تاريخ اضطهاد النساء وثقافة المجتمعات..الجينوفوبيا أو الخوف من النساء
بقلم : لطفية الدليمي
العودة الى صفحة المقالات

القسم الثالث
سوف أناقش في هذا القسم الموروث الثقافي الغربي وتعزيزه للخوف من المرأة وانعكاساته على المجتمعات الأخرى بخاصة بعد انتشار الطباعة وشيوع الكتب وانتقالها بين البلدان المختلفة. تناوبت فترات تردي وفترات ارتقاء  النساء خلال العصور،

إلا أن سيادة الأيديولوجيات الذكورية وهيمنة الرؤى الميتافيزيقية  الماورائية  وتحكّم الأساطير بالعقل البشري- أوجد  نوعا من التباس  في فهم طبيعة المرأة وأضفى على واقع الأنثى والأنوثة ذلك الغموض المثير  للرغبة والخوف معا، فيسعى الإنسان  حينها  لفك طلاسم الغامض ويخشاه في الوقت ذاته  ولكنه لا يستطيع الابتعاد عنه وأسهم هذا التناقض والالتباس المحيرّ في ظهور الخوف من النساء من جانب، وأدى إلى تدني مكانة المرأة  من جانب آخر- وظهر وترسخ في ضمير الفرد والمجتمع عرض  نفسي وصفه علم النفس لاحقا: بأنه رهاب النساء أو(الجينوفوبيا gynophobai) وهو عرض  الهلع  من النساء وكرههن الذي تحفل به مرجعيات الحضارة الغربية الأسطورية والدينية على حد سواء..
  أطلقت الميثولوجيا الإغريقية أسطورة (باندورا) التي تخبرنا أن بلاد الإغريق كان يسكنها ذكور خلقوا من الطين ولم تخلق معهم أية أنثى، وعندما وهب زيوس الأرض الى بروميثيوس فعمرها ورأى الرجال تائهين في البرد وعواصف الطبيعة أراد بروميثيوس أن يقوم بعمل  يغير أحوالهم، فسرق النار من جبل الأوليمب حيث يقيم الآلهة الخالدون  ومنحها للرجال الفانين  - وكانت النار حكرا على الآلهة - فغضب زيوس وقرر معاقبة بروميثيوس وتسليط الشر على الأرض، فطلب من فولكانو إله النار الحداد أن يخلق المرأة التي وهبتها فينوس الجمال والحب ومنحتها أثينا الذكاء والحكمة ووهبها بقية الآلهة البراعة والجرأة والإقناع والفضول والمكر والخداع وأعطاها زيوس صندوقا وطلب منها ألا تفتحه - وهو يعلم أنها ستعصي طلبه – فدفعها  فضولها لكشف غطاء الصندوق فخرجت الشرور والأمراض والآثام من الصندوق وبقي فيه شيء واحد هو الأمل  الذي راح يطير إلى جهات العالم ويخفف عن البشر آلامهم وأحزانهم وهكذا أسست الأسطورة لمفهوم الشر المرتبط بالمرأة، وبينما تضاد أسطورة الخلق السومرية هذه الفكرة إذ مزجت الإلهة الأم ننتو  التراب بماء الفرات  وصنعت من الطين على شكل الطابوق سبع اناث وسبعة ذكور وقرأت عليهم تعويذة الولادة  فاكتسبوا الحياة  وولد الرجال والنساء في لحظة واحدة وصنعوا الحياة في ارض سومر..
  لقد صيغت- مفردات معظم الثقافات الأولى (الهندوسية والإغريقية والبوذية واليهودية) على أساس دونية المرأة وقذارتها وجرى تجريمها انطلاقاً من معطيات ميثولوجية  وما أضافته  الرؤية الفيثاغورية والأفلاطونية التي أجمعت  على احتقار المرأة والحط  من شأن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، فكانت فلسفة أفلاطون تختزل تلك الكراهية التقليدية التي يكنها المجتمع الإغريقي للنساء حتى اقترح ألا يقترب الزوج من امرأته إلا إذا قصد الإنجاب حتى لا ينقرض الجنس البشري  فكانت النساء يحجرن في (الحريم)  وغدا المنزل مكانا للحجر ومجالا للإنتاج أي السجن المنتج، إذ كانت المرأة تنسج  ثياب الأطفال وملابس الزوج وتعد الطعام وتنظف وترعى الدواجن مما يتيح للرجل الخروج  والتزود بالثقافة والعلم وحيدا خارج المنزل وكانت مناقشة الشؤون العامة محرمة على العبيد النساء  في أثينا وازدرت تلك الفلسفات العمل اليدوي الذي تقوم به النساء رغم أن أفلاطون كان يرتاد صالونات السيدات المثقفات البارعات، ثم  وصمت المدونات اليهودية حواء بالشر والغواية والانصياع لإغراء الأفعى ثم تسببت في فقدان الفردوس  فترسخت في الوعي الجمعي البشري ثنائية: المرأة والشر، المرأة والشيطان. وخلال ذلك كله تراوح الموقف الذكوري من المرأة ما بين الانجذاب والكراهية  والافتتان والنفور والتواصل  والنكران.
وفي العصور الوسطى غالى رجال الكنيسة في إهدار شأن المرأة، مع علمنا أن الدين المسيحي  يدعو إلى شريعة الحب والرحمة ويمجد السيدة مريم العذراء، لكن الكهنة الأوروبيين  – متأثرين بالموروث الإغريقي واليهودي- مضوا بعيدا  في إهدار قيمة المرأة  وقالوا في النساء  أقوالا  لها وزن الشرع المقدس:) الأجدر  بهن أن يخجلن من أنهن نساء)، وعليهن (أن يعشن في ندم متصل جراء ما جلبن على الأرض من لعنات) وقد ذهب البعض إلى أبعد من هذا، فزعموا أن أجسامهن من عمل الشيطان.ويجب أن تلعن النساء لأنهن سبب الغواية، وكانوا يرددون: إن الشيطان يحب الظهور في شكل أنثى، وتداول  هؤلاء الكهنة المتطرفون  الأسئلة المشينة  مثل - هل يحق للمرأة  أن تعبد الله كما يفعل الرجل؟ هل تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟ هل هي إنسان له روح يسري عليه الخلود؟ أم هي نفخة هواء فانية لا خلود لها؟  وفي عام 586م  عُقد مؤتمر للكنائس لبحث إنسانية المرأة، ثم قرر المؤتمر  (بأن المرأة كائن خلق لخدمة الرجل فقط). وكان الهندوس  يعدون المرأة  رمزا للغواية والشر أما المانوية و ــ حسب عقيدة مانو ــ فإنها ترى أن  الأنثى (خلقت للزينة والفراش  وهي مخلوق دنس كالباطل ذاته ومصدر الرذائل). وحُرمت المرأة الهندوسية حق الملكية والإرث (أسوة بالعبيد) واستمر هذا الوضع حتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي، عندما عدل قانون الأحوال الشخصية في الهند  خلال رئاسة نهرو.
ويبدو أن الخوف من المرأة تحول إلى  ظاهرة طبعت  الإبداعات والفنون وحركات اللاهوت  في القرون الوسطى وبقيت ملامحها الى اليوم  وبعدها ترافقت مواقف الفلسفة الألمانية (نيتشة واشبنغلر وشوبنهاور) مع بعض طروحات فرويد بخصوص النساء- وصنعت موقفاً متماسكاً من العداء والنظرة المتفوقة  لنصف البشرية من النساء، وأسهم بعض الأدب الغربي في العصور المظلمة وما تلاها في تعزيز الخوف من المرأة والإقرار بتدني مكانتها – فقد  كتب اوستاش ديشان (سنة 1400) كتبا معادية للنساء وفي ألمانيا اللوثرية  ظهر كتاب (الشيطان المنزلي) للكاتب ادم شوبيرت كما نشر كاهن بروتستانتي كتاب (المرأة الشريرة) وانتشر هجاء النساء بعد ظهور الطباعة فنشرت كتيبات صغيرة  كانت توزع في الأسواق والحانات والفنادق  وعلى السفن تحوي أنواعا من الشتائم البذيئة التي يوجهها الرجال للنساء فكانت تؤجج العداء والسخرية ضد النساء في المحافل العامة والشوارع وكتب باحث فرنسي اسمه دانيال ريفييه في القرن السابع عشر(إن من بين عشرة أمثال عن المرأة هناك سبعة أمثال مناهضة للنساء) ما اغضب الكنيسة ودعا بعض رجال الدين الى ضرورة احترام المرأة وذم الكتب والمنشورات التي تعلن الحرب عليها فلم يكن الشرق وحده ملوما على اضطهاد النساء بل أن الغرب والأدبيات المتعصبة  في القرون الوسطى أسست  للتمييز القاسي ضد المرأة الذي ازداد غلواً في عصر النهضة وتابع الرسامون توجيه الهجاء واللعنات في أعمالهم  للجنس المؤنث لأنهم كانوا يعيشون هاجس اقتراب القيامة ما يدفع بهم إلى صب غضبهم وحقدهم على النساء خشية الموت الوشيك.. وروجت الآداب والفنون في القرن الثامن عشر والتاسع عشر  (كتابات دي ساد- وبودلير وحتى سيلين) ثم الأدبيات النازية في القرن العشرين - لفكرة ارتباط المرأة بالشر والجريمة والموقع الأدنى. ويرجع الباحثون وعلماء النفس السبب في هذا إلى ارتباط  المرأة بالطبيعة وكون  الأمهات  يمثلن دورة الطبيعة المتجددة ويملكن المعرفة بأسرار الولادة والنمو بينما ارتبط العنصر الأبوي بالتاريخ والسياسة والهيمنة، ومن هنا ظهرت تلك المخاوف الطقوسية من المرأة القادرة على التنبؤ والرؤيا والشفاء والسحر وإنزال الأذى بالآخرين لعلاقاتها السرية بالطبيعة وبسبب الخوف من السحر وما افترضوه من شر في الأنثى، حرّم الفراعنة تعليم الكتابة والقراءة على النساء في الوقت الذي كانت نساء سومر وبابل يعملن ناسخات وكاتبات ويملكن بعضا من حرية مشروطة ّ- وتروي بعض المصادر أن الخلخال المصلصل كان اختراعا سومريا ترغم النساء على ارتدائه لملاحقة تحركاتهن في غدوهن ورواحهن – ولم يكن قطعة حلي  لقدم المرأة حسب، بل  كان جرس إنذار لمراقبة  النساء كمثل الشريحة الالكترونية التي تزرع في أجساد المساجين للاستدلال على تحركاتهم في عصرنا الحالي.
المدى

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 28-02-2012     عدد القراء :  2312       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced