من ينقذ دجلة الخير من التلوّث؟!
نشر بواسطة: Adminstrator
الخميس 22-09-2011
 
   
بغداد/ الندى / إيناس طارق
طالما تغنى الشعراء بدجلة العراق ووصفوه بأجمل الصفات وأحلاها ويكفي أن شاعرا عظيما مثل الجواهري خاطب نهره الحبيب بـ(يا دجلة الخير)، لكن دجلة الخير الذي تغنى به عشاقه وفلاحوه شحت مياهه ونحفت نسائمه وذبلت عروقه،
وما تبقى منه أصبح مكبا للنفايات السائلة و الصلبة وبات يثير الشفقة والحسرة.
نهر دجلة العظيم، صانع الحضارات والتاريخ باتت مياهه تتحول - بقدرة غريبة مع دخولها بغداد - من صافية إلى داكنة اللون وملوثة ، حيث تصب فيه  ما بين مليون _ ومليون ونصف متر مكعب، من المياه المبتذلة الناجمة عن سكان العاصمة في نهر دجلة، فالمياه القادمة من الشمال نظيفة ونقية، لكن ما أن تصل إلى العاصمة حتى يختلف الأمر تماما، حيث تتبدل الألوان وتطفو الأوساخ. ومع وصول المياه الى الطرف الجنوبي في العراق، تزداد درجة التلوث الى حدود أكثـر خطورة، حيث تشير التقارير الدولية الى ان مياه دجلة مسؤولة بشكل كبير عن نسبة عالية من الأمراض التي تصيب السكان، فضلا عن شهادة  جون كلوسنر من شركة بكتل الاميركية الذي ذكر في تقرير أن " 75 في المئة من مجاري العراق تذهب الى الأنهار".
تلوث دجلة اوجد حالة من تبادل الاتهامات بين المؤسسات الحكومية المختلفة والضحية هو المواطن، وقد حاولنا معرفة اسباب هذا التلوث وقمنا بتوجيه اسئلة عدة لحكوميين لهم علاقة مباشرة بالمياه، كما توجهنا بالاستفسار الى وزارات معنية بالامر، الا ان الجميع تنصلوا عن المسؤولية وبذلك لم نستطع الوصول الى الجهة التي تقول إن لها علاقة بهذا الموضوع الخطير والشائك ،مثلما لم نتوصل الى الجهة التي تقع عليها مسؤولية معالجة هذا التلوث الذي يؤثر على صحة المواطن.
الحكومة تحاول كما يقال وبمساعدة منظمات انسانية عدة اصلاح وحدة معالجة المياه الثقيلة جنوبي بغداد، التي قام المخربون بمهاجمة المنشأة وقتلوا مديرها، فيما تكفل اللصوص بنهب باقي محتويات المنشأة. أما انابيب المياه الثقيلة فما تزال تضخ بكميات كبيرة من المياه الثقيلة وتصبها في نهر دجلة ويعود بعضها مخلوطا مع مياه الشرب التي تغذي العاصمة.
الحقيقة المؤلمة أن ما نسبته ثلثا المياه الثقيلة الخارجة من مناطق بغداد السكنية تنتهي دون معالجة لتصب في نهر دجلة والقنوات المائية الأخرى حسب ما يؤكد السيد ستيورات بوين الذي يشغل منصب المفتش الأميركي العام لأنشطة الإعمار الأميركية في العراق ضمن تقرير ربع السنوي.
بعض مناطق بغداد لاسيما بغداد الجديدة والبلديات ليست محظوظة كغيرها من المناطق البغدادية،فمياه دجلة التي تصل الى تلك المناطق تعد ملوثة بمياه المجاري وباقي الملوثات الاخرى الى درجة ان محطات التصفية تبدو غير قادرة الا على القليل حيال هذا الموضوع، ومما فاقم الامر سوءا ان مياه المجاري الثقيلة تتسرب إلى أنابيب مياه الشرب.
