قانون "رعاية الأيتام" أصبح ملحّاً بعد زيادة أعداد المشرّدين
بقلم :
العودة الى صفحة المقالات

المدى- بغداد/ إيناس طارق
حيدر محمد يبلغ من العمر 10 سنوات، فَقَد والده في انفجار في  منطقة الكرادة عام 2007، عندما كان عمره 4 سنوات، أصيب محمد بجروح وحروق حُمل على أثرها بسيارة إسعاف إلى المستشفى، بقي فيها أسابيع، ليسلم إلى احد مراكز الشرطة بعد تماثله للشفاء،

لأنه أصبح مجهول الهوية؛ فلا يعرف حيدر كيف يصل إلى منزله، ولم يسأل عليه أحد من أقرباه، إلا بعد أن ساهم أهل الخير من القوات الأمنية بالبحث عن أقرباه، لعلهم يحتضنوه، فهو طفل يتيم.
حيدر واحد من آلاف الأطفال الأيتام فقدوا آباءهم وأمهاتهم نتيجة العنف الذي لا نهاية له، فالحروب التي قادها النظام الدكتاتوري خلفت آلافاً من الأيتام والمشردين والأرامل لتتضاعف الأعداد بعد عام 2003 .
أما قصة الطفلة ملاك  البالغة من العمر 11 عاما، التي تجوب الشوارع بحثاً عن لقمة العيش، فتقول: قتل والدي في انفجار بمنطقة العلاوي، بينما كان يبيع قناني الماء، وسط الشارع عام 2010، والدتي أصيبت بعوق أقعدها البيت، فهي كانت معه تبيع العلكة، لأننا عائلة فقيرة، ولا نملك المال الكافي لتوفير قوتنا بشكل دائم إلا بالعمل ، شقيقي يساعدني على توفير المال لعائلتي البالغ عددها أربعة أفراد. تضيف ملاك : لدي أقارب ولكن كل منهم رفض أن يأخذونا، اضطررنا للعمل من أجل البقاء على قيد الحياة.
الأقارب والتسوّل
تقول بتول التي كانت تجلس على رصيف قرب متنزه الزوراء، وتحمل صبيا صغيرا، ما زال تلفه بقطعة قماش بيضاء. إنها ترعى الآن خمسة أطفال أيتام، وهم أبناء أخيها الذي اخُتطف عام 2006، ولم يعرفوا مصيره حتى الآن. مضيفة أن عاداتهم الاجتماعية لا تسمح لهم بالتخلي عن أطفال أقاربهم، مهما كانت الظروف، وسمحت لأولاد أخيها بالنزول إلى الشارع للعمل في بيع الشاي وعلب الكلينكس، لأنهم أصبحوا الآن كما تقول رجالاً، حيث يبلغ عمر أكبرهم 13 عاماً، والفتاة الوسطى 11 عاما، تعمل في تنظيف الملابس عند بعض الناس الخيرين، كما تصفهم بتول . وجل ما تخشاه هو أن تساهم الظروف المعيشية الصعبة في إجبارهم على سلوك طريق الجريمة والانحراف.
ينتشرون في الشوارع
البعض من الأيتام ينتشرون في اغلب الشوارع، بعد أن أصبحوا مشردين، حيث لم يحالف بعضهم الحظ لتحتضنه دور الدولة للأيتام،  فقد نزل إلى الشارع ليعمل وينفق على أخوته بعد أن فقدوا معيل عائلتهم الوحيد، لتجد  هذه الظاهرة حافزا كبيرا بزيادة عدد الأرامل والأيتام، التي  أدت الحروب إلى الزيادة الكبيرة في أعداد الأطفال المشردين،  لينضموا إلى قافلة الأيتام ، الذين امتهنوا التسول وسيلة للعيش السريع، حيث يوحي منظر الطفل صالح (المشرد اليتيم) الذي كان يقف في ساحة الطيران وسط بغداد بالبؤس، حيث كان حافي القدمين وثيابه رثّة،  مظهره يوحي بأنه يتضور جوعاً، يلصق جسده النحيل بهياكل السيارات الحديثة محاولاً استعطافهم بنظراته الطفولية البريئة، يقول صالح عمري 12 سنة: والدتي تركت والدي لأنه لا يعمل، ويضطرها للخروج للعمل في الشارع للتسوّل، طلقها، وقد تزوجت برجل آخر، وأبي أخذنا بعيدا عن والدتنا، التي بقيت في المحافظة، التي كنا نعيش فيها، وبعد ذلك بدأ في ضربنا، لذلك هربت لامتهن التسول والسرقة وتعاطي المخدرات والنوم على الرصيف!!
ينامون على الأرصفة
ويضطر كثير من الأيتام والأطفال الفقراء للعمل  في التسول والبغاء. وقد انضم هؤلاء - الجيش المتنامي - من أطفال الشوارع للحصول على لقمة العيش في المدينة التي غمرتها  الانفجارات، التي لا تعد ولا تحصى،  هؤلاء الأطفال  معظمهم صبيان، ولكن الفتيات أيضا لهن حضور، حيث قدمن من بيوت محطمة، بسبب حروب مستمرة ، أو اللواتي تيتمن بسبب الحرب الأولى والثانية وتشرّدن، بسبب قتل أو تشريد عوائلهن، نتيجة موجة العنف الطائفي التي طالت البلاد. أحلام التي تبلغ من العمر 11  عاما، ما كان بوسعها إلا البكاء، عندما سألت عن سبب تجوالها في شارع المنصور، حيث قالت بصوت خافت خوفاً من أن يسمعها أحد: إنها يتيمة، فقدت عائلتها منطقة الحرية، بعد أن قُتلت عائلتها من قبل مجموعة إرهابية، أثناء تواجدها في المدرسة، حيث كانت في الصف الثاني الابتدائي، أخذها شقيق والدتها وانزلها إلى الشارع للتسوّل، وتعرضت إلى الاعتداء من قبل ابن خالها، وكل يوم يتعرض لها بالضرب، ولا تستطيع البوح بذلك، خوفا من أن لا يصدقها احد، وتطرد من البيت، فأين تنام حسب قولها على الرصيف؟!

يتعرّضون إلى الاعتداء الجنسي
لا تخلو قصة عبود البالغ من العمر 12 عاماً، الذي يستنشق الغراء، ويعيش في شوارع بغداد. قال إنه هرب من المنزل، لأنه لم يستطع الصمود أمام الضرب، الذي يحصل عليه من والده، لعدم جمعه ما يكفي من المال من التسول طوال النهار. انضم مؤخرا إلى عصابة في منطقة الباب الشرقي متخصصة بسرقة الهواتف النقالة، ولأنه يريد أن ينسى ممارسة الجنس معه من قبل الرجال الكبار في مقابل  الحصول على الغراء والمال والمنام يؤكد عبود "أنه يبكي في كل مرة يُمَارس الجنس معه، ويتعرض إلى الضرب، وهو يعلم أن ما يفعله خطأ، ولكن يجده أفضل من العيش مع الضرب اليومي من والده، لعدم تقديمه ما يكفي من المال له، وتعلّم على البقاء في الشارع، فهناك الكثير من أمثاله من الأولاد.
وزارة العمل واليونيسف
يذكر أن وزير العمل نصار الربيعي قال في تصريح سابق: إن وزارته مع منظمة اليونيسيف في وضع سياسة وطنية لحماية الطفل العراقي، إضافة  إلى نيتها  تشكيل هيئة لحقوق الإنسان، تابعة للوزارة، والتي تتعامل مع شرائح متعددة من المجتمع، منهم العاطلون عن العمل، والفقراء والأحداث، والمشردون، والأيتام. مشيرا إلى أن الوزارة تعتزم في ضوء ذلك تشكيل هيئة لحقوق الإنسان، تضطلع بمسؤولية حماية حقوق هذه الشرائح، على وفق القوانين النافذة، مؤكدا في الوقت نفسه السعي لتشريع مسودة قانون الطفل، وتشكيل لجنة مختصة لرسمه، وإعداد القانون بما يضمن حقوق الأطفال، وأضاف انه تم إعداد قوانين، من شأنها الإسهام في الحد من العنف، الذي تعرض له الطفل خلال الفترات الماضية، إلى جانب الارتقاء بأوضاعه، وتحقيق مستوى علمي أفضل له؛ تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطفل في جميع القرارات المتخذة ومدى تأثيرها في مستقبله
هيئة رعاية الطفولة
من جانبها، كشفت رئيس هيئة رعاية الطفولة في وزارة العمل عبير الجلبي في تصريح صحفي لها عن أهمية حصول الطفل على حقوقه، وتلبية احتياجاته، من خلال التعاون مع منظمة اليونيسف، وركزت بالأساس على التحديات التي تواجه الطفولة، المتمثلة في عمالة الأطفال، والتسرب من المدارس، والتشرد، واليتم، والتسول، ووضع حلول ومعالجات لمثل هذه الحالات، ولفتت الجلبي إلى أن الهيئة تعمل بالتعاون والتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، على وضع سياسة وطنية لحماية الطفل العراقي، إضافة إلى المشاركة في اجتماعات اللجان المشكلة من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء، برئاسة وزارة حقوق الإنسان، وعضوية عدد من الوزارات المعنية.

يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم
إلى ذلك، تظاهر المئات من المواطنين في ساحة الفردوس، يوم 7/4/2012، مطالبين البرلمان بإقرار قانون رعاية الأيتام، حاملين لافتات كتب عليها "أنصفوا أيتام العراق، وضرورة إقرار قانون رعاية الأيتام  الذي طرح أمام البرلمان منذ عام ،2008 ولحد الآن لم يقر، لذلك كان الخيار هو التظاهر، كوسيلة للضغط على البرلمان، كي يقر القانون ،ويتمتع الأيتام بحقوقهم.
إحصاءات دولية
وأشارت دراسة عالمية الى أن عدد النساء والأرامل بالدرجة الأولى، الذين هم المعيل الأساسي في الأسرة 2 مليون، والأيتام الذين يعيشون في الشوارع 600000، وأعداد اليتامى الكلي في العراق 4.5 ملايين.
وكشف تقرير لمجلس الأمن للأمم المتحدة عن أن "الوضع الإنساني في العراق انتقل من سياق حالات الطوارئ إلى واحدة من الانتعاش في وقت مبكر، واستمرار العنف وتدمير البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والحصول على الخدمات الأساسية، مثل مياه الصرف الصحي، والرعاية الصحية والتعليم، لا تزال محدودة، وخاصة بالنسبة للأطفال". كما أن  الأنظمة التقليدية الاجتماعية والقانونية  لم تمنع الخطر الشديد  الذي يتعرض له الأطفال، جراء الصراع السياسي، وما يخلفه من عنف، ونتيجة لذلك أصبح الأطفال أكثر عرضة للخطر والاستغلال وسوء المعاملة.
علم الاجتماع
ويقول الدكتور  جواد كاظم - وهو احد المختصين في العلوم النفسية - : ينشأ اليتيم وهو مليء بالعقد النفسية التي فرضها عليه المجتمع وغالبا ما نلاحظه يميل إلى الانزواء، وبالتالي ظهور بوادر سلبية على شخصيته.
وحذر أستاذ العلوم النفسية من عدم تقديم العون والمساعدة للأيتام، مبينا أن ذلك سيكون سببا لانحرافهم، وهم ليس لديهم أي مستقبل، لا بل أن قسما منهم لا يستطيع أن يكّون حياته، فيلجأ إلى التشرد والسرقة والجريمة لكسب لقمة العيش.
ودعا كاظم إلى رصد المبالغ اللازمة لفتح دور الأيتام، والاهتمام بأوضاع الأيتام المشردين، وتوفير ملاجئ صحية لهم، فيها الأساليب الحديثة للتربية والتدريس، فضلا عن تشجيع المتفوقين، عبر منحهم بعض الزمالات الدراسية ليصبحوا قدوة للآخرين.
مجلس النواب
وتصف نادرة عايف حبيب عضو لجنة الأسرة والطفولة في البرلمان ملف الأيتام في العراق بأنه من الملفات الحساسة التي تحتاج إلى حكمة في المعالجة.
وتقول حبيب: إن أعداد الأيتام في العراق تزايدت بسبب الحروب المتواصلة التي تعرض لها الشعب العراقي، مشيرة إلى أن إحصائيات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي تقول إن هناك من ثلاثة إلى أربعة ملايين يتيم في العراق.
وتشير النائبة إلى أهمية تفعيل مشاريع القروض الصغيرة التي توزع على الفقراء والمحتاجين، بما فيهم الأيتام، الذين تزيد أعمارهم على 15 سنة، لأن ذلك سيساهم في توفير أجواء ملائمة للعمل والعيش الكريم.
وترعى الدولة 469 يتيما، موزعين على 15 دارا عامة للأيتام،وهذا رقم ضئيل، إذا ما قورن بعدد الضحايا الذين يسقطون يومياً في بلد مزقه العنف مثل العراق.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 10-04-2012     عدد القراء :  3283       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced