جلس زوجي بيني وبين السائق، وفي الخلف انحشر أربعة رجال يرتدون الملابس الكردية، يتحدثون فيما بينهم بلغتهم التي لا أنا ولا حسام نفهم منها كلمة واحدة. أخبرنا السائق أنه سوف يذهب أولا إلى دهوك ومن هناك إلى سرسنك عندما يحصل على ركاب، لأن الأربعة الجالسين في الخلف ذاهبون إلى دهوك فقط. مع هذا طمأنه زوجي إلى أننا سوف ندفع له الأجرة كاملة عندما لا يحصل على ركاب آخرين إلى سرسنك. لم يستمر الصمت طويلا في السيارة فقد بادر أحد الأربعة بسؤال حسام عن سبب ذهابنا إلى سرسنك، فقال بعربية سليمة عندما أوضح له زوجي السبب: وهو اننا ذاهبون لقضاء شهر العسل.
شايفين كل الخير وألف مبروك.
شكره حسام على تهنئته وأمنياته لنا، وعندما سأله عن سر صفاء لغته العربية، قال بأنه كان يعيش ويعمل في بغداد قبل قيام الجمهورية العراقية، وانه كان سجينا سياسيا قبل ذلك. وهذا ما شجع زوجي على مواصلة الحديث معه بطمأنينة، حيث سأله دون مواربة عن "السياسة" التي سُجن من أجلها، فقال له وهو يمزج الجد بالمزاح:
- أنا سجين من عام 48 علمود إخوانه الحمر.
فضحك زوجي قائلا له:
- يعني من الربع؟ ومد يده لمصافحته وتقديم نفسه له، الملازم الأول حسام ضابط في وزارة الدفاع. أما الشخص الذي يتكلم العربية فقال أن اسمه أبو كاوه. ثم دار حديث بينهما عن الأوضاع السياسية، وموقف الزعيم عبد الكريم قاسم من الشيوعيين ومن الحركة الكردية. كان زوجي يدافع عن الزعيم، مثلما كان أبو كاوه ينتقد سياسة الزعيم مع التأكيد على وطنيته، كما كان يترجم أحيانا بعض الحديث إلى الجالسين معه. أما السائق والذي يبدو أنه يعرف أبو كاوه بشكل جيد، فقد قال:
- والله أنتو الشيوعيين ما اعرف شنو أكَول عليكم، أتدافعون عن عبد الكريم وهو جاي يخليكم بالسجن. وهسه احنه بنهاية عام 62 وماكو اي امل بتغيير نهجه.
- صمت زوجي ربما لدقيقة أو أكثر، بعد ذلك أوضح إن الزعيم كان يضع الشيوعيين بالسجن لأنهم ينتقدون سياسته ولأن البعض كان يحرض الزعيم عليهم. ولكن بالمقابل فإن الزعيم كان إنسانا وطنيا، ويريد أن يخدم الشعب العراقي، ولهذا يدافعون عنه..
الى اللقاء في الورقة الرابعة
كتب بتأريخ : الإثنين 12-12-2011
عدد القراء : 2690
عدد التعليقات : 0
من أوراق معلمة متقاعدة (3)