ويكشف كمال حسين وكيل وزير البيئة للشؤون الفنية ان 70% من مياه الصرف الصحي ترمى إلى النهر دون معالجة في العراق وهذه كارثة كبرى لذلك أعلنت وزارة البيئة عن افتتاح مشروع لمراقبة نسب التلوث في النهر بصورة مباشرة عبر استيرادها اجهزة مراقبة التلوث بشكل ميداني وعلى مدار اليوم لتحديد مصادر التلوث والجهة التي تقف وراء التلويث ففي كل ربع ساعة تؤخذ عينة من أي موقع نحدده من المصادر المائية حيث تظهر نتائج التحاليل متكاملة بالقراءة والكتابة المطلوبة 100%.
ويشير آخر تقرير لدائرة بيئة بغداد الى ان سرعة مياه نهر دجلة منعت الى حد كبير تراكم المواد الخطرة المترسبة وهو ما ابعد بغداد عن مواجهة كارثة حقيقية لتلوث النهر خاصة مع الانخفاض الشديد لتدفق المياه التي يتحكم بها الجانب التركي، بيد أن مدير عام دائرة المخلفات الصلبة والبيئة في أمانة بغداد المهندس سلام عدنان الدهلكي رسم صورة لواقع تلوث النهر، واصفا إياه بأنه كارثة بكل المعاني.
وأوضح الدهلكي أن معالجة المياه الثقيلة  في بغداد تجري من خلال محطتي الرستمية والبوعيثة، وهاتان المحطتان تعملان بطاقتيهما القصوى على معالجة 700 الف م3 من المياه الثقيلة في أحسن الأحوال، في حين أن المياه الثقيلة في بغداد تبلغ نحو مليون و200 الف م3 وهذه المياه تلقى بنهر دجلة، فضلا عن مخلفات شبكات المياه الثقيلة المربوطة مباشرة إلى النهر والمصانع والمستشفيات.
وأشار الدهلكي الى وجود مشاريع لتحويل مياه الصرف من خلال انشاء محطات تحويلية وبذلك يمكن الاستفادة منها في سقي المزروعات لاسيما هنالك شح في مياه السقي.
ويكشف المتحدث الإعلامي لأمانة بغداد حكيم عبد الزهرة لـ(المدى)  قائلا:إن الأمانة تحاول بذل اقصى جهودها للحد من تلوث مياه نهر دجلة لكنها ماذا تفعل ازاء هذه الإمكانات المحدودة، فضلاً عن ان الامانة بحاجة الى مؤازرة بقية الوزارات للتعاون والحد من هذا التلوث، اضافة الى انها  طلبت من الحكومة تخصيص ميزانية مالية لشراء اجهزة جديدة وحديثة تساهم في تنقية وتعقيم المياه،وان الامر يحتاج الى معالجة جدية وسريعة للحد من تلك الظاهرة الخطيرة.
أما مدير اعلام مستشفى مدينة الطب "رعد راضي" فقد نفى ان يكون المستشفى مسؤول عن تلوث النهر حيث قال:إن مستشفى مدينة الطب لا يرمي النفايات في نهر دجلة ولا نسمح لأية جهة  أياً كانت بقول ذلك لان المستشفى لديه محارق خاصة للتخلص من النفايات .
أما المتحدث الإعلامي لوزارة الكهرباء مصعب سري  فقد صرّح لـ"المدى ":بأن وزارة الكهرباء ليست لها علاقة بالتلوث الذي يحدث بنهر دجلة، فضلا عن ان  الوزارة والدوائر التابعة لها  لا ترمي مخلفات المياه  في النهر،لأنها  لا تستخدم المياه الا في محطات مياه توليد الطاقة البخارية، أما المحطات الاخرى فهي تعتمد على الوقود "مثل الغاز والكاز ".
وقال رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي في تصريح لـ(المدى) : إن المجلس دعا الشركات العالمية المتخصصة لتقديم عروض إعلان الرغبة لتبني مشاريع استثمارية في مجال معالجة مياه نهر دجلة وخفض نسب الملوثات فيه، ومعالجة التهديدات والمخاطر الصحية والاقتصادية والاجتماعية من وراء هذه الظاهرة واستمرار هذه الممارسات والتجاوزات التي أدت إلى تصاعد كميات الملوثات من مخلفات الصرف الصحي والصناعي في نهر دجلة وهي ترمى بغير معالجة .
