250 عاما على ميلاد جين أوستن (2 من 2)
نشر بواسطة: mod1
الثلاثاء 23-09-2025
 
   
رضا الظاهر

نقد الرأسمالية جمالياً وكشف عواقبها الاجتماعية  

المجتمع الفكتوري في "كبرياء وهوى"

تصور أوستن في (كبرياء وهوى) الانقسامات والصراعات الطبقية عبر العلاقات بين الشخصيات في الرواية، وبصورة رئيسية العلاقة بين دارسي وإليزابيث. وعندما ننظر إلى هذه الرواية في سياق منهجية ماركسية نرى أنها تعكس حقيقة أن العلاقات الاجتماعية كانت تتقرر بالمال والمنزلة الطبقية في إنجلترا ما قبل الصناعية. كما أن الرواية تكشف عن ظهور البرجوازية وكيف أثرت على العلاقات الطبقية.

وعلى الرغم من أن (كبرياء وهوى) كتبت قبل أن تصبح البرجوازية هي الطبقة السائدة في العالم الغربي، فإن الثورة الصناعية كانت قد بدأت، وهكذا كان ظهور هذه الطبقة الاجتماعية. وبالتالي فان مبادىء الملكية الشخصية التي تحددت بـ "القيمة التبادلية" كان مايزال ممكنا قراءتها في الرواية، وإن نقد ماركس للبرجوازية ممكن التطبيق. وكان من الواضح توجه الرواية نحو حقيقة أن العلاقات تتقرر بـ "القيمة التبادلية" للشخصية، أو بكلمات أخرى بالثروة والمنزلة الاجتماعية.

ومن الطبيعي أن المكانة الاجتماعية هامة مثل الثروة، وفي معظم الأحيان باتت الاثنتان تقترنان ببعض. إن دارسي ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، وبالتالي كانت لديه سلطة اجتماعية ونفوذ كبيران، بينما كانت إليزابيث تنتمي إلى طبقة أدنى (طبقة النبلاء)، وهو ما أدى إلى صراع بين الشخصيتين. وكان رفض دارسي لإليزابيث في لقائهما الأول (بسبب طبقتها) مثالا على الصراع بين الطبقات. وكانت لدى دارسي مبررات عدة لرفض إليزابيث، وبالذات مكانتها الاجتماعية، وأن عمها جمع ثروته ولم يرثها (وهذا مثال على البرجوازية الناشئة) وأن عائلتها لم تتصرف وفقا لذلك.

ومن ناحية أخرى فإنه إذا ما واصل المرء القراءة الماركسية فإن قبول دارسي لإليزابيث يوضح فرضية ماركس من أنه عندما تبدأ الطبقة المهيمنة بفقدان هيمنتها الاجتماعية يتعين عليها أن تتحالف مع الطبقة الناشئة، وهي البرجوازية في هذه الحالة. وكما أشار ماركس في (البيان الشيوعي) فإن "جزءا صغير من الطبقة الحاكمة نفسها ينفصل عنها وينضم إلى الطبقة الثورية ... كما انتقل في ما مضى قسم من النبلاء إلى جانب البرجوازية".

وفي (كبرياء وهوى) يمكن لدارسي أن يمثل قسم النبلاء الذي انتقل إلى البرجوازية، بينما تمثل البرجوازية من قبل البستانيين. وبعد كراهية دارسي المتأصلة للبستانيين يبدأ بقبولهم. ويمكن قراءة هذا القبول كمثال على الثورة البرجوازية التي ناقشها ماركس في (البيان الشيوعي). كما أن دارسي يمكن أن يمثل طبقة النبلاء المضمحلة في إنجلترا الصناعية والتغيرات التي جرت في داخل تلك الطبقة للبقاء على قيد الحياة في ظل الثورة الصناعية (البرجوازية كما رآها ماركس). ومن الناحية الفعلية فإن هذا يتجلى في قبوله لعائلة إليزابيث ورغبته في الزواج عن حب وليس طمعا في تعزيز مكانته الاجتماعية.

وبتطبيق فكرة ماركس حول الصراع الطبقي يمكن للمرء أن يشير إلى أن دارسي وإليزابيث (باعتبارهما بطلي الرواية) يجسدان أفكار ماركس في ما يتعلق بالصراع الطبقي والثروة والملكية الشخصية وقبول الطبقات الأخرى من أجل البقاء. وبينما يمكن أن تقرأ رواية (كبرياء وهوى) من جانب كثيرين كرواية رومانسية، فإنها تجسد، أيضا، نقدا للعالم الذي شكلته أوستن في الرواية.

إن رواية (كبرياء وهوى) هي، في الجوهر، نقد للمجتمع الفكتوري في القرن التاسع عشر، حيث الفكرة الماركسية للمادية الثقافية التي تشير إلى مجتمع يعتمد على المال والثروة والممتلكات المادية، وكان هذا يسود إلى حد كبير. وفي الرواية تحاول أوستن أن تركز على التدهور الأخلاقي لأفراد المجتمع الفكتوري. إن الكيفية التي تنشغل بها النفس  البشرية بفكرة الحصول على المال والثروة يجري تصويرها، على نحو فائق الحيوية، من قبل أوستن.

ويجري انتقاد أفراد الطبقتين العليا والدنيا على قيمهم وأفكارهم. وتظهر الكاتبة كيف أن الزواج كان يعتبر أداة لمراكمة الثروة في ذلك المجتمع الفكتوري. وعلى سبيل المثال فإن عائلة بينيت كانت مهووسة بالقلق على تزويج بناتها لرجال أغنياء. وعلى نحو مماثل تزوجت شارلوت لوكاس من السيد كولنز فقط لأنها تسعى إلى ضمان اقتصادي، فوفقا لها تعتبر السعادة في الزواج مسألة حظ. وبمعارضتها لوجهة نظر إليزابيث حول الزواج الأفلاطوني فان تأكيدها هو: "لست رومانتيكية كما تعلمين، ولم أكن كذلك. لا أسعى إلى شيء غير بيت مريح". وهذا يظهر إلى أي حد كانت أفكار ماركس في المادية الثقافية تهيمن على ذلك المجتمع. كما أن فكرة القاعدة والبناء الفوقي موجودة في الرواية. فالقاعات وحفلات الرقص هما قاعدتان أساسيتان تذكران في القصة، ومن المؤكد أن هذه هي ثقافات وتقاليد الطبقة العليا. وكل سلوك شخصيات الطبقات الوسطى والدنيا في القصة يدور حول هذه القاعات والحفلات. وليس هذا فقط، ذلك أن أسلوب حياتهم اليومية يتشكل في إطار فكرة وقيم الطبقة العليا.

وتصور أوستن، أيضا، وضع النساء في المجتمع الفكتوري البطرياركي. ففي إنجلترا القرن التاسع عشر كانت النساء معتمدات، كليا، على الرجال في حياتهن المالية. وهذه واحدة من الموضوعات الغالبة للكاتبات في العصر الفكتوري، كما يمكن رؤية ذلك لدى جورج إليوت وتشارلوت برونتي وإميلي برونتي. وتظهر أوستن أن النساء كن يرغمن على الزواج بالضد من إرادتهن لا لشيء سوى ضمان الدعم المالي. ويمكننا رؤية السيدة بينيت وهي تحث بناتها، باستمرار، على السعي إلى الزواج من رجال الطبقة العليا. ويحدد ماركس هذه الجوانب من المجتمع في كتاباته، حيث يجري تقرير حياة المرء، إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالمال والثروة.

وهكذا تنتقد أوستن المجتمع الفكتوري الرأسمالي إلى حد كبير، وتكشف عن التدهور الأخلاقي سعيا إلى الثروة. وأخيرا فإن أوستن تنتهي بالدعوة إلى مجتمع حيث الموارد وأسلوب الانتاج ومصادر الأفكار والقيم والمعتقدات يجري امتلاكها بصورة متساوية من جانب الأفراد، وهذا هو ما يردد أصداء الماركسية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطريق الثقافي – العدد 170 – 24 أيلول 2025

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced