هنا بغداد.. الشوارع تزدحم بالعاطلين
نشر بواسطة: Adminstrator
السبت 24-09-2011
 
   
بغداد/ المدى /سها الشيخلي
صرخ العامل فاضل بوجهي  في إحدى ساحات العاصمة التي نطلق عليها (المسطر) عندما علم بمهمتنا ، ثم خطف القلم من يدي وألقاه على الأرض وداسه بقدمه، وواصل صراخه متهماً الصحافة بأنها ساكتة عن الحق ،
وان البلد يُسرق ويُنهب ، و يطفو على الازبال ويخيم عليه الظلام ويتسوّل ربع سكانه ، والصحافة ساكتة ، فهي على حد وصفه، إما أن تكون جبانة أو متواطئة ، وبعد أن هدأ فاضل قلت له إن الصحافة ليست جبانة ولا هي متواطئة بدليل أننا هنا معكم ونستمع إلى شكواكم لنقلها إلى الرأي العام . قال فاضل بسخرية: أي رأي عام تتحدثين عنه ؟. أين منا ذلك الرأي العام الذي تقصدينه ؟. الأمية أم البطالة أم الإرهاب الذي ينهش أجسادنا؟!.دول الجوار تدخل كيلومترات عديدة لتنهب أرضنا وتهجر أهالي القرى  والرأي العام ساكت. تحلق حولنا زملاء فاضل في العمل وهم يبررون ثورته ، ويعتذرون بالنيابة عنه فقال احدهم : سامحيه .. فقد جاء من محافظة الديوانية الأشد فقرا بين مدن العراق، باحثا عن عمل فهو (صبّاغ دور) ماهر، إلا انه منذ أسبوع يجلس هنا في انتظار فرصة عمل قد تأتي أو لا تأتي.انه صاحب عائلة كبيرة وله أب معوق حرب ، وقد باع كل أثاث منزله وجاء  للبحث عن العمل .
فاضل البالغ من العمر (40 سنة) معلم مفصول من مدرسته لأسباب سياسية ، كونه يحمل فكرا نيرا. إلا أن معاملة إعادته الى الخدمة تحتاج الى رشوة مقدارها 1000 دولار ..فلا تغضبي من فاضل فهو يعاني البطالة .

أرقام وهمية
تكاد لا تخلو التظاهرات  في الوقت الحاضر سواء في بغداد أو في المدن الأخرى ، من المطالبة بالحد من البطالة وإيجاد فرص عمل للعاطلين الذين ازداد عددهم بشكل يهدد المجتمع العراقي ، ولا ننسى أن تظاهرات الباحثين عن العمل قد ألهبت الشارع العربي في ثورات الربيع ، التي وصفها بعض حكامنا بالخريف ، وتعد البطالة  محليا من اعقد واخطر الملفات التي تواجه  الحكومة الآن. ومع أن كل الأرقام المعلنة من قبل بعض الوزارات بشأن وجود درجات شاغرة  ، يبقى الأمر محض وعود، الغرض منها إنعاش الآمال في إيجاد فرص عمل عبر سراب تضعه الحكومة أمام  العاطلين ، لكن حتى هذا السراب صار (كليشة) لا يثق بها العاطلون ، ولم تنطل عليهم فهي في نظر العاطلين إن وجدت ستخصص وفق محاصصة تلك الدوائر. 
وخلال تظاهرات يوم الجمعة سألنا احد المتظاهرين إن كان يثق بوعود الحكومة في توفير فرص عمل لهم، فقال جبار (24) سنة: أصبحنا لا نثق بأحد ، بل حتى إذا كانت هناك فرص فهي  قليلة  وسوف تدخل تحت الجذر التربيعي ويتم الالتفاف عليها لتعطى الى المقربين من تلك الكتلة او الحزب في الوزارة المعلنة عن تلك الدرجات المبالغ في عددها ،  ويخرج الغالبية بخفي حنين ، حتى سئمنا الوعود ولم نعد نثق بأحد. عاطل آخر (مطشر، 26 سنة)، يقول انه جاء من محافظة الناصرية باحثا عن العمل بعد ان ترك زوجته وطفله لدى أخيه على أمل الحصول على عمل لكنه لم يعثر عليه لحد الآن ، ويؤكد مطشر انه يقيم لدى شقيقته التي تعيش في بيوت مبنية  من البلوك والصفيح في منطقة العبيدي القريبة من جسر ديالى وقد تعب من كثرة السؤال عن العمل، علماً أنه يعمل في البناء (عمّالة) وعندما يدركه الوهن ينام على الرصيف أو تحت المجسر  القريب من المسطر  وانه عادة لا يتناول سوى وجبة واحدة (ما جعلنا ندفع له وجبة اليوم)،  ولا ننسى أن البطالة كانت وراء إشعال فتيل التظاهرات التي ألهبت الشارع العربي مؤخرا ، وهي بالتأكيد تلهب الشارع العراقي حاليا ، إن لم تتدارك  الحكومة نفسها وتجد الحل السريع لهذه المشكلة المستعصية ، ومع كل الوعود المطمئنة ، إلا أن الباحثين عن العمل لم يحصدوا سوى قبضة من الريح .

