سُحُب معتمة تخيم على سماء الباكستان
بقلم : تعريب عادل حبه
العودة الى صفحة المقالات

بلغت الأزمة السياسية الراهنة في باكستان مرحلة خطيرة وكارثية، وباتت تهدد الاستقرار السياسي في البلاد، وقد تمتد آثارها المدمرة إلى جنوب شرقي آسيا والبلدان المجاورة، ومن ضمنها إبران وأفغانستان والصين. وفي إطار تبادل الرأي بين حزب توده إيران والأحزاب الشيوعية والتقدمية في بلدان الجوار، أجاب الرفيق إمداد قاضي على أسئلة ممثلي حزب توده إيران بالارتباط مع التحولات السياسية في الأشهر الأخيرة في هذا البلد وجذورها، وقدم تقييماً ملخصاً عن الوضع المتأزم في البلاد، ننقلها لقراء "نامه مردم":
تعتبر الأزمة السياسية الراهنة في الباكستان حصيلة أشد النزاعات الجارية بين مؤسسات الدولة لحد الآن. وهذا ما أدى إلى أن تتحول الأزمة مع مرور الوقت إلى مأزق جدي في إدارة شؤون الدولة. ومن أجل أن نلقي الضوء وعن قرب على الجذور البنيوية لهذه الأزمة، فمن الضروري أن نقيّم  ظروف وأرضية هذه الأزمة وتحليلها.
1 – لم يعد الجيش الباكستاني مؤسسة عسكرية وأمنية صرفة، بل تحول إلى شركة اقتصادية وصناعية بكل معنى الكلمة. فالمكانة الاقتصادية لجنرالات الجيش بلغت درجة بحيث تفوقت أعمالهم وكسبهم عدة أضعاف على ما يكسبه غير العسكريين. ونتيجة لهذه المصالح الاقتصادية، يتمتع ضباط الجيش بحقوق وامتيازات سياسية خاصة، واحتفظوا بالسلطة والتسلط على فروع سلطة الحكم وأضحت بمثابة الهواء الذي لا يستطيع هؤلاء الاستغناء عنه من أجل ضمان بقائهم. وهكذا أصبح الجيش والعسكريون، بمثابة طبقة، لا تتحمل الخضوع لأية أوامر تصدر من قبل حكومة غير عسكرية تريد إدارة أمور البلاد بغض النظر عن موافقة أو مخالفة القوات المسلحة.
2 – ومن بين الفعاليات الاقتصادية الواسعة التي ينخرط فيها الجيش، إضافة إلى الصادرات والواردات والصناعات المختلفة، هي "الجهاد" الذي يعتبر أهم ميدان لكسب الأرباح التي حصل عليها الجيش خلال السنوات الماضية ( خلال 40 سنة)، وفي ظل الدعم الكامل من قبل الامبريالية الأمريكية التي وفرت كل الفرص لنموه وتوسيع نشاطه. ولذا تحول الجنرالات الكبار( خمسة نجوم) وخلال فترة قصيرة إلى أرباب المليارات، في حيت تحول الضباط الأقل رتبة إلى مليونيرية.
3 – يبدو أن حكومة الحزب الديمقراطي بزعامة أوباما تميل الآن إلى حل المشكلة الأفغانية، كي تخفّض من الكلفة الباهضة التي تتحملها في هذا البلد. ويعول الامريكان على نجاح خطتهم في قيام حكومة صديقة  ومسالمة في كابل. وهذا ما سيؤدي إلى حرمان الجنرالات الباكستانيين من الارباح الاسطورية التي يحصلون عليها من "الجهاد". ولذا يلجأ الجنرالات إلى كل ما في وسعهم للحفاظ على الاوضاع السابقة كي يؤمنوا استمرار تدفق الارباح من هذا "الجهاد". إن الحكومة الباكستانية الراهنة تتبع إلى حد بعيد نفس السياسة التي تتبعها أمريكا في هذا المجال.
4 – وبالاقتران مع هذا يلاحظ وجود مواجهة وتعارض جدي وعميق بين العسكر والحكومة غير العسكرية حول العلاقة مع الهند. فالحكومة تميل إلى إقامة علاقات طبيعية مع الهند مقابل تلك السياسة التي يسعى إليها العسكريون الباكستانيون. فالعسكريون يسعون إلى الاحتفاظ  بورقة كشمير والتهديد الأمني الهندي المزعوم بأي ثمن كي يتم الحفاظ على النفقات العسكرية وتبرير النهج المتعلق بتقوية الجيش. ويعتقد هؤلاء أن نهج تعزيز دور المؤسسات العسكرية هو الطريق الوحيد لتوفير الأمن لباكستان ومكانتها الدولية.
5 – وهناك اختلاف أساسي آخر بين الحكومة والجيش حول السياسات التي يتبعها البنتاغون والديمقراطيون في أمريكا أزاء إيران. نحن نعتقد بوجود مركزين للقوى، أحدهما في البيت الأبيض والآخر في البنتاغون. وعلى هذه الشاكلة يجري في باكستان أيضاً حيث يوجد مركزان للقوى ، أحدهما في رئاسة الجمهورية، ويلقى الدعم من قبل مجلس النواب والقوى التقدمية والقوى الليبرالية والديمقراطية. أما المركز الثاني فيلقى الدعم الواسع من قبل السلطة القضائية ( المحكمة العليا الباكستانية) والمجاميع المتطرفة المذهبية وكل مراكز القوى اليمينية في البلاد. 
لقد بلغت الاختلافات الآنفة الذكر بين مراكز القوى أوجها وأضحت أكثر عمقاً . فالبنتاغون – أحد مراكز القوى في أمريكا - ، يحتاج إلى الدعم والعون من قبل الجيش الباكستاني في حالة القيام بحملة محتملة ضد إبران،. هذا في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الباكستانية، وعبر سلسلة من المناورات والتدابير الاحتياطية، الوقوف بوجه "البيت الأبيض"، وتفادي الهجوم العسكري الامريكي المحتمل ضد إيران. وفي نفس الوقت فإن الفشل المتلاحق الذي واجه باكستان في أفغانستان، وتنامي الدور الهندي أديا إلى تصاعد الاحتجاج ضد "البيت الأبيض" من قبل الجنرالات الباكستانيين. ومن اللافت للنظر هو عدم وجود أدنى اختلاف بين الجيش والحكومة غير العسكرية حيال السياسة الاقتصادية و "صندوق النقد الدولي" و "البنك الدولي". 
وتقوم "المحكمة العليا" باستغلال الفرص والذرائع من أجل مساءلة الحكومة غير العسكرية، وتقديم أقطابها إلى المحاكم بهدف إضعاف هذه المؤسسة غير العسكرية. ومن المثير هنا أن "المحكمة العليا" تغض النظر وتلتزم الصمت المطبق حيال كل ما يتعلق بمصالح الشعب، أو فيما يتعلق بالعمليات العسكرية والقتل الجماعي في بلوجستان، أو فيما يتعلق باختفاء الآلاف من النشطاء السياسيين واغتيالهم، والتدخل غير المبرر لجهاز الأمن في الأمور السياسية . إن الوضع قد وصل إلى حد من الخراب بحيث أن الرأي العام الباكستاني أطلق على افتخار محمد جاودري، رئيس المحكمة العليا لقب "نائب الجنرال". 
إن اسلوب إدارة الدولة من قبل الحكومة الحالية هو مجموعة من عدم القدرة السياسية والفساد وتعيين الأقارب في مناصب الدولة الحساسة، إضافة إلى تطبيق أوامر المؤسسات الاقتصادية الرأسمالية  الامبريالية العالمية، مما جلب إلأزمات الكارثية على قطاع الخدمات وقطاع الانتاج .