وعاد الحديث مرة أخرى عن تلوث مياه دجلة وتأثيره على صحة الإنسان، حيث قال مدير بيئة واسط، المهندس صباح عباس إن " ظاهرة رمي المخلفات البيئية في نهر دجلة أثناء مروره بالعاصمة بغداد أصبح من الأمور التي تشكل خطرا على الصحة العامة للمناطق الواقعة إلى الجنوب من بغداد وتستخدم مياه نهر دجلة."
ويضيف أن "المخلفات التي يتم رميها في النهر تتمثل بتصاريف مياه الصرف الصحي والمخلفات الطبية والصناعية، إضافة إلى مخلفات البناء والمواد الإنشائية وغيرها من الفضلات غير الصحية التي تكون أضرارها ومخاطرها كبيرة على البيئة وصحة الأشخاص".
ويشير عباس إلى أن " ظاهرة التلوث البيئي في النهر شهدت ارتفاعا كبيرا في الفترة الأخيرة خاصة في المناطق المحاذية إلى جنوب بغداد مثل الصويرة والعزيزية وغيرها من المناطق التي تصلها ملوثات كثيرة مع تيار الماء."
وإن "الحالة إذا ما استمرت فأنه يصعب في المستقبل السيطرة عليها وستكون أضرارها فادحة وكبيرة."
رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة صلاح الدين الدكتور واثق شاكر قال: إننا نعيش في بيئة ملوثة ومياه نهر دجلة ملوثة أيضا، وهذه الظاهرة مستمرة ،حيث يأتي التلوث عن طريقين، الأول الأنابيب الناقلة للنفط الخام من حقول كركوك إلى مصافي بيجي والتي تمر سابقا فوق النهر عبر جسر منطقة الفتحة الذي دمر عام 2003،ما دفع القوات المتعددة الجنسية الى إنشاء قناة إسمنتية تحت النهر تحتوي على الأنابيب التي تنقل النفط وهذه الأنابيب غالبا ما تسرب كميات كبيرة من النفط الخام"،  أما السبب الثاني، فهو طرح كميات كبيرة من نفايات المصافي ومحطات بيجي الحرارية في الأودية قرب النهر حيث ان الامطار والسيول تجرف هذه النفايات الى النهر، اضافة الى العمليات التخريبية التي تستهدف تفجير أنابيب النفط التي تذهب كميات كبيرة منها الى النهر.
من جانبها، اكدت وزارة الموارد المائية جانب الكرخ ان التلوث لمياه نهر دجلة كان اكبر قليلا من المحددات العالمية (1990-1992) وفي عام 2003 أظهرت ممصات اسالات ماء بغداد ان مياه نهر دجلة ملوثة جدا،وقد انجزت دراسات عديدة حول واقع التلوث البكتيري للمياه السطحية خاصة بعد حرب الخليج الثانية والتي أنجزها فريق جامعة هارفرد في ايلول عام 1991 حيث بدأت الدراسة عام 1992 -1993 للمناطق على نهر دجلة والفرات ماعدا منطقة كردستان، وأظهرت الدراسة ان مياه منطقة بيجي على نهر دجلة ومحافظة ذي قار على نهر الفرات فاق المحددات البكتيرية، حيث وصلت الكثافة البكتيرية مليون خلية لكل 100سم3 ،في حين المحددات العالمية تعتبر المياه السطحية اذا وصلت كثافتها البكتيرية 10000 خلية /1000ملم مسموحاً بها والمحبذ 100خلية /100ملم . كما انجزت دراسات عديدة حول التلوث البكتيري لمياه نهري دجلة والفرات ونهر ديالى وجميع نتائج الفحص البكتيري كانت غير مشجعة وهذا يعني رمي مياه الاستخدامات المدنية او الصرف الصحي بها دون معالجة بسبب عدم الوعي الصحي والبيئي للمواطنين . كما أنجزت دراسات عديدة لدراسة المياه الجوفية في منطقة الرمادي ومناطق أخرى من العراق، وكذلك دراسة تلوثها بالبكتيريا في مياه الآبار لمنطقة التويثة والتي يصل عمقها أكثر من (15) قدما، والنتيجة كانت  تلوث المياه وعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري والحيواني والزراعي.
