وصف أدوية بشكل مبالغ فيه استجابة لعروض بعض شركات الأدوية.
وبين الفتلاوي أن هذه الممارسات تندرج في إطار الابتزاز الطبي، مؤكداً أن غياب الرقابة الفعالة سمح بانتشارها، مشدداً على ضرورة تثقيف المواطنين والأطباء بوجود قوانين نافذة تحمي الجميع وتضع الجميع تحت طائلة القانون من دون استثناء.
وختم بالقول ان "المشكلة الأساسية تكمن في غياب الردع، والحل الوحيد هو تطبيق القانون بعدالة وبصورة صارمة، لأن صحة الإنسان لا تحتمل التلاعب أو الاستغلال".