إن القوى الشيوعية والتقدمية اليسارية تسعى إلى بلورة موقف نضالي مشترك في كل مرحلة من مراحل انتخاب الحكومة، كي تشجعها على مشاركة القوى الديمقراطية من ناحية، ومن ناحية أخرى سد الطريق أمام الأوامر التي تفرضها المؤسسات الاقتصادية الامبريالية والمؤسسات العسكرية على الحكومة. ولا يقف الجيش مكتوف الأيدي، فهو يسعى إلى حبك المؤامرات ضد الحكومة  واسقاطها. وفي ظل هذه الأوضاع يجب على القوى الشعبية أن تخفف من ضغوطها على الحكومة والحفاظ على الحكومة المنتخبة من قبل الشعب. فإذا ما سقطت الحكومة قبل انتهاء المدة القانونية، فإن مهمة القوى التقدمية واليسارية أن تخطو خطوتين إلى الوراء في ميدان الصراع الطبقي وتركز على التضال ضد الديكتاتورية، حتى ولو اضطرت خلافاً لميولها بالاتحاد مع الطبقة الحاكمة. إن السبب في اللجوء إلى هذا التكتيك هو أن الأنظمة الديكتاتورية لا تدوس فقط على الحقوق الديمقراطية للشعب فحسب، بل هي تمهد الظروف كي تستطيع القوى "الجهادية" والظلامية تنظيم صفوفها وتصعيد نشاطاتها "الجهادية" المدمرة وتعريض البلاد إلى خطر المواجهات الطائفية المذهبية. ونعتقد أنه من الواجب السماح للحزب والقوى الحاكمة أن تستمر في الحكم حتى اتمام دورتها التشريعية. إن استقالة الحكومة يجب أن يخضع لإرادة الشعب ويتم عن طريق الاستفتاء والانتخابات، سواء عن طريق الاحتجاجات أو المظاهرات. وفي غير ذلك فإن الوضع المتأزم الراهن لا يشكل خطراً على الحكومة  المنتخبة فحسب، بل سيدفع بالجيش إلى تجميع ما يسمى بالقوى المذهبية المعتدلة ( أي القوى الظلامية المتطرفة) تحت زعامة "عمران خان" وتحت ستار التغيير. ومن ناحية أخرى وبالاقتران مع تطورات الأحداث سيتركز نشاط "جماعة الدعوة" (لشكر طيبه) ، التي تمثل مركز القوى اليمينية والمنادية بتوحيد كل الفروع السياسية "للجهاد" تحت راية "مجلس دفاع باكستان"، وفي المستقبل القريب نحو تحويل باكستان إلى دولة مذهبية قروسطائية. وسيؤدي ذلك إلى تعرض حياة القوى التقدمية والديمقراطية إلى الخطر في الداخل. كما سيؤدي ذلك إلى زيادة تدخل ونشاط القوى المذهبية في المنطقة، مما يؤدي إلى أن تتحول الباكستان إلى بؤرة للحروب المذهبية المدمرة. تتلقى الحكومة الحالية في الباكستان الدعم من قبل القوميين اليساريين واليساريين واليسار المعتدل والشيعة والاقليات الدينية الأخرى، هذه القوى التي تتفق على أن تجري الانتخابات في موعدها المقرر. ولذا تتعرض هذه القوى إلى الضغوط والتهديد والترهيب والأذى والعنف والقمع من قبل القوى المذهبية المتطرفة. فمن ناحية تصطف المؤسسة العسكرية المسلحة وإلى جانبها المجاميع "الجهادية" المسلحة جيداً والتي تتلقى الحماية والدعم التام من قبل "المحكمة العليا"، ومن ناحية أخرى تقف مقابلها القوى الديمقراطية العلمانية التي تؤمن بقدرات الشعب. إن هذه المواجهة تتصاعد بسرعة، علماً أن القوى التي تدافع عن الديمقراطية تعيش ظرفاً غير ثابتاً بسبب السياسة الاقتصادية الفاشلة للحكومة المنتخبة. 
وفي هذه الظروف يجب علينا التوجه بشكل جدي إلى التيارات الشعبية الواقعية، أي النقابات والحركة الفلاحية والنسائية والطلابية وتنظيمها من أجل مواجهة القوى الفاشية والجشعة كمهمة ملحة في الظرف الراهن. ويجب على الشيوعيين، بالاستفادة من الشروط والامكانيات الموجودة، أن ينظموا صفوفهم وأن يطرحوا انفسهم كبديل سياسي في المجتمع. وعلى اليسار أن يتحد ويتفق على برنامج الحد الأدنى والتوجه نحو عقد الكونفرنسات العمالية والفلاحية والطلابية والشبابية والنسائية من أجل هدف نبيل هو النضال من أجل حقوقهم. كما ينبغي أن يصبح هذا الهدف الشعار الأساسي للقوى التقدمية السياسية في الباكستان.
إن على القوى اليسارية، ومن أجل أن تثبت قدرتها وتظهر طاقتها ، أن تبادر إلى إقامة علاقات متينة بينها وبين القوى الديمقراطية العلمانية في البلاد وأن يؤدي النظام الانتخابي إلى إرساء نظام ديمقراطي يؤمن السلام في المنطقة.     

  كتب بتأريخ :  الجمعة 10-02-2012     عدد القراء :  1730       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced