هدد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إسرائيل بامتلاك بغداد "أوراقاً" يمكن أن تمنع تمددها في المنطقة، بالتزامن مع تسلّم الحكومة تقريراً يحذر من احتمال تعرض العراق لهجوم بعد قطر.
ودعا السوداني في مقابلة تلفزيونية إلى "إعلان تحالف سياسي وأمني واقتصادي إسلامي بين الدول الإسلامية، بحيث لا يوجد ما يمنع من قيام قوة أمنية مشتركة للدفاع".
وحذّر رئيس الوزراء إسرائيل قائلاً: "لدينا عدة أوراق يمكن استثمارها للوقوف أمام العدوان، الذي لن يتوقف عند قطر"، مبيناً أن "القصف الإسرائيلي تجاوز على دولة شقيقة ويمثل تهديداً لأمنها وأمن جميع دول المنطقة".
وكان السوداني قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، عقب القصف الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة الثلاثاء الماضي، أكد فيه ضرورة عقد اجتماع "عاجل".
وفي هذا السياق، وصل وزير الخارجية فؤاد حسين إلى الدوحة للمشاركة في الاجتماع الطارئ المشترك لوزراء الخارجية العرب، لبحث تداعيات العدوان الإسرائيلي. وبحسب بيان رسمي للوزارة، فإن الاجتماع "جاء للتشاور بشأن المواقف العربية والإسلامية الموحدة إزاء هذه الانتهاكات".
ومن المقرر أن تُعقد اليوم الاثنين قمة عربية ـ إسلامية طارئة لبحث تداعيات الهجوم على قطر.
وبالتزامن، وصل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إسرائيل للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث صرّح قبل مغادرته بأن "حماس لا يمكنها الاستمرار إذا كان الهدف تحقيق السلام في المنطقة".
وأعلنت حركة حماس مقتل خمسة من أعضائها في الغارة الإسرائيلية على الدوحة الاسبوع الماضي، مؤكدة أن محاولة اغتيال وفدها التفاوضي "باءت بالفشل".
تقييم أمني: العراق هدف محتمل
داخلياً، كشفت تقارير أوروبية عن تقييم أمني عاجل قُدّم إلى السوداني يفيد بأن العراق قد يكون هدفاً محتملاً لأي تصعيد إسرائيلي.
وقالت إذاعة "مونت كارلو الدولية" إن لجنة الأمن البرلمانية نقلت عن المخابرات العراقية ومستشارية الأمن القومي تقييماً يفيد بأن إسرائيل تعتبر العراق العمق الاستراتيجي الجديد لحزب الله بعد خسارة الساحة السورية، فضلاً عن كونه مركز النشاط الإيراني الأكبر.
وتأتي هذه التطورات في وقت ألغى فيه الكونغرس الأمريكي تفويض استخدام القوة ضد العراق الصادر عام 2002، وهو إجراء قد يغيّر قواعد الاشتباك، ويفتح الباب أمام محاولات لإعادة رسم خيارات الردّ العسكري، بما قد يقود إلى سيناريوهات تصعيد تمتد إلى العراق ولبنان وسوريا، وفق تقارير غربية.
كما تشير هذه التقارير إلى أن مجموعات مسلّحة موالية لإيران في العراق كانت قد هددت في وقت سابق باستهداف مصالح أمريكية وإسرائيلية إذا ما توسّع الصراع، وهو ما يعكس هشاشة الوضع الأمني، ويؤكد قدرة تلك الفصائل على تحويل العراق إلى ساحة مواجهة.
من كان يتوقع استهداف قطر قبل العراق؟
الباحث العراقي في الشأن السياسي أحمد الياسري، المقيم في أستراليا، قال لـ(المدى): إن "القلق موجود لدى جميع الدول العربية من هجمات إسرائيلية مماثلة، لكن استهداف قطر غيّر رؤية المحللين لحركة حكومة نتنياهو في المنطقة".
وأضاف: "من كان يتوقع أن تُستهدف قطر قبل العراق؟ هذا لم يكن مطروحاً".
وأشار الياسري إلى أن "الخطر يطال دولاً عربية لها حدود برية وبحرية مع إسرائيل مثل مصر والسعودية والأردن، إضافة إلى تركيا التي قد تنخرط في مواجهة مباشرة، فضلاً عن إيران التي تستعد لجولة ثانية من الاستهداف الإسرائيلي، مع دخول الصين وباكستان على الخط كدول ضامنة في حال لوّحت تل أبيب بالسلاح النووي".
وأكد أن "الموضوع تجاوز التخوف العراقي وحده، لذا فإن مبادرات بغداد يجب أن تأتي ضمن إطار عربي وإسلامي مشترك، وليس برد منفرد لأنها غير قادرة على المواجهة وحدها".
وفي هذا السياق، أجرى السوداني الاسبوع الماضي، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبحث الهجوم الإسرائيلي على قطر والتأكيد على ضرورة "تفعيل آليات العمل العربي والإسلامي المشترك".
العراق في المنطقة الرمادية
من جانب آخر، يشير الياسري إلى أن إسرائيل قد تستهدف العراق باعتباره جزءاً من "التحالف الإيراني"، كما تراه تل أبيب، في حين أن بغداد تقف حالياً في "المنطقة الرمادية"، وتواجه أزمات داخلية.
الياسري اوضح أن "العراق مقبل على انتخابات قريبة، وهو غير مستعد لأي رد عسكري، فضلاً عن تعثر العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة، وعدم وضوح التعاون مع الناتو، إضافة إلى التخوف من عودة تنظيم داعش، وهي عوامل تؤثر جميعها على إمكانية صياغة أي إستراتيجية لمواجهة إسرائيل".
وكان القيادي في "الإطار التنسيقي" عمار الحكيم، قال الأسبوع الماضي، إن "العراق أصبح اليوم في قلب الأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم"، مطالباً خلال خطبة ألقاها في احتفالية دينية ببغداد، جميع القوى السياسية بتوحيد الجهود الداخلية للنأي بالبلاد عن أي مخاطر قد تتهددها.
خارطة طريق لتجنب الحرب
من جانبه، يرى الدبلوماسي العراقي السابق غازي فيصل أن على بغداد اتباع سياسة "الحياد الواقعي" لتجنب الدخول في حروب مفتوحة مع إسرائيل.
وقال فيصل لـ(المدى): "ذلك يتطلب ترسيخ الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا ضمن اتفاق 2008، والانفتاح على الاقتصاد العالمي لمواجهة الفساد ووقف تهريب النفط العراقي أو الإيراني، ومنع تحويل العراق إلى ساحة للفصائل المسلحة الموالية لطهران".
وأضاف: "العراق إما أن يكون شريكاً لواشنطن أو حليفاً استراتيجياً لإيران، وفي الحالة الثانية سيدفع ثمناً باهظاً، إذ تُعتبر طهران من وجهة النظر الأمريكية الراعي الأول للإرهاب في العالم".
وحذّر فيصل من أن استمرار العراق في "اللعبة المزدوجة" سيجعله هدفاً محتملاً لكل من واشنطن وتل أبيب، داعياً إلى تفعيل "الدبلوماسية الوقائية" مع السفارة الأمريكية في بغداد لتجنيب البلاد مصير "إيران"، حيث التهديدات المستمرة والاغتيالات واحتمالات تغيير النظام.