تاريخ اضطهاد النساء وثقافة المجتمعات..البطرياركية - المجتمع الأبوي..
بقلم : لطفية الدليمي
العودة الى صفحة المقالات

القسم الثاني
ذكرت في خاتمة الجزء الأول من هذه الدراسة أن هناك حشدا من العناصر التي أسهمت في تكوين ثقافة مجتمعات معينة ورسخت  التمييز ضد المرأة  وفي مقدمتها  البطرياركية و(الجينو فوبيا)والاقتصاد الريعي-فالبطرياركية تولد الخوف من المرأة (الجينوفوبيا) و(الاقتصاد الريعي) يعزز(البطرياركية)

ويضعف الديمقراطية ويناقض الحريات، وبذا تتكون لدينا سلسلة مترابطة من العناصر تفرض التمييز المفرط ضد النساء  وتنمو من خلالها قوى مضادة للحريات تعمل - على تحطيم عرى المشاركة بين الرجال والنساء وتحول دون امتلاك النساء لحقوقهن الإنسانية التي أقرتها الدساتير الحديثة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
بقايا المجتمع الأمومي
فندت الدراسات الانثروبولوجية والتاريخية الحديثة - النظرية القائلة بأسبقية النظام الباترياركي على النظام الأمومي، فمن خلال تقصي مكانة الأنثى وقيم الأنوثة والأمومة في المجتمعات القديمة أثبتت هذه الدراسات  بأن أول النظم الاجتماعية كان أمومياً وهذا ما يفسر ظاهرة انتساب الأبناء  إلى الأم أو ما كان يسمى (حق الأم) وقد ترتبت عليه علاقات وحقوق ومفاهيم  أخرى كثيرة كالإرث على نحو ما تعارف عليه المجتمع الأمومي..ولا تزال هناك بقايا من المجتمعات الأمومية فعلى سبيل المثال  توجد أقلية عرقية مسلمة في اندونيسيا تسمى (مينانغ كابو) تعيش في سومطرة الغربية، وبرغم أن الإسلام يقوم على النظام الأبوي وتوقير الذكر إلا أن هذه المجموعة تتبنى النظام الأمومي وتنتقل الوراثة لديها من الأم لإبنتها، فالأم تمتلك كل ما يعود للأسرة من أملاك وثروات وهي تورثها لبناتها، ويرى علماء الانثروبولوجي أن هذه المجموعة العرقية تعد من أوسع المجتمعات التي تتبنى النظام الأمومي راهناً، ووفق تقاليد هذه المجموعة فإن الرجل عندما يتزوج فانه ينتقل إلى منزل زوجته ولكن كافة القرارات التي تخص الأسرة الجديدة تكون باتفاق الزوج والزوجة ولا ينفرد أحدهما بالقرار.. يقول رئيس لجنة العلوم الاجتماعية في أكاديمية العلوم الاندونيسية (النساء هن صلة الوصل بين الماضي والحاضر، وهذه المجموعة العرقية تشكل نسبة 3% من سكان اندونيسيا وهي تواصل الحفاظ على تقليدها الاجتماعي وتدين بدين الإسلام ولا يرى أفرادها تعارضا بين الدين الإسلامي وبين نظامها الاجتماعي، فالقيادة الدينية والسياسية للرجال، بينما تكون القيادة الاقتصادية والعائلية وتعليم الأولاد  وتدبير الميزانية للمرأة، ويتقاسم الجنسان اتخاذ القرارات بالتصويت في الأمور العامة ولا يمر أي قرار في هذا المجتمع  ما لم توافق عليه النساء حصرا، وتوجد أشباه هذه المجتمعات في القبائل المعزولة وبقايا هذا النظام مشهود لها في مجتمع  الطوارق حيث  لا تزال النساء يتسيدن  مفاصل العلاقة الاجتماعية ولا يعترف الطوارقي بموضوعة تفوق الرجال على النساء وما زال الرأي الأول يعود إلى المرأة في مجتمعات الإسلام الطوارقي  في زواجها حتى من خارج عشيرتها، وفي تسيير شؤون أسرتها وأبنائها، وهي محترمة في زواجها مثلما هو الأمر في طلاقها، أو عند ترملها، فأبناؤها بعد الطلاق، كما عند وفاة الزوج – يعودون إلى عشيرتها وبعض الطوارق يقيم حفلاً خاصاً لتكريم المطلقة منهم، يأتيها فيه بالهدايا).
وحرية المرأة في أعرافهم مضمونة إلى حد كبير من قبل المجتمع، قبل الزواج وبعده، فالفتاة الطوارقية تتمتع بجميع المزايا التي يتمتع بها الفتى الطوارقي، بل لعل تعليمها متقدم على تعليمه، وهي فخورة بتراث أجدادها وتشعر بأنها مسؤولة عن المحافظة على قيمه المادية والرمزية، وعن تمريره إلى أبنائها وبناتها من بعدها، والطوارق كافة يعتقدون أن صفات النبل والشرف تنتقل عبر النساء لا عبر الرجال، لذا هم محافظون في إسلامهم - وخاصة في العائلات المرموقة - على أن ينسبوا أبناءهم دائماً إلى أمهاتهم، ولا يرون في ذلك عيباً أو تعارضاً مع القيم الدينية، بل يعتقدون أن الإسلام كرم الأم وقدمها على الأب عندما اشترط رضاها على أبنائها حتى يكون ثوابهم خيراً.  محسن التليلي في كتابه (ظاهرة الإسلام البدوي- الطوارق أنموذجا – دار الطليعة) ويكاد يكون تعدد الزوجات معدوما في مجتمع الطوارق بل مذموم ومنبوذ رغم إباحته في التشريع الإسلامي وتبقى مكانة المرأة والرجل لديهم متوازنة في حدود أعرافهم الموروثة..

النظام الأبوي البطرياركي
استخدمت العديد من أنظمة الاستبداد فكرة "الامتياز الإلهي" ولا تزال معظم النظم الاستبدادية المعاصرة تعلن ذلك مما يعني أن الدولة المعاصرة الاستبدادية لم تختلف كثيراً عن سلطة وسطوة القبيلة في المجتمعات البدائية، حيث هيمنة الشيخ أو الزعيم  الذي يدعي  تخويله من السماء وانه أحق من سواه بالحكم - ليس لكفاءته- بل لأنه المختار والحامل بعضا من قداسة موروثة، وهذا النظام  يبيح للرئيس - الأب - البطرك أن يمتلك كل شيء بدءاً من الأراضي  وثرواتها  والناس وأرواحهم  وفي المقدمة امتلاكه للنساء والتصرف بمصائرهن زواجا أو منحهن للعدو (ديّة عن قتيل) أو حرمانهن من اختيار حياتهن فهن ملك يمين الأب الشيخ الزعيم أسوة بالماشية – فقد تطلب قبيلة أخرى منه دية عن قتلاها عددا من النساء يذهبن ذليلات إلى القبيلة المعادية ويعاملن كعبدات.
  وبالرغم من كون بعض المجتمعات العربية المعاصرة قد انتقلت بحسب مؤثرات خارجية إلى استخدام النمط الديمقراطي في اعتماد صناديق الانتخاب إلا أنها في حقيقتها  لا تزال تمثل النمط الأبوي القبلي وما انتقال الاقتصاد لديها إلى ما يشبه النظام الرأسمالي إلا  لكونها تدور في فلك دول كبرى رأسمالية ويتحكم بمجتمعاتها نمط  الاقتصاد الريعي المساند والمعزز للنظم البطرياركية والمضاد  للديمقراطية والحريات، فهذه الدول ذات اقتصاد هامشي  تابع - وتصادف أنها تمتلك النفط على أرضها وهي  تشارك في الإنتاج  لكنها في الواقع  خاضعة إلى  قوانين وأعراف  المجتمع القبلي الأبوي -  ولا دور لها في عملية الإنتاج  وينحصر دورها في استهلاك منتجات الدول الرأسمالية مقابل النفط،  فعوضا عن غزوات القبيلة على قبيلة أخرى في النظام القبلي السابق من اجل الثروة والنساء لا تزال  أهداف الحروب الأهلية والحروب المحدودة بين الدول هي الحصول على الثروة وتحويل الأرامل واليتيمات الى رقيق  بشري يباع ويشترى.لا يقر النظام البطرياركي  المساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين النساء والرجال بل يؤكد قصور المرأة  ودونيتها وضرورة قوامة الرجل على المرأة مهما كانت مكانتها العلمية والفكرية، وهذا ما تحاول السلطات المشبعة بالنزعة الذكورية المفرطة  تمريره في مجتمع بدأ يأخذ بأسباب الديمقراطية، ويعرقل هذا المجتمع الأبوي القبلي  فكرة المساواة لأنها تهدم احد أهم الأسس التي يقوم عليها وهي ملكية  الرجل للمرأة والثروة والتصرف بمصيرها،  ونرى الآن ظهور الدعوات  الرافضة للمساواة من قبل الموكلين أو الموكلات بشؤون المرأة في العراق الآن لعدم إيمانهم بالديمقراطية أساساً ونتيجتها الحتمية الحرية والمساواة بين أفراد المجتمع والتي تفقد المجتمع البطرياركي  سطوته القديمة على أرواح رعيته - ونسائه في المقام الأول، فالقيم القبلية الأبوية لا تعترف قط بكون المرأة كائنا ذي إرادة حرة، بل أنها  تحتفظ  بقدر كبير من الخوف التاريخي الذي يكنه  النظام البطرياركي  للمرأة وهو ما يطلق عليه  اسم (الجينو فوبيا) أو رهاب النساء ويعمد النظام الأبوي  حتى في ظل القوانين والدساتير القائلة بالمساواة والحريات الشخصية  إلى الالتفاف عليها ومحاصرة النساء بوسائله المختلفة كفرض أزياء محددة أو منع الاختلاط  بدءاً من  المدارس الابتدائية  وحصر المناصب  وإدارة المؤسسات بأيدي الرجال وإن كانوا بلا كفاءة اعتمادا على الانتماء  القبلي والعرقي والطائفي ويؤدي هذا التمييز إلى هدر طاقات نصف المجتمع  وحصر أعداد هائلة من النساء في المهن الخدمية وحرمانهن من تسنم المناصب الإدارية العليا التي تستدعي اتخاذ القرار لأسباب  تقع بين الحرص على ديمومة النظام الأبوي وبين (الجينوفوبيا) الخوف من المرأة..
(يتبع)

المدى

  كتب بتأريخ :  الأحد 19-02-2012     عدد القراء :  2497       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced