في واحدة من القصص الإنسانية المؤلمة، يروي أب من بابل معاناته اليومية مع بناته المراهقات، فهو يعيش صراعاً داخلياً بين رغبته في حمايتهن من ضغوط الحياة، وبين خوفه من أن تؤدي أي كلمة منه إلى دفع واحدة منهن إلى الانتحار.
يقول (ع.ع) إنه في كل صباح يصطحب بناته إلى المدرسة، وعند الظهيرة يترك عمله على عجالة ليعود بهن إلى البيت، مهما كلفه الأمر.
لكنه مندهش من تغير سلوك الأخت الكبرى في الأشهر الأخيرة، حيث "باتت تميل إلى العزلة والانطواء، وتكرر عبارات عن فقدان الأمل"، مضيفاً: "أخاف أن أطلب منها الاهتمام بدروسها أو المشاركة في الحياة الاجتماعية، وكل كلمة قد تُفهم على أنها ضغط إضافي عليها".
الأب (ع.ع) يحاول أن يخفي ارتباكه مما يجري داخل بيته، فلم يعد نجاح ابنته في الدراسة مهماً لديه، بقدر أهمية بقائها على قيد الحياة.
قد يكون هذا الأب بحكم ثقافته واع لمشكلة مستقبلية تنبّه لها، لكنه يظل واحداً من قلة قليلة من الآباء الذين ينتبهون إلى حصول تغيّر في سلوك أبنائهم، ومحاولة حل المشكلة قبل وقوعها.
بدوره، يرى مكتب حقوق الانسان في محافظة بابل، أن مراقبة سلوك الابناء "مسؤولية تقع على عاتق الأسرة"، كاشفاً عن أن وزارة التربية أوعزت لإدارات المدارس بتفعيل دور الباحث الاجتماعي.
حيث يقول مدير المكتب أحمد العطار لشبكة رووداو الإعلامية، يوم الجمعة (3 تشرين الأول 2025) إن "العبء الأكبر يقع على الأهل وليس على الدولة، فالدولة لديها إجراءاتها فيما يتعلق بمكافحة المخدرات وتقييد بعض وسائل التواصل الاجتماعي"، وقد أوعزت وزارة التربية بتفعيل دور الباحث الاجتماعي للعام الدراسي الجديد 2025-2026.
العطار أكد أن "العامل الأهم للوقوف بوجه ظاهرة الانتحار هي الأسرة المتماسكة والتي تفرد وقتاً للتحدث مع الأبناء ومعرفة مشاكلهم"، عاداً إنهاء حياة شخص "ليس بمزحة ولا هو بحل، بل هروباً من واقع لم يستطع الشاب أو الطفل أن يحقق فيه شيئاً".
ودعا العطار من خلال مفوضية حقوق الإنسان الشباب الى "التحلي بالثقافة المجتمعية، سواء بالتواصل مع المختصين النفسيين أو كبار السن، أو حتى أي رجل كبير في القرية أو المنطقة اللي يعيش فيها الشاب".
كما وجّه العطار رسالة للشباب الذي يمرون بأزمات نفسية "قد تدفعهم للانتحار"، ونصحهم بـ"البحث عن معالجات حقيقية لمشاكلهم بدلاً عن اللجوء للانتحار".
كانت وزارة الداخلية العراقية، عزت في وقت سابق، ارتفاع حالات الانتحار في البلاد إلى الزيادة السكانية، والوضع الاقتصادي، والبطالة، وتعاطي المخدرات، فضلاً عن العنف الأسري والجرائم الإلكترونية والابتزاز الإلكتروني الذي له تأثير مباشر في هذا الموضوع.
ولا توجد في العراق احصائيات دقيقة لعدد حالات الانتحار في البلاد، أو حتى لعدد محاولات الانتحار، فيما تعزو جهات رقابية ومنظمات مختصة غياب الاحصائيات الى أسباب مجتمعية وعشائرية تمنع المسؤولين من الادلاء باحصائيات دقيقة.