البطالة والجريمة
تُعد ساحة العروبة في مدينة الكاظمية  إلى جانب  ساحات أخرى متناثرة في بغداد ، محطات لتجمع الباحثين عن العمل من مختلف الأعمار ، والذين يشكلون صورا لا تخطأها العين ، فالنظرات منكسرة ، والآمال مبعثرة والفرص نادرة في الحصول على العمل والانتظار الممل و الصبر النافد لترقب فرصة قد لا تأتي  أبدا . في البداية عندما علم رجال المسطر بمهمتنا قال لنا احدهم  بتهكم  وهو ينفث دخان سيكارته : وماذا عساكم ستفعلون ؟.هل تظنون أن الحكومة لا تعلم بنا ؟.  التفتنا إلى احد الجالسين في ذلك المكان وسألناه ، منذ متى وأنت هنا تبحث عن فرصة للعمل ؟. أجابنا الرجل بألم: منذ عشرة أيام  وأنا اجلس هنا احرق السكائر واحرق معها كل أمل في الفوز بفرصة عمل. وتابع أبو طارق  (30 سنة) ، تم تهجيري من (أبو غريب) واسكن الآن في منطقة يقال إنها تابعة الى امانة بغداد، وانا بنظر القانون متجاوز وهذا يعني أنني مهجر ومتجاوز وعاطل أيضا عن العمل ولا املك شبرا واحدا في بلد يلاحقني بكل الطرق ليقول لي إنني مواطن لا استحق العيش بشرف ونزاهة . إن قوانين بلدي وإجحافها بحقي تدفع الكثيرين إلى الجريمة وعلى الحكومة أن تدرك ذلك ..

دعم المشاريع المدّرة للربح
وتحدث  عضو اللجنة الاقتصادية النيابية سلمان الموسوي عن رفع مبلغ دعم المشاريع المدرة للربح المقدمة للعاطلين عن العمل الى عشرين مليون دينار، بعد ان كانت 15 مليون دينار،  وبدون فائدة وبكفالات مبسطة لغرض مساعدتهم في إنشاء مشاريعهم  ،موضحا أن العاطلين المسجلين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية يبلغ عددهم مليون شخص تقريبا، مضيفا أن الوزارة ستجري دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع المقدمة من قبلهم سواء الصناعية أو الزراعية أو التجارية أو التي تخص الأرامل ، ويذكر أن وزارة  التخطيط والتعاون الإنمائي قد اعترفت بارتفاع نسبة البطالة المتفاقمة حتى وصلت في العام الماضي إلى 30% ،كما اكدت وزارة التخطيط ان مؤشرات العمالة الناقصة ما زالت مرتفعة إذ وصلت الى نسبة 30%، من العاملين الذين يعملون ساعات اقل من المقرر ، ما يعني وجود أكثر من مليون عاطل عن العمل  ، وعن فكرة المنحة المقدمة أشار الموسوي إلى أنها ستكون على أساس تشغيل العاطلين بدلا من إعطائهم رواتب تستنزف ميزانية الدولة، لافتا الى ان هذا سيساعد في تشغيل عشرة عاطلين على الاقل في كل مشروع ، مما سيؤدي الى القضاء ولو بشكل جزئي على ظاهرة البطالة .

غياب برامج العمل
صرحت للمدى  عضو مجلس النواب (اللجنة الاقتصادية) ناهدة الدايني  أن اللجنة  قد ناقشت ملف البطالة إلا أن المعضلة  تكمن في تداخل واختلاط الصلاحيات في الوزارات المعنية بالملف ، وأوضحت الدايني أن مشكلة البطالة البالغة نسبتها في العراق 30-40 %، تزداد تعقيدا واشتباكا وذلك لعدم وجود برامج عمل وتخطيط لوزارات كان من الممكن ان تقلل من نسبة البطالة وأول تلك الوزارات هي وزارة الصناعة والزراعة ، وتؤكد الدايني أن مشكلة  البطالة لا يمكن ان تحل إلا إذا تفعل قانون الاستثمار، ذلك لأنه قانون لا يزال قاصرا على استيعاب خطط الوزارات مع العلم ان العراق مستثمر كبير ، ومن جهتنا كلجنة اقتصادية طلبنا تعديل قانون الاستثمار وبالفعل هناك دراسة اذا ما نفّذت سنكون مثل دبي ، حيث ستستوعب مشاريع  الاستثمار 18 مليون عراقي على اعتبار ان تلك المشاريع هي عملاقة ، الا ان مشاكل كثيرة تقف بوجه تحقيق ذلك منها مشكلة الاراضي التي تتوزع بين مجلس المحافظة وبين امانة بغداد ووزارة البلديات وتحتاج الى حل جذري ، واعقد موضوع في ملف البطالة هو التعيينات المخجلة التي نجدها في اغلب المؤسسات والتي تتلخص في المحسوبية والفساد الإداري والمالي ، كما  نجد أن بعض الوزارات صارت وراثية وهذا أمر بحاجة إلى حل عاجل، كما قالت النائبة الدايني.

التشغيل والحد من البطالة
وفي لقاء مع وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المهندس دارا رشيد  قال:           
تعتبر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الجهة الحكومية  الرسمية التي تشرف على تنفيذ تشريعات العمل الوطنية وتسترشد بمعايير العمل العربية والدولية ، وتتخذ من قطاع العمل ميداناً واسعاً لتنفيذ برامجها في ما يتعلق بالتشغيل والتدريب المهني وتفتيش العمل والصحة والسلامة المهنية وخدمات ما بعد البيع ( الخدمات الصناعية)، وتركز نشاط هذه الوزارة خلال السنوات التي عقبت عام 2003 حول التشغيل والحد من البطالة وقد تبنت إستراتيجية تشغيل لمديات ثلاثة صغيرة ومتوسطة وبعيدة المدى ، وفي ضوئها بذلت جهدا استثنائيا لإعادة الحياة الى مكاتب التشغيل واعادة اعمار مراكز التدريب المهني المنتشرة في عموم المحافظات ، والتي لحقت بها عدد من المراكز الاخرى كانت تابعة الى وزارة الصناعة حتى باتت مسؤولة عن ادارة اكثر من  (35) مركزا للتدريب المهني في العراق تمكنت من تأهيل وتدريب (770578) شخصا في مهن عديدة .
وتحرص الوزارة  على التوجه المؤسساتي فعملت على تشكيل لجنة عليا للتشغيل عام 2006 تضم اكثر من 14 جهة رسمية وشعبية ، وحققت هذه اللجنة نجاحات باهرة في مجال تنشيط اجهزة التشغيل والتدريب المهني وبادرت الى تقوية الصلة التنظيمية والفنية والاستثمارية بمؤسسات القطاع الخاص الوطني ، على وفق مبدأ الشراكة الاجتماعية في تنمية الموارد الوطنية وتحديث وسائل الانتاج وتطوير إنتاجيته .
ومن بين هذه النجاحات كانت " السياسة الوطنية للتشغيل " كمشروع وطني جديد يحمل بصمات المرحلة الوطنية الحاضرة ويعمل على ربط التشغيل بالمجتمع والنمو الاقتصادي من جهة، ويرسم طريقا واضحا باتجاه تعبئة الإمكانات الوطنية الواسعة من اجل خلق وظائف منتجة وآمنة ومستقرة ومجزية في إطار العمل اللائق ليتماشى المجتمع العراقي مع حركة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي في العالم .

  3 ملايين عاطل
وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور احمد إبراهيم  أن  ارتفاع نسبة البطالة في العراق قد  وصلت  الى مستويات غير مسبوقة تدعو الى القلق ، وان النسب المعلن عنها غير دقيقة كونها قد وضعت للمسجلين في مراكز التشغيل ، مع العلم أن هناك أعدادا أخرى من العاطلين لم يسجلوا في اية قاعدة بيانات لعدم ثقتهم بسياسات التشغيل الحكومية ، وان  الدرجات الوظيفية التي تم  إطلاقها من قبل الحكومة العراقية ضمن موازنة عام 2011 غير كافية للقضاء عليها ، وان مؤشرات البطالة في العراق وفق احدث إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء التابع الى وزارة  التخطيط تشكل 15% ما يعني وجود اكثر من  مليون عاطل عن العمل ، مع العلم ان العدد هذا متواضع جدا ويجافي الحقيقة فقد أشرت إحصائيات لبعض منظمات المجتمع المدني ان البطالة يعاني منها 3 ملايين شخص، نصفهم في العاصمة بغداد ،  كما ان  مؤشرات العمالة الناقصة في العراق ما زالت مرتفعة حيث وصلت إلى نسبة 30 بالمئة من العاملين الذين يعملون ساعات أقل من المقرر.
وأكد الدكتور إبراهيم  أن تخفيض نسب البطالة والقضاء عليها تماما يأتي من خلال تفعيل الاقتصاد العراقي لقطاعاته المختلفة كالقطاعين الزراعي والصناعي، فضلا عن دخول استثمارات حقيقية للقطاع الخاص والأجنبي وتحسين ظروف العمل في القطاع العام ليعود الى سابق عهده ، مطالبا الجهاز المركزي للإحصاء بالسعي لإجراء مسح جديد لمؤشرات التشغيل والبطالة لكل ستة اشهر او بشكل دوري ، لتتعرف الجهات ذات العلاقة على حجم المأساة التي يعيشها العاطلون ، لا الاعتماد على أرقام غير واقعية ولا تمثل الحقيقة.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced