مواطنون يلمسون ثرواتهم لأول مرة من "عشش التنك" السكنية
بقلم : وائل نعمة
العودة الى صفحة المقالات

الفئران تأتي في الليل.. عندما ينام أهالي مدينة الصدر القريبون من تجمعات النفايات، تشق طريقها عبر الفراغات بين الأجهزة الكهربائية العاطلة التي ألقيت خارجاً وتراكمت لتشكل الجدار العازل بين المنزل العشوائي ومنطقة تفريغ القمامة.

سبعة أفراد ينامون على فراش ممزق، ولا يفصلهم عن الحمام الذي شيد في الهواء الطلق سواء "خرقة " خضراء متهرئة ومثقبة كالمنخل.
وأشد الناس فقراً في بغداد هم سكان مدينة الصدر، حيث  يزدحم داخلها حوالي 3 ملايين من الفقراء في ضاحيةً شوارعها لها نمط الشطرنج، وما يصل إلى خمس عائلات تعيش معا في منازل صغيرة على طول أوقات اليوم، وتجري مياه المجاري في الشوارع.
ويبدو الساكنون بين الجدران أفضل من غيرهم زحفوا خارج المدينة المكتظة إلى الأطراف، وعاشوا حول القمامة التي يتم إنتاجها في المنطقة الفقيرة. من أجل الحصول على مسكن، وهم ينامون بين الفئران ويشربون المياه الملوثة.

المدى
أفقر الفقراء هم من يعيشون في حي "التنك"؛ وهي العبوات المعدنية التي يباع بها  زيت المحركات. وفي ألمانيا، تعتبر العلب الفارغة، من النفايات الخطرة التي تحتاج إلى التخلص منها. لكن في العراق، يقوم سكان الأحياء الفقيرة في استخدامها لبناء أكواخ، وتتسرب قطرات النفط القديمة من جانب الجدار. في هذه الطريقة، أهالي "التنك" يلمسون الذهب الأسود لأول مرة في حياتهم.
يقول أبو سجاد ،الرجل الأربعيني "نحن نعيش من بيع العلب الفارغة  التي نجمعها من بين القمامة". الأب المسؤول عن خمسة أطفال وهو جائع لأنه لا يوجد ما يكفي من الطعام في المنزل، وتنظر زوجته أن ينضج الرز لتطعمه للأولاد ، بأنه ينجح حوالي مرة كل ثلاثة أيام في جمع  "كيس" مليء بالعلب الفارغة ، ويحصل منهم على ما يعادل العشرة آلاف دينار، ويضيف "إن عملي غالبا ما لا يكفي من المال لشراء الخضار، وأنه لا يكفي بالنسبة لنا لشراء أي لحوم".
ما زالوا يحلمون ....!!!
على الرغم من الفقر المدقع الذي يعيش فيه أبو سجاد، لكنه يأمل في حياة أفضل لأطفاله. وأضاف "نرغب في ان يذهب سجاد ابننا إلى المدرسة"، وتقول والدته " انه سيكون الأول في عائلته إذا قام بذلك. ولكن يجب أن تذهب القروح التي ظهرت على جسده". منذ انتقلت العائلة من إحدى المحافظات الجنوبية  إلى المدينة والقمامة قبل سنتين، أصبح الأطفال يعانون التهابات عديدة على اقدامهم وعلى فروة رأسهم.
من جميع البلدان التي لديها "لعنة الموارد" العراق هو الأسوأ، يعيش 7 ملايين فرد تحت خط الفقر وفقا لإحصائيات وزارة التخطيط والأمم المتحدة. هذا على الرغم من ثروة لا يمكن تصورها تحت أقدامهم مع احتياطيات نفطية هائلة.
يعتقد مسؤولون في الحكومة العراقية أن مستوى الفقر سينخفض مع مرور الوقت مع سياسات وآليات مستقبلية. لكن مراقبين يقولون: ما دامت الحكومة غير قادرة على مواجهة  الفساد لن يكون هناك إسقاط لخط الفقر.
"الفقر في العراق ضحل"، وكيل وزير التخطيط مهدي العلاق يقول خلال مقابلة صحفية سابقة له. "معظم الناس القريبين من خط الفقر ... حتى إذا ما اتبعت سياسات وإجراءات، وسوف ينخفض معدل الفقر"، وقال "ليس من الصعب جدا (الحد من الفقر) في العراق".
تحت خط الفقر
في السنوات الماضية، ضخت الولايات المتحدة نحو 53 مليار دولار من المساعدات المدنية إلى العراق من خلال البرنامج الذي يشبه تقريبا خطة مارشال الحديثة. كان المقصود من المال خلق اقتصاد مزدهر، بدعم من قطاع زراعي قوي وطبقة وسطى قوية.
ولكن هذا ليس واقع اليوم. من كل أربع أسر لا توجد لديهم مياه جارية حسب تقديرات الدوائر البلدية. ويتم ضخ ما يقرب من 60 في المئة من كل مياه الصرف الصحي، من دون معالجتها، في الصحراء. وتدهورت إمدادات الكهرباء في بغداد مرة أخرى إلى درجة أن في فترات الصيف لا تستطيع الوزارة توفير ست ساعات يومياً.
مستويات معيشة العراقيين قد تدهورت بشكل كبير وبخاصة في مجالات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وفرص العمل والدخل والأصول، كما أن ظروف السكن قليلة ويعيش الكثيرون في منازل آيلة للسقوط وبعضها في مناطق خطرة.
سبب البؤس كما يقول الأهالي في مدينة الصدر هو الجمود السياسي. الحكومة غير قادرة على التصرف، والبرلمان الوطني لم يجتز فعلا واحدا من تشريع في غضون سنين . وعلاوة على ذلك يأتي الفساد الشامل، والذي أثبت للجميع تآكلا في العراق. عينت منظمة الشفافية الدولية العراق واحدا من البلدان الثلاثة الأكثر فساداً في العالم.
الجوع أقوى
هادي حسن شاب من سكنة مدينة الصدر، تخلى ومنذ فترة طويلة عن الاعتقاد بأن أي سياسي على وشك أن يفعل أي شيء لمساعدته. قبل فترة ، سعى بنفسه للذهاب من مدينة الصدر إلى ساحة التحرير للاحتجاج على الرغم من انه يعاني من مرض "قدم السكري"، ومهدد ببتر إحدى ساقيه وزوجته لديها سرطان الثدي، وإنهم يشتبهون في أن مياه الصنبور جعلتها مريضة، وتنبعث منها رائحة البراز والمواد الكيميائية. لكن لا يمكن لحسن أن يتحمل  شراء المياه المعبأة في زجاجات.
في منزله الصغير جدا ذو الغرفة الواحدة ، تأكله الرطوبة ، ويعيش مع زوجته وأولادهما الأربعة، ورفع في إحدى التظاهرات التي حضرها في "التحرير" مع ولده ذي التسعة أعوام يافطة كتب عليها "الجوع هو الأقوى"، وكتبه باللغتين العربية والانجليزية.
يقول حسن "مشكلتي تبدأ في عام 1990، وأنا اعجز عن  العثور على حل حتى الآن". فقد وظيفته في جيش صدام ، بعدما  أعدم عمّه لأنه كان عضوا في احد الأحزاب الإسلامية المحظورة في ذلك الوقت ، وعوقب أيضا اثنان من أبناء إخوته. احتفل حسن حينما سقط النظام ودخل الأمريكان في عام 2003 ، وسارع إلى الانتخابات أكثر من مرة ، ويتذكر وهو ينظر الى إصبعه الذي ظل أياما لا يريد أن تغادره الصبغة البنفسجية ، كنت اعتقد أن الأمور ستتغير بعد ذلك لكن  " لا أحد أعطاني أي شيء، لا وظيفة، ولا عون" .
الوضع لم يتغير كثيرا...!
في العراق، على الرغم من أن الحكومة تعمل جاهدة لمحاربة الفقر في البلاد، فإن الوضع لم يتغير. في الواقع، فإن العكس يحدث. البطالة في ارتفاع، وأعداد الأطفال تزداد ممن يتركون المدرسة للعمل ولزيادة دخل آبائهم.
السلطات العراقية تسعى لخفض نسبة الفقر في البلاد من 23٪ إلى 16٪ بحلول عام 2014، وفقا لوزارة التخطيط ، حيث أكدت أنها خصصت 476 مليار دينار لتنفيذ خطة تخفيف الفقر في العراق خلال العام الحالي.
وقال وزير التخطيط علي شكري إن  وزارته "خصصت خلال 2012 مبلغا قدره 476 مليار دينار لتنفيذ مشاريع تخفيف الفقر في البلاد وهي منح القروض والسلف ودعم العاطلين عن العمل بتنفيذ مشاريع إستراتيجية وتنشيط التعليم والصحة". وأضاف أن "وزارة التخطيط وضعت خطة عالية المستوى للنهوض بواقع المشاريع الخدمية التي تدعم مشاريع التنمية في البلاد في المرحلة المقبلة".
وأوضح أن "المشاريع ستركز على المحافظات الأقل فقرا في العراق التي لا تحتوي على مشاريع إستراتيجية رئيسة خلال موازنة عام 2012".
وأكدت وزارة التخطيط أن محافظة المثنى الأكثر فقرا في المحافظات العراقية تليها الديوانية وصلاح الدين وذي قار. وبحسب الوزارة فإن تخفيف الفقر بحاجة إلى 30 مليار دولار في موازنة عام 2012 حسب توصيات البنك المركزي.
الفقر علامة بارزة!
من جانبه، كشف النائب إحسان العوادي عن "رصد وزارة التخطيط ضمن موازنة العام 2012 مبلغ (495) مليار دينار عراقي لمعالجة الفقر في المحافظات العراقية".
واعتبر عضو التحالف الوطني أن المبلغ المخصص لعلاج الفقر في العراق ضئيل وزهيد جدا لمعالجة هذه المشكلة الكبيرة على حد وصفه. مشيرا إلى أن "حصة محافظة الديوانية من هذا المبلغ لم تتعد الـ (11) مليار دينار عراقي لمعالجة الفقر في المحافظة، وهو مبلغ زهيد جدا بمقارنته مع مشكلة الفقر التي أصبحت سمة ملازمة لهذه المحافظة".
وتابع القول "نحن نتحرك بجميع الاتجاهات، فرصد رئاسة الوزراء هذا المبلغ لا يعني نهاية المطاف ، وهناك مساع حثيثة يقوم بها عدد من النواب بهذا الخصوص، منها وضع آلية عمل ومقترحات جديدة من شأنها معالجة واقع الفقر في المحافظات العراقية بشكل عام ومحافظة الديوانية بشكل خاص"، وهذا ما سيتم إعلانه في الأيام القليلة المقبلة".
العوادي أكد أن تخصيصات رئاسة مجلس الوزراء من مبالغ مادية لمعالجة الفقر في المحافظات الخمس الفقيرة التي تتصدرها الديوانية لا يمكن أن تسد حاجة هذه المحافظات.
لافتا إلى أن محافظات الديوانية وواسط وصلاح الدين والمثنى هي الأفقر بين المحافظات العراقية، والديوانية تتصدر المحافظات فقرا، مشيرا أن الإحصائيات الأخيرة تبيّن وصول نسبة الفقر في العراق إلى ما يقرب من 23%".
وأضاف أن الإحصائيات المسجلة تم إعلانها من قبل وزارة التخطيط العراقية، وقد تم إعدادها وفق إستراتيجية وبرنامج معالجة الفقر في العراق والذي نفذه جهاز التخطيط المرتبط بالوزارة بإسناد الأمم المتحدة، ولم تنفذه وزارة التخطيط بمفردها".
العوادي أشار إلى أن "هذه المحافظات تم تصنيفها حسب مدخولات مواطنيها والوضع الاقتصادي لكل محافظة، والمداخل التي تأتي المحافظة، كما تم اعتماد مستوى البطالة وحجم التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي في تلك المحافظات ونسبة المتسربين منها إضافة إلى عدد من الآليات الأخرى".
واعتبر العوادي أن "الفقر بات ميزة الديوانية ولا يمكن حل هذه المشكلة بسنة أو اثنتين أو ثلاث ولا بالمبالغ الزهيدة التي خصصتها رئاسة الوزراء للمحافظة، التي هي بحاجة ملحة إلى معالجة مشكلة الفقر فيها على مدى سنوات وفق خطة حقيقية نأسف إنها غائبة حتى الآن".
الميزانية الحكومية
أما عضو اللجنة المالية البرلمانية ماجدة عبد اللطيف محمد التميمي فتقول: إن نسبة الفقر في العراق وبحسب آخر إحصائيات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي تبلغ 23 %، وهو ما استوجب الالتفات إلى هذه القضية في موازنة العام الحالي.
وبينت النائبة عن كتلة الأحرار في حديثها لصحيفة ‘المدى’ أن موازنة العام 2012 تضمنت بندا ينص على دعم إستراتيجية التخفيف من الفقر التي أطلقتها الحكومة، وذلك من فائض الإيرادات النفطية، مؤكدة في الوقت نفسه أن معالجة الفقر لا تتم عن طريق القطاع الحكومي ولابد من تفعيل الاستثمار والقطاع الخاص.
وبحسب نسبة الفقر المذكورة الصادرة عن وزارة التخطيط فإن عدد الفقراء يزيد على الخمسة ملايين و550 ألف مواطن في عموم البلاد، في حين تشهد أسعار النفط الخام ارتفاعا غير مسبوق، وهو ما أسهم بتوفير موازنات اتحادية وصفت بـ’الانفجارية’ منذ العام 2008 ولغاية العام الحالي.
وأضافت أن أسباب الفقر متعددة وتأتي في مقدمتها البطالة وهو ما يتطلب معالجات سريعة لهذه المشكلة، مشيرة إلى أن اللجنة ستتوجه إلى هيئة الاستثمار للوقوف على العقبات أو ما يمكن أن يعرقل تفعيل الاستثمار. التميمي لفتت إلى أن كتلتها اقترحت إنشاء صندوق لدعم العاطلين عن العمل بغية توفير فرص عمل لهم قدر الإمكان أو تأمين رواتب أو منح مالية، مضيفة أن هناك مساعي لكتلة الأحرار باتجاه قطاع الضمان الاجتماعي.
وأوضحت عضو اللجنة المالية أن كتلتها ‘تسعى إلى شمول جميع العاطلين والكسبة بالضمان الاجتماعي’، مبينة أن ’الكتلة تركز في الوقت نفسه على تفعيل وتنشيط المشاريع والخطط التنموية ‘خاصة وأن قمة بغداد حملت رسائل إيجابية للمستثمرين العرب للدخول إلى العراق والاستثمار في مختلف القطاعات’.
وتأتي الخطط الحكومية وتصريحات المسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية مغايرة للواقع المعيش، إذ يجري الحديث عن خطط ستخفف من الفقر بشكل كبير خلال سنوات قريبة، غير أن نسبة الفقر المعلن ما زالت كما هي دون أن تشهد أي تراجع يبعث في نفوس الفقراء أملا بمستقبل أفضل.
ويرى العديد من المختصين بالشأن الاقتصادي أن عدم الاستقرار السياسي ترك آثاره السلبية جميع نواحي الحياة في البلاد، وبشكل خاص ومركز على الاقتصاد، وهو ما انعكس بالتالي على الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل.
على كل شيء في العراق، بما في ذلك خطط معالجة الفقر، مشيرة إلى خلل آخر حد من إمكانية معالجة الفقر في العراق، هو الافتقار الى منظومة قانونية قادرة على إلزام الجهاز التنفيذي للدولة بإيجاد معالجات جدية لأوضاع الفقراء.
يشار إلى أن الإستراتيجية التي أطلقتها الحكومة الاتحادية للتخفيف من الفقر على مدى أربع سنوات، مضت منها سنتان، وتبدو الرؤية غير واضحة المعالم للسنتين المقبلتين.
وفي آخر تقارير الأمم المتحدة حول العراق أظهرت أن البلاد تعاني من بطالة بنسبة 25 و 50 في المئة ، والأمراض متفشية في الأحياء الفقيرة المترامية الأطراف. واظهر التقرير أن عدد السكان الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة في العراق أقل من 20 في المئة قبل 2003 ، أما اليوم  فقد ارتفعت هذه النسبة إلى 53 في المئة.
ووجدت الأمم المتحدة في تقريرها  أن الأشخاص الأكثر عرضة للوقوع في براثن الفقر هم الأسر التي لا تعمل في القطاع العام.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 13-04-2012     عدد القراء :  1914       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced