75% تجري خارج أسوار القانون!..الزواج بعيدا عن المحاكم: ضياع نَسَب.. وإهدار لحقوق المرأة
بقلم :
العودة الى صفحة المقالات

بغداد/ وائل نعمة..

ممر ضيق تقف على جنبيه مطاعم صغيرة ويتجمع زبائن ومحبو "شربت الزبيب " بالقرب من مكتب "....." لإجراء العقود الزوجية الدائمة والتصديق في المحاكم ، تمر امرأة متوسطة القامة  تغطي وجهها بجزء من عباءتها السوداء المحمرة  ، وبأقل من نصف متر يسبقها رجل يكبرها بعشرين عاما  ،

يرتدي دشداشة بنية وذو لحية كثيفة ، يسرعان الخطى مرورا بزبائن "الشربت " وكأنهم يخشون أن يراهم احد . عند مكتب الزواج في منطقة الكاظمية يزدحم الرجال في الداخل وهم يتبادلون الحديث عن السياسية والدين وأمور الطلاق والزواج ، وهم يقطعون كلامهم بشرب الشاي ويلاعبون حجرات "السبحة " بين أصابعهم ، لكنهم ينفضون بسرعة ويختفون عن الأنظار حينما يشاهدون رجلا وامرأة يقفون عند باب " المكتب " باستحياء ، يقدمون خطوة ويرجعون خطوات قبل صعودهم عتبة المكان، يفسح الرجال المجال أمام الثنائي للحديث مع الشيخ المخول بإجراء العقود الشرعية ، وان اقتنع الأخير بطلبهم جلب الشهود لعقد القران ، دون النظر إلى السن أو الحالة الاجتماعية والصحية وغيرها من الاعتبارات التي تؤخذ بالحسبان في الزواج داخل المحاكم .
في تلك المحكمة المزدحمة
التي تغص بالراغبين في إجراء عقود الزواج ، تدفع المرأة الرجال والأيادي من أمام وجهها وهي تحمل "فايل " ازرق كتب عليه بخط رديء اسم يبدو انه يعود للمرأة التي تضع على كتفها طفلة صغيرة بملابس رثة ، وتتوسل برجال الشرطة والمنظفين لإرشادها إلى من يحل مشكلتها مع زوجها الهارب !
بعد أن تم قراءة الصيغة الشرعية في مكتب الزواج في منطقة الكاظمية ، انطلق الزوجان إلى بيت الزوجية في إحدى المناطق الشعبية ، كان الرجل في الخمسينيات بينما المرأة لا زالت في بداية الثلاثينيات ، منزل متواضع يمكن أن يرحمها من جبروت وظلم زوجة الأب ، وحرمانها من الحياة التي فقدتها بعد رحيل زوجها السابق ، إنها تجربة جديدة كما وصفتها " أم فاطمة " وهي تتحدث عن أزمتها لأحد المحامين الذي تربطنا معه علاقة صداقة سمحت لنا بسماع قصتها ، وتزيد " لم أكن اعرف تاريخ عائلته ولا أي شيء آخر عنه، كنت يائسة كالغريقة التي مد لها طوق النجاة في عرض البحر ". لم تستقبلها زوجة أبيها المعاق في البيت الصغير مرة أخرى بعد أن قتل زوجها في انفجار سيارة ملغمة صادف مروره من قربها ، تاركا لها ثلاثة اطفال باعمار متقاربة . لم تجد معينا لها سوى ذلك الرجل الذي عرض عليها الزواج حينما وجدها بأحد المستشفيات وهي تعالج ابنتها الوسطى من زوجها الشهيد من مرض في الكلية . المرأة تؤكد " ان زوجها الجديد كان لطيفا بمعاملتها بعد الزواج ولكن بعد اكثر من سنة حينما وضعت طفلة صغيرة ، اختفى ولم يعد الى البيت مرة اخرى ". كل شيء كان مجهولاً امامها ، ولم تلتق به غير اشهر قليلة خلال زواجها الذي دام عاما واحدا لانه كان دائم السفر كما كان يقول لها بشكل مستمر ، انها امية ولم تعرف غير اسمه الاول ، ولم تحصل على وثيقة رسمية للزواج او اي ورقة اخرى تؤكد انه زوجها ، والان بعد مرور ثلاث سنوات كيف ستثبت نسب الطفلة وهي لا تملك اي ورقة رسمية ولا تعرف اي شيء عن زوجها الذي لا يزال مختفيا؟.
المادة العاشرة ... العفو العام
القاضي عويد الذهب قاضي الاحوال الشخصية في الاعظمية يشدد في حديثه لـ"المدى " ان الزواج خارج المحكمة يعتبر جنحة يترتب على صاحبها احالته الى التحقيق ويغرم بمبلغ 250 الف دينار كحد اعلى فيما اذا حاول ان يصدق العقد الخارجي .
الذهب الذي رفض اكثر من مرة الحديث للصحافة نظرا لتلقيه خطابات تهديد بالقتل ويخشى الظهور في الاعلام ، يؤكد ان المادة العاشرة من قانون العقوبات العراقي لا تسمح باجراء العقود خارج المحكمة وتعتبرها امرا مخالفا للقانون تترتب عليه عقوبة قانونية ، لافتا ان البعض يستغل العفو الاول الصادر عام 2008 بحق كل الجرائم في وضع تاريخ قديم على العقد الخارجي لكي يحميه من العقوبة القانونية.
قاضي الاحوال الشخصية يشير الى ان بعض الذين يقومون بالزواج خارج اطار المحكمة يضطرون الى اظهار العقود ويحاولون تصديقها بعد ان يصبح لديهم طفل ويحتاج الى هوية واثبات نسب ، وهنا كما يقول الذهب " تظهر الحاجة الى ان يقف الزوج و يعترف بانه تزوج عند احد المكاتب الشرعية وهو يتحمل كل التبعات القانونية من اجل الحصول على تصديق لوثيقة الزواج" .
الزواج حسب تعريف قانون الاحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في المادة 3 هو عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا وغايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل ويشترط فيه الرضا (الإيجاب والقبول) واوجب القانون في المادة العاشرة منه تسجيل عقد الزواج لدى محكمة الأحوال الشخصية وفرض عقوبات جزائية تصل للحبس مدة سنة على كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة الشرعية وتصل للحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات لمن عقد خارج المحكمة زواجا آخر مع قيام الزوجة وأعطى الحق للمحكمة الشرعية بتحريك الدعوى الجزائية ما يدل على ان القانون فرض حماية يمكن وصفها بالكافية الا ان هناك من يرى ان التطبيق القضائي المتسامح جدا مع هذه الحالات ادى الى انتشار عقد السيد أو الشيخ بشكل كبير ما ادى بحسب رأيهم الى اختلاط
الأنساب ، وضياع حقوق الكثير من النساء ويثبت رأيهم هذا كثرة دعاوى إثبات الزواج و النسب امام المحاكم ، هذا فضلا عن حالات الطلاق التي تجري خارج المحكمة وما تسببه من آثار اجتماعية خطيرة لاسيما على الأطفال .
والزواج خارج المحكمة يعني أن يلجأ الزوج والزوجة الى ابرام عقد زواجهما خارج المحكمة المختصة بإبرام وتوثيق عقود الزواج وعلى يد رجل الدين فيقوم الأخير بالتحقق من أركان العقد ومدى استيفائه للشروط الشرعية فيبرم عقد زواجمها طبقا للتعاليم الدينية التي لا دخل للمشرع الوضعي فيها ، وجدير بالذكر هنا هو ان عدم استيفاء الزواج الخارجي للشروط القانونية والقيود الوضعية التي سنها المشرع الوضعي لا يخل بصحة الزواج من الناحية الشرعية.
برغم ما يترتب على ذلك الزواج من أثر قانوني كالعقاب مثلا. فالمتزوج خارج المحكمة لا يتعمد اتيان فعل محضور شرعا وانما يقدم على فعل الزواج دون اتباع الخطوات المرسومة له من حيث الشكل والتنظيم من المشرع الوضعي.
كما يترتب على عقد الزواج حقوق والتزامات خطيرة في حياة الزوجين، ويمتد أحيانا كثيرة إلى ورثتهما من بعدهما نتيجة هذه الرابطة المقدسة، لذا اشترط المشرع في قانون الأحوال الشخصية العراقي وفي المادة العاشرة الفقرة (5) منه أن يتم عقد الزواج داخل محكمة الأحوال الشخصية المختصة وأن يسجل بسجلاتها الرسمية الخاصة وبدون رسم ، ورتب عقابا على من يخالف ذلك . ولعل من جملة ما يهدف إليه المشرع من النص المذكور هو توثيق الرابطة الزوجية وتجنب القضاء الخوض في إجراءات إثبات عقد الزواج ونسب الأولاد الى أبويهم وحماية حقوق الطرفين وواجباتهما، كما أن الزواج داخل المحكمة يمنع حالات الزواج بالإكراه او تزويج بعض الأولياء بناتهم في سن لا تؤهلهن للزواج إضافة إلى حضر الزواج لأكثر من واحدة الا بإذن من القاضي - صاحب الولاية العامة – والذي أنيط به التحقق من شروط الكفاية المالية وتوافر المصلحة وإمكانية العدل بين الزوجات من عدمه (المادة 3/ فقرة 4 و 5 أحوال شخصية ) وأخيرا التثبت من سلامة الزوجