لم تكن "أم زهراء" (اسم مستعار) تتوقع أن يتحول مرضها إلى مبرر قانوني للتخلي عنها من قبل زوجها، لكنها وجدت نفسها ضحية لبنود مدونة الأحوال الشخصية، التي تمنح الرجل حق الامتناع عن الإنفاق على الزوجة إذا مرضت. هذه التجربة المؤلمة كشفت لها حجم الفجوة بين ما يفرضه التشريع الجديد، وبين ما تحتاجه الأسرة العراقية اليوم من حماية وتماسك.
الأحكام غير القطعية وتغير الزمان والمكان
القاضي وائل منذر يوضح لـ"طريق الشعب"، أن الفكرة التي بُنيت عليها المدونة، تتعلق بإعادة الأحكام الشرعية الخاصة بعقد الزواج وتحويلها إلى نصوص مكتوبة، لكن الإشكالية أن التعديل اشترط اعتماد الرأي المشهور في المذهب الجعفري، ما أدى إلى إعادة صياغة جميع الآراء القديمة كما هي، بعضها يعود لقرون، من دون مراجعةِ تجعلها تتناسب مع تطورات العصر.
ويشير القاضي إلى أن المدونة نصّت على تنظيم مسألة ضرب الزوجة وأحكام النفقة عند مرضها، استنادا إلى فتاوى لا تنسجم مع واقع المجتمع اليوم، بل وتتعارض مع الفطرة الإنسانية.
ويضيف، أن بعض الأفعال التي تدخل ضمن "ضرب الزوجة" قد تعد نوعا من التعذيب المحّرم دستوريا، وهو ما يتعارض مع المادة 29 من الدستور التي تؤكد على بناء أسرة متماسكة. ويرى أن الأحكام التي كانت ملائمة في عصور سابقة، حين كان الناس يعيشون في قرى صغيرة والأمراض تنتشر بصورة أوبئة، لم تعد مناسبة اليوم مع تطور المجتمع. كما يؤكد أن الأحكام غير القطعية يجب أن تتغير باختلاف الزمان والمكان، وأن على المدونة أن تراعي النصوص الدستورية والاتفاقيات الدولية وقانون العقوبات.
ويشير إلى أن "المدونة يمكن الطعن بها أمام المحكمة الاتحادية في حال ثبوت تعارضها مع الدستور، لكن ذلك يتطلب أن يتقدم بالطعن شخص متضرر له مصلحة مباشرة"، وينصح أولياء الأمور الذين يبرمون عقود الزواج وفق المدونة أن يشترطوا بنودا قانونية تحفظ حقوق بناتهم مثل فرض جزاءات مالية أو خيار فسخ العقد لضمان الحد الأدنى من الحماية.
المدونة لا ترى المرأة مواطنة بل مجرد جسد
من جانبها، وجدت الناشطة النسوية والأخصائية النفسية إلهام مكي، بأن المدونة "ألغت البعد الإنساني في التعامل مع النساء، بل لم تنظر إليهن حتى كمواطنات". وتساءلت: "الكثير من النساء لا يملكن دخلا ثابتا، فما مصير الزوجة المريضة حين يتخلى عنها زوجها؟"، مضيفة أن المدونة حصرت نظرة المشرعين للمرأة في بعدها الجسدي فقط، متناسية دورها في بناء الأسرة والمجتمع.
وترى مكي خلال حديثها لـ"طريق الشعب"، أن البنود الواردة ستؤدي إلى مزيد من الانتكاسات، وزيادة حالات الطلاق والتفكك الأسري، مؤكدة أن الضحية الأولى هي المرأة والطفل، عمود بناء المجتمع.
تكميم أصوات ناشطين
ورغم محاولات "طريق الشعب" التواصل مع ناشطين آخرين للتعليق على المدونة، فقد رفض كثيرون التصريح خوفا على سلامتهم الشخصية، وهو ما يعكس مستوى التضييق على حرية التعبير في مثل هذه القضايا.
الناشطة سنية محمد ذكرت لـ"طريق الشعب"، أن المدونة قد انتهكت الفطرة الإنسانية حين تسامحت مع ضرب الزوجة تحت ذرائع مختلفة، وربطت بين النفقة و"الاستمتاع" الجسدي، أي حرمان المرأة من الإنفاق، حتى لو كان امتناعها عن العلاقة الزوجية لأسباب طبية.
وبينما يستمر الجدل حول هذه المدونة، يبقى السؤال معلقا: هل يعكس هذا التشريع واقع المجتمع العراقي وتطلعاته لبناء أسرة متماسكة، أم أنه يعيد إنتاج قراءات قديمة ومحددة للنص الديني، رغم أن الزمن قد تجاوزها لصالح قراءات أخرى؟