من أوراق معلمة متقاعدة (11)
بقلم : نبيهة أحمد النعيمي
العودة الى صفحة المقالات

كانت الظهيرة تحمل صمت القبور، وليس هناك من حركة في الشارع، وقد انقطع صوت الطائرات وهدير قصفها، وليس سوى صوت المذيع المرتجف، يذيع بيانات مطولة عن الدكتاتورية والعمالة، ويكرر من جديد تلك البرقيات التي أذاعها قبل ساعتين. ومما أثار قلقي وتعبي وبكائي بصمت، هو عدم مجيء أحد من عائلة زوجي ولا حتى والدي، أعرف أن أغلب الطرق قد أغلقت، ولكن ليس هناك من حائل بالنسبة إلى والدي المعروف بشجاعته، قد أتجاوز عدم اهتمامه بحسام، ولكنني ابنته التي يحبها كثيرا، كل شيء أضحى غير قابل للفهم، لا أستطيع أن أجد تفسيرا لما يجري حولي، مثلما لم أجد تفسيرا لعدم مجيئهم والسؤال عن حسام، وهم يعرفون جيدا أنه كان الضابط الخفر ليلة الجمعة في وزارة الدفاع، وبالتأكيد والدته والتي هي خالتي تعرف هذا، لأنه اعتاد أن يمر عليها كل يوم، فهو يحب والدته ربما أكثر من حبه لي، ليس هناك من تفسير سوى أن حسام قد تعرض إلى مكروه، وربما هم يعرفون بذلك ولا يريدون اخباري.
والدتي التي ألحت عليَّ كثيرا كي أتناول طعام الغداء، تسرب الخوف الى روحها ايضا، وقد عبرت عنه بجملتها التي كأنها تخاطب بها حسام "يوم حسام شنو اللي عوكَك وما رجعت للبيت؟". كان صوتها يحمل الحزن والشك بحدوث كارثة، ولكنها لا تريد أن تفصح عما يدور في خلدها، ربما خشية على وضعي، أو هي لا تريد أن تجعل هذا الشك يتسرب بكل قوته إلى روحها، عندها تنهار كل حصون رباطة جأشها، ولم يكن هناك غير أن تستلم للبكاء، لهذا كانت تحدث نفسها، وهي تحاول أن تنام الظهيرة بعد أن أعدت طعام المساء.
قررت أن اذهب أنا وابحث عنه، ولكن والدتي منعتني من القيام بذلك، فصرخت بها أنه زوجي ويجب أن أعرف مصيره، فهددتني من أنها سوف تقتل نفسها أن خرجتُ أنا للبحث عنه. جلستُ على الأرض وبكيت بحرقة أم فقدت وليدها، لأن حسام لم يكن زوجي وحبيبي فقط، كان أبني وأبي، ولا أعرف ماذا حل به، بعد ساعة ربما يخيم الظلام ويجيء المساء بكل غيلانه. باب بيتنا يقرع باليد، أسرعتُ ملهوفة لعله حسام قد جاء، ولكن الباب مقفلا، إذ ان والدتي أقفلت الباب واخفت المفتاح لكي لا أخرج في غفلة منها، وقد جاءت هي أيضا قرب الباب والمفتاح بيدها، حاولت أن انتزعه من يدها، وأخيرا سلمته لي بعد أن سألت من الطارق، وكان الصوت صوت والدي.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 06-02-2012     عدد القراء :  1655       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced