مي انسانة مبدعة رقيقة شربت حب الفن والمسرح منذ اوائل الصبا على يد مبدعي فرقة المسرح الفني الحديث وعلى رأسهم الوالد المبدع خليل شوقي وكان مسرح بغداد البيت الثاني لها وهنالك التقت برفيق العمر فاروق فياض، كانا يشكلان ثنائيا جميلا على المستوى الشخصي والفني واسرة رائعة مع الاعزاء (عمار، عشتار، كنار) كانت اعمالها قمة في الروعة الفنية والالتزام بقضايا الشعب والوطن. كنت اتصور مي شخصية خيالية لا استطيع التعرف عليها او تكوين علاقة صداقة معها وكنت مبهورة بها جدا. وفي تلك الفترة وقد كانت في قمة العطاء؛ ضرب القدر في عائلتها ضربة قاسية، فقد خطف الموت فاروق فياض وهو في عز الشباب والعطاء وخسر المسرح العراقي مبدعا لا نظير له.
استطاعت مي خليل شوقي ان تتحمل الصدمة وتثبت معدنها الاصيل، انها مثل الماس في الصلابة و القوة واللمعان والجمال وواصلت الحياة وتحملت مسؤولية الصغار والكل يتذكر اعمالها المميزة مع الفرقة او على شاشة التلفزيون التي تجسد اهمية عمل المرأة ودورها العظيم في الحياة ولا زالت التمثيلية الجميلة (عش الهدهد) في خيالي رغم مضي عشرات السنين على انتاجها.
ثم تزوجت من المخرج المبدع عبد الهادي الراوي الذي استطاع ان يكون نعم العوض والاب للصغار احاطهم بالود والحب, في تلك الفترة انتقلت مي السكن بالقرب من بيتنا واصبحنا جيرانا وربطت الصداقة خصوصا بين عمار وابني وميض. وعندما انهيا الدراسة التحق الاثنان بالخدمة العسكرية وكانت الفترة في اواخر سنة 1987 ونيران الحرب العراقية الايرانية مستمرة تلتهم الشباب، وهنا ضرب القدر الضربة الغادرة الثانية فلقد داس الفتى الجميل (عمار) على لغم في ارض المعركة مما ادى الى موته بصورة فاجعة بحيث لم استطع تصديق الامر اول مرة.
هذه المصيبة استطاعت ان تربط عرى الصداقة بيني وبين (ام عمار) الانسانة الصابرة الملتزمة التي استطاعت ان تتحمل هول الفاجعة بالاضافة الى الضغط النفسي لازلام النظام البعثي الفاشي وخصوصا بعد هجرة اهلها الى خارج الوطن ولانحدار المسرح العراقي وتحويل المسارح الى صالات يتجول فيها (الغجريات) وابطال المسرح التجاري الكوميدي المبتذل اضطرت الى التوقف عن العمل المسرحي ثم احالت نفسها على التقاعد للابتعاد عن الضغط المعنوي والمادي والابتذال الذي اراد ان يحطم هذه الانسانة وهاجرت الى خارج الوطن وكانت تقول لي دائما انها تتمنى العودة الى الوطن والى فنها الملتزم الجميل.
وفي احد الاتصالات التلفونية قالت: عيني ندى لاتفزي او تخترعي عندما تجدينني امامك, فأن العراق معي في كل نفس يدخل الرئة, حتى العودة!.
ايتها الانسانة المبدعة فالعراق يحتاجك ومتى نشرب فنجان القهوة معا!! ومتى تحتضن كلانا الاخرى وتشاهدي دموعي وتقولي: "الله يا ام ابراهيم في الحزن والفرح تبكين!!".
مرات القراءة: 14330 - التعليقات: 0
نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ،
يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث
المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