وذكر الخبير مهند ماجد متخصص في شؤون البيئة قائلا: إن ابرز المخاطر التي تواجه مدن العراق تلوث مصادر المياه ومشكلة النفايات الطبية التي مصدرها المستشفيات والمراكز الطبية أنها لو لم تعالج بشكل مناسب قد تصيب المجتمع بأمراض كثيرة تودي بحياة المواطنين، فضلا عن المصانع والمعامل  القريبة من النهر، علما أن جميع دول العالم تستخدم التصفية النووية في مجال إزالة الملوثات عن مياه الصرف الصحي ولكن الدول العربية تستخدم المعالجة البايولوجية . وهي ما يسمى المعالجة الثلاثية (Tertiary Treat ) ولابد من وجود الكلورين قبل طرح المياه في الأنهار التي نصب عليها ،وعلى أية حال المواطن بالذات بحاجة الى التوعية  ، فقد يكون المواطن جاهلا دون ان ينتبه لخطورة هذا الأمر، مثلا نجد علب المياه والمشروبات الغازية مرمية في المتنزهات او الحدائق وان هذه النفايات قد تتحلل وتمتصها الارض فتؤثر على المياه الجوفية التي تعد احد اهم موارد الشرب بعد المياه المحلاة ،فالنفايات بجميع أشكالها يجب ان تجمع وتعالج ومن ثم تردم في أماكن بعيدة عن المجمعات السكنية.
الحكومة تنبهت لحجم المشكلة وأعلنت في هذه السنة 2011 ومن خلال الناطق الرسمي باسمها وزير الدولة علي الدباغ مصادقتها على توصيات اللجنة المشكلة لدراسة واقع حال التلوث في نهر دجلة وإيجاد طرق وآليات لمكافحته. 
الدباغ اوضح بأن التوصيات تضمنت تفعيل المادة (14/أولاً) من قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 الخاصة بمنع تصريف أية مخلفات سائلة منزلية أو صناعية أو خدمية أو زراعية إلى الموارد المائية الداخلية السطحية والجوفية أو المجالات البحرية العراقية إلا بعد إجراء المعالجات المطلوبة عليها بما يضمن مطابقتها للمواصفات المحددة في التشريعات البيئية الوطنية والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة الملزمة لجمهورية العراق وخلاف ذلك ستنفذ عقوبات قانونية على الجهات التي تخالف نص المادة.
وأضاف: كما قررت الحكومة الإسراع بالمصادقة على قانون الشرطة البيئية والشروع باصدار قانون إنشاء المحاكم البيئية الخاصة بمحاسبة المخالفين والبت بقضايا التجاوزات البيئية.
وأشار الى  أنه سيجري انشاء نظام رقابي للملوثات على طول نهر دجلة وروافده يتضمن مختبرات وأجهزة قياس الملوثات (تحسس نائي) مع دعم دوائر حماية وتحسين البيئة في المحافظات كافة بأكثر من 200 درجة وظيفية، كملاكات رقابية والتعاقد مع مكتب استشاري لغرض تقويم واقع التلوث من البيانات المستحصلة من النظام الرقابي وبشكل دوري وبكلفة إجمالية تخمينية للمشروع مقدارها (110) مليارات و 685 مليون دينار.
وأكد الدباغ أن وزارة البلديات والأشغال العامة وأمانة بغداد والمحافظات المطلة على نهر دجلة ستقوم بإنشاء شبكات مجارٍ ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي وزيادة الطاقة التصميمية للمحطات العاملة وتشغيل المتوقف منها مع استمرار وزارة الموارد المائية بكري النهر ورفع الأنقاض عنه حيث ستفعل وزارة الزراعة القوانين العاملة في مجال تنظيم الصيد واستغلال الأحياء المائية ومراقبة تلوث مياه البزل بالأسمدة والمبيدات الكيمياوية وستقوم الوزارات والدوائر المعنية بإنشاء وحدات معالجة للمخلفات السائلة خلال مدة لا تتجاوز سنة وستتابع لجنة مكافحة التلوث تنفيذ هذه التوصيات.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced