جرائم قتل النساء.. من {الخلافات العائلية} إلى {مجهولي الهوية}
نشر بواسطة: mod1
الأربعاء 08-10-2025
 
   
حوراء فاروق -طريق الشعب

في بلد أنهكته الحروب والصراعات، يبدو أن حياة النساء في العراق ما زالت تستباح تحت ذرائع متعددة، تبدأ من "الخلافات العائلية" ولا تنتهي عند "مجهولي الهوية". خلال السنوات الأخيرة، شهدت البلاد تصاعدا مقلقا في جرائم قتل النساء، بعضها يتم تحت لافتة "جرائم الشرف"، وأخرى تنفذ بأساليب منظمة تشير إلى دوافع سياسية أو اجتماعية أعمق من مجرد نزاع عائلي.

الحدث الأحدث والأكثر صدمة كان اغتيال الحقوقية الدكتورة همسة جاسم، التي كانت صوتا مدافعا عن النساء وضد كل أشكال التمييز والعنف. جريمة قتلها أعادت إلى الأذهان سلسلة طويلة من الجرائم التي تطال النساء في مختلف مدن البلاد، لتفتح مجددا ملفا لم يغلق بعد، رغم الوعود الكثيرة والتشريعات التي بقيت حبرا على ورق.

الدكتورة همسة التي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، لم تكن الأولى في قائمة النساء اللاتي دفعن حياتهن ثمنا لكلمة أو موقف. قبلها، هز الرأي العام مقتل الطبيبة النفسية بأن زياد، التي كانت تعرف بشجاعتها ومواقفها الصريحة تجاه العنف الأسري وقضايا المرأة. الجريمتان، رغم تباعد الزمن بينهما، تحملان بصمة مشتركة: استهداف نساء فاعلات، مثقفات، لهن حضور اجتماعي وصوت مسموع.

لكن ما يثير القلق أكثر، هو الطريقة التي تغلف بها بعض هذه الجرائم. ففي الوقت الذي تسجل فيه جرائم قتل النساء ضمن بند "الخلافات العائلية" أو "قضايا الشرف"، تغلق الملفات سريعا، ويمنح القاتل مبررا اجتماعيا وقانونيا أحيانا. أما حين يكون القاتل "مجهول الهوية"، فإن الحقيقة تدفن مع الضحية، ويترك الرأي العام بين موجة غضب قصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وصمت رسمي يثير الريبة.

الناشطات في مجال حقوق الإنسان يؤكدن أن هذه الجرائم لم تعد مجرد أفعال فردية، بل تحولت إلى ظاهرة تستخدم أحيانا لترهيب النساء الناشطات أو تكميم الأفواه النسوية في الفضاء العام. وتقول إحداهن فضلت عدم ذكر اسمها، في تصريح لـ"طريق الشعب"، إن "الرسالة التي يراد إيصالها واضحة: لا مكان لصوت المرأة الحرة في مجتمع يهيمن عليه فساد السلطة والخوف والذكورية".

في السنوات الماضية، تصاعدت الدعوات لتشريع قانون مناهضة العنف الأسري، إلا أن المشروع يواجه اعتراضات سياسية ودينية تعرقل تمريره في البرلمان. وبين الجدل حول "الحفاظ على قيم المجتمع" و"حماية الأسرة"، تزهق أرواح نساء لا ذنب لهن سوى أنهن طالبن بحقوقهن.

الإحصائيات، وإن كانت غير دقيقة بسبب التعتيم، تشير إلى مئات الحالات سنويا من قتل النساء في العراق، بين حوادث معلنة وأخرى يتم التستر عليها داخل البيوت. وفي بعض المحافظات، تمارس ضغوط اجتماعية على عوائل الضحايا للتنازل عن حق القصاص أو لتغيير وصف الجريمة.

قضية الدكتورة همسة جاسم ليس مجرد جريمة قتل، بل يجب ان تكون صرخة بوجه منظومة كاملة من الإهمال والتواطؤ. فكيف يمكن أن تقتل بهذه المكانة في وضح النهار دون أن يعرف القاتل؟ ولماذا تتكرر ذات المأساة مع الطبيبة بأن زياد وغيرها من النساء اللواتي اخترن أن يكن فاعلات في مجتمع يضيق بصوتهن؟

الإجابات ليست سهلة، لكنها تبدأ بالاعتراف أن العنف ضد النساء في العراق لم يعد شأنا عائليا بل قضية أمن مجتمعي وسياسي. إذ إن إفلات الجناة من العقاب يشجع على مزيد من الجرائم، ويزرع الخوف في نفوس النساء العاملات في مجالات الحقوق والإعلام والنشاط المدني.

اليوم، يتعين على مؤسسات الدولة أن تتعامل مع هذه الجرائم بجدية تامة، عبر تحقيقات شفافة ومحاسبة الجناة دون تمييز أو تبرير. كما أن على الأحزاب والجهات السياسية الكف عن استخدام "مجهولي الهوية" كغطاء لعمليات تصفية تستهدف الأصوات الحرة.

من جانب آخر، يبرز دور المجتمع المدني والإعلام كحائط صد أمام محاولات طمس الحقيقة. فكلما ارتفع الصوت ضد هذه الجرائم، بات من الصعب تبريرها أو نسيانها. ومواقع التواصل الاجتماعي أثبتت في أكثر من مرة أنها قادرة على تحويل قضية فردية إلى رأي عام ضاغط على الجهات المعنية.

جريمة همسة جاسم أعادت النقاش إلى بدايته: إلى متى تقتل النساء في العراق، ثم يقال إن السبب "خلاف عائلي"؟ وإلى متى يترك "المجهول" حرا، فيما تغلق الملفات باسم العادات والشرف والانتحار؟

ربما كان مقتل همسة وبان وغيرهما جرس إنذار، وان السكوت لم يعد ممكنا. فكل ضحية جديدة ليست رقما يضاف إلى قائمة، بل هي حياة أُطفئت لأن المجتمع ما زال يمنح القاتل عذره، ويصمت حين تقتل امرأة فقط لأنها تجرأت على الكلام.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced