نعي أم رثاء ... أم حزن وبكاء ... أم مفخرة لصوت قاوم الطغاة ...أم صفحة أخرى مشرقة في تأريخ النساء
بقلم : فهد محمود
العودة الى صفحة المقالات

مساء الجمعة 24 شباط 2012 رحلت عنـا بصمت سلمى كاظم فرج ، تركت خلفها صفحات تضاف الى مسيرة النساء المناضلات ضد الطغاة الفاشست النظام البائـد ، ضد من اجرموا بحق الشعب والوطن ، ضد من سرقوا قوت الكادحين والفقراء ، ضد الذين عبثوا بأرض الوطن الفساد والخراب ، تاركين على كل صخرة أو حجر أو شارع وجدار ، أو جبل وهور وقرية أو محافظة ومؤسسة ومدرسة ورياض للاطفال ، آثار جرائمهم وحقدهم على الشعب والشرفاء من الوطنيين الاحرار .
استنفر البعثيون كل طاقاتهم للنيل منها ومن زوجها الاديب والشاعر والكاتب والمترجم صباح محسن جاسم ومن كل صوت شيوعي ويساري وديمقراطي وطني .
يستطرد الاستاذ صباح محسن جاسم في وصف تلك المرحلة (( عام 1977 تزوجت الانسانةالتي أحببت زمن صداقتناالبريئة المتألقة في الكلية حيث كانت كليتانا متجاورتين.كما شاركت في ذات السنة بمعرض للبوستر في جمعيةالفنانين التشكيليين العراقيين.لم احصل حينه على هوية أنتساب لجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين كوني لم أشارك في معرض ثالث . وحقيقة الامر اني شاركت لكنهم ألغوا فجأة رسوم البوستر على اعتبار ان المشاركة لم تستوف العدد المطلوب فأعيدت لوحاتي.أذكر آثار طبع أعقاب الاحذية عليها ولوحات زميل لي أيضا " أعدم لاحقا " والذي علق ساخرا : ألاحظت توقيعهم على اللوحات !!!
عام 1978 لوحقت وزوجتي بعد أن نقلنا إلى أربع مدارس ثانوية بدعوى " المصلحة العامة" ولقد تذكرت موضوع التوقيع ذاته على كراس ألفته ضمن الوسائل الإيضاحية في تعلّم اللغة الإنكليزية وقد فاز بجائزة من قبل مديرية تربية المحافظة .. على أن البعض قد ركن الكراس في زاوية مرسم المدرسة واضعين توقيعهم التعريفي بهويتهم ومصادرة المكافأة.
بنفس السنة فصلت وزوجتي من مهنة التدريس وبدأ ماراثون للمطاردة ذكرني بلعبة"الغميضة"أيام الصبا.اضطررنا الهروب إلى جنوب العراق حيث التحقت بطابور للعمال أعرض قوة عملي كي أقوت عائلتي الصغيرة،عملت في بناء البيوت وهدم القديم منها في البصرة جنوب العراق،منطقة الكزيزة وحي السيمر.كذلك تحميل تراب الحديد في ميناء أم قصر والنحت في المواقع الصخرية في مطار الشعيبة لبناء مهاجع للطائرات.كانت ساحة أم البروم بحق أمٌا رءوما.
أعدم أربعة من صحبي واثنين من طلبتي بسبب من رفضهم الانتماء إلى حزب السلطة.
عام 1979 عدت بقرار العفو العام عن الهاربين والسجناء السياسيين بعد إن ضاقت بنا الدنيا.))
(( عام 1980 أعيد تعيني على ملاك وزارة الصناعة والمعادن ( مرغما ) بدرجة معاون ملاحظ مخازن في احد معامل السمنت العراقية .
لم تمر ثلاثة أشهر حتى أخضعت لخدمة الاحتياط ودخلت حرب الخليج الأولى.لم أسلم من الملاحقات حتى نفيت إلى الساتر الأول عند خط النار .
بعد انتهاء الحرب وجدت نفسي فجأة وقد نقلت خدماتي الى معمل اخر بعيدا عن محل اقامتي . بعدها نقلت الى معمل اخر . ولما ضاق ازلام النظام ، دبروا لي مكيدة اضطررت بعدها ان اطلب احالتي على التقاعد . سافرت للعمل خارج العراق بمساعدة احد التجار في نهايات التسعينيات القرن المنصرم . بعد مضيء سبعة شهور ، اعتقلت من قبل شرطة الانتربول في الاردن كوني مطلوب الى العراق ، وتأخر اطلاق سراحي مدة عام وسبعة اشهر بعد ارسال كف طلب بحجة ثبوت براءتي .
عام 2002 عدت أدراجي إلى أحضان حبيبتي زوجتي الرائعة وأولادي وابنتي الحلوة.حزيران العام ذاته فقدت زوجتي الوعي بسبب من عملية جراحية لرفع كيس المرارة واهمال طبيبة التخدير وربما هو تأمر قذر ، اتلفوا لها خلايا الدماغ وغابت عن الوعي منذاك "" الى حين توقف قلبها عن الخفقان "" نرعاها ليل نهار .
كانون ثاني عام 2003 تم استدعائي من قبل دائرة أمن منطقتي والطلب مني ومن زوجتي ضرورة تعديل موقفنا السياسي بعد ثلاثين عاما على انتمائنا لفكر يساري معارض ! قلت : أحقا ما تعرفوا بوضع زوجتي ؟ )) .
حاربوها جلاوزة الفاشست بكل الوسائل كما الحال لعائلتها في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات القرن الماضي ، اضطرت العائلة الى التنقل من محافظة لاخرى ومن مدينة لثانية تخلصا من الملاحقة والتضيق عليهم . وعلى لسان احد المساهمين مع مجرمي البعث ( بعد اعلان ندمه واسفه لمواقفه السابقة امام زوج الفقيدة ) ، حاولنا اغتيالها ولمرات عديدة عن طريق الدهس بالسيارة ، بعد ان خيم اليأس علينا من تأثير فصلها من التدريس ومحاولات اجبارها على ترك المعمل ، النيل من معنوياتها .....
لاعود لأخي وشقيقي الاستاذ صباح محسن جاسم " أبا ايلوار " ثانية ليواصل سرده لمخلفات ذاك الزمن الرديء ( حاليا ، حين التقي بالصدفة بمن كان يكتب عني تقاريره السرية غير الملونة ، أحس بالاضطهاد ذاته يعاودني ولسان محدثي لا يمل وهو يسرد لي أسفه لمواقفه السابقة ووضعه المعيشي الذي اضطره للانتماء لحزب السلطة الخ. وتعجبت من وضعي وأنا أداري مشاعره وحتى أواسيه !! إلى أن وعيت إني الآن فقط أعيش بجلد حمار حساوي حقيقي ) .
كتب احدهم كشاهد عيان في رثاءه لرحيل الفقيدة في احد المواقع الالكترونية باسم " عراق " ( آه ...... من الوجع ابا ايلوار... هذا المخلوق الاسطوري سلمى كاظم فرج أم شمس كما يسمونها شغيلة عمال مصانع حرير السدة واناسها الطيبون ، أذكر مراقبة عيون الطغاة لها ثمانينيات القرن المنصرم وتسعيناتها لها فما شاهدوه ليخبوا سلطات المخابرات امرأة تنهض فجراً لتهيء اطفالها وتأخذه للحضانة ثم تطبخ ثم تهرع للعمل ثم تعود لتأخذ اطفالها للبيت وتغلق الباب لتعاود رعاية الاطفال والاهتمام بالبيت ومساعدة الجيران الذين يكنون لها كل الاحترام ثم يظلم الكون فتحتضن اطفالها لتقرأ لهم كتبا "" اجهدت المخابريون في ان يعلموا ما هي "" وحينما ينام الاطفال تسهر لتكتب وتكتب ... هذه أم شمس كانت تكتب لزوجها الذي القته سلطات البعث آنذاك في غياهب مكان ما .....)
ضغطت على اعصابي محاولا قطع كـل طرق الاحزان ، لاننا من طينة التي تحمل يماً من الآلام ، لاننا كما هي سلمى ام شمس ، أم ايلوار نعشق الحياة ونحتضن المحبة والسلام ، هرعت الى رسالة لكي اخفف من وطأة الحدث ، احتفظت بها ، كانت سلمى قد كتبتها لنا في 10 كانون الاول عام 2001 (( بصراحة انني سعيدة جدا !! لهذه الحالة المتعبة . وانا دائمة التسيار في زياريات انتم تعرفوها – تدخل من طابع الكلمات - : ( على غرار الوالدة المرحومة .. " كانت ام سلمى من الرابطيات النشيطات زمن الستينيات والسبعينيات القرن الماضي " تعقيب : الخلف ما ماتش ) ولا تتألموا علي ولا تتحسروا ... أني سعيدة ومرتاحه بحياتي هذه والحجي بيناتنه ماكو غير حل .. هو هذا الواقع .. يكفي ان جمعنا قد عاد ثانية وان ابو ايلوار بيننا بعد ان تحرر من عبوديته في البصرة هو الان مجتهد ومجد جدا جدا !! وسوالفه ماتزال كما هي .
واخيرا اعتبروا هذه الرسالة هي مقدمة بسيطة ومتواضعة لرسائل اخرى قادمة ...
سلامات طيبة . أم ايلوار 25 رمضان 1422
لكنها كانت الرسالة الاخيرة بعد نالوا المجرمين الطغاة وفي غفلة من الزمن منها ، بعد لوثوا كل المؤسسات والدوائر ومفاصل الدولة بما فيها اصحاب المهن الانسانية الشريفة ، استغلوا عملية ازالة كيس المرارة منها ليزيدوا من جرعات التخدير في جسمها الطاهر .
سلمى ، كريمة المربي الفاضل المناضل الشيوعي كاظم فرج ياسر وزوجة المناضل الاديب والشاعر والكاتب صباح محسن جاسم .
ارقدي ايتها المناضلة سلمى في قبركِ المجيد بهدوء وانتِ بيننا ، سأتكفل باللعنات على ماضي الطغاة وحاضر المستهترين بارواح البسطاء من الناس .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 28-02-2012     عدد القراء :  3126       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced