كشف مجلس القضاء الأعلى في إحصائية حديثة عن تسجيل 22,677 عقد زواج مقابل 6,910 حالة طلاق في عموم العراق (باستثناء إقليم كردستان) خلال شهر تموز 2025، فيما احتلت العاصمة بغداد المرتبة الأولى بـ 5,388 عقد زواج و2,465 حالة طلاق، وهو رقم يعكس تنامياً واضحاً في حالات الانفصال مقارنة بعدد الزيجات.
يقول الباحث الاجتماعي أحمد خميس خلال حديث لـ(المدى)، إن "الطلاق لم يعد حدثاً عابراً أو استثناءً في المجتمع العراقي، بل تحول إلى مشهد يومي يرافقه تزايد لافت في أروقة المحاكم".
ويشير إلى أن "التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العراق خلال العقدين الأخيرين أسهمت في إضعاف مؤسسة الأسرة التقليدية، وجعلت الانفصال خياراً سريعاً أمام الكثير من الأزواج بدل البحث عن حلول وسطية".
ويؤكد خميس أن "العوامل الاقتصادية تقف في مقدمة الأسباب، فارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع فرص العمل وتذبذب الدخل اليومي تجعل الأزواج يعيشون تحت ضغوط مستمرة، ومعظمهم يدخلون الحياة الزوجية مثقلين بالديون، الأمر الذي يولد خلافات متكررة تنتهي غالباً بالانفصال، لكنه يشير أيضاً إلى أن الجانب الاجتماعي لا يقل خطورة، إذ يتسبب تدخل الأهل والأقارب في تفاصيل الحياة الزوجية في زيادة الاحتكاكات، بينما يفتقر الكثير من الأزواج إلى ثقافة الحوار وإدارة الخلافات".
ويضيف أن "وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت عنصراً جديداً في معادلة الطلاق، فهي تفتح الباب للمقارنات غير الواقعية بين الأزواج، وتزرع الشكوك وتضعف الثقة المتبادلة. كما يلفت إلى أن جزءاً من حالات الطلاق يرتبط بالزواج المبكر أو زواج القاصرات، حيث تدخل الفتاة تجربة الزواج في سن صغيرة من دون استعداد نفسي واجتماعي كافٍ، فتفشل في تحمل المسؤوليات وتنهار العلاقة سريعاً".
ويرى خميس أن "الخسائر الأكبر تقع على الأطفال، فهم الضحايا المباشرون لتفكك الأسرة، حيث يتعرضون لاضطرابات نفسية ويعانون من ضعف في التحصيل الدراسي، وقد ينزلق بعضهم نحو الانحراف أو الانعزال الاجتماعي. كما أن ارتفاع معدلات الطلاق يضعف دور الأسرة كركيزة للاستقرار، ويؤثر على قوة الروابط المجتمعية بشكل عام".
ويشدد على أن "مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى معالجة شاملة تبدأ من إطلاق برامج توعية قبل الزواج لتعريف الشباب بمسؤوليات الحياة الأسرية، مروراً بتفعيل دور مكاتب الإصلاح الأسري داخل المحاكم لتسوية النزاعات قبل الوصول إلى الطلاق، وصولاً إلى معالجة التحديات الاقتصادية عبر تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل حقيقية".
ويخلص الباحث الاجتماعي إلى أن "الأرقام المعلنة لشهر تموز تؤكد أن العراق يعيش أمام معادلة مقلقة، إذ يقابل كل ثلاثة عقود زواج تقريباً حالة طلاق واحدة، وهو مؤشر يهدد بتقويض استقرار الأسرة العراقية إذا لم يُعالج بجدية عبر سياسات اجتماعية واقتصادية متوازنة تسعى لحماية كيان العائلة من التفكك والانهيار".
وأدناه الإحصائية الرسمية الصادرة عن القضاء: