من أوراق معلمة متقاعدة
بقلم : نبيهة أحمد النعيمي
العودة الى صفحة المقالات

(12)

أي حزن نزل على روحي، وأي دموع انهمرت من عيوني، لا أعرف كيف تماسكت ووقفت على قدميَّ. كدت أختنق من صرخة تعذر على حنجرتي إطلاقها في الفضاء، وأي فضاء كان؟ كان أصغر من من خرم إبرة. حاولت أن أعيد تشكيل حروف الكلمات التي نطقها والدي، ورغم قلة عددها، إلا أنني أخفقت. كان وجهي والدي جافا، أو ربما هو جعله جافا، لا يريد أن ينطق بمخاوفه أمامي، وقد ساعده على ذلك دخان السيكارة التي وضعها بين شفتيه، وبدأ ينفث دخانها بشكل متواصل، رغم أنها عبرت عن قلقه وارتباكه.
قال كلماته الثلاث كفارس ممتطٍ صهوة جواد سريع. قالها ومضى في طريقه، قالها وترك نيراناً في أحشائي يتصاعد أوارها، كي لا يبقي مني شيئا. لا أدري كيف تحامل على روحه كي يطلق هذه القذائف الثلاث في وجهي، وهو يدري ماذا يعني لي حسام.
كنت أظن أنه جاءني بالماء الذي سوف يطفئ كل حرائقي، وإذا به على العكس من ذلك، رمى كل ما يملك من مخزون سريع الاشتعال على حرائقي. واستعاد أنفاسه ثانية، ليكرر هذه الكلمات الثلاث، عندما ألححت عليه.
والدي يا منْ عشت في روحي سنوات العمر كله، كيف سمحت لنفسك أن تشعل كل غابات الكون على جسد ابنتك. كنتُ أرى فيه أكثر من أب، ولكن في هذه اللحظة بالذات، نسيت أنه والدي، تداخلت صورته مع صورة الجندي المرافق لحسام، ولكنه حين رأى الصرخة قد تجمدت بين شفتي، احتضنني، ضمني إلى صدره، لتستعيد روحي صورة الأبوة وأنا أشم طفولتي في صدره، يوم كان يضمني إليه عندما كنت صغيرة، شعرت للحظة بكل الحنان الأبوي.
ربما دمعت عيناه. لا...لا.. لا اشك من أن عيناه قد تفجر نهر دموعها، ولكن بكل الصمت الذي حملته كلماته الثلاث، والتي لا تعني غير صمت الموت، يبدو أنه إنتبه إلى ما أحدثته هذه الكلمات الثلاث على كياني، لهذا حاول أن يمتص بعضا من الصدمة التي فجرها بروحي، التي لم إستفق منها، إلا حين سألته والدتي، وربما كان سؤالها هو الذي أعادني إلى حالة الإنشداد من جديد إلى معرفة ماذا جرى لزوجي حسام. ويبدو أن والدتي قدرت مثلي حالة الضياع التي تلف مصير حسام، لهذا سألته من جديد، أو هكذا تراءى لي أنها طلبت منه أن يكرر كلماته، تلك الكلمات الثلاث، فقال مجددا:
-  ماكو أي أثر.
وقبل أن أستفيق من هذه الصدمة، نزلت على رأسي السماء بكل ثقلها حين قال:
-  ناقلين كل الجثث للطب العدلي.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 20-02-2012     عدد القراء :  1822       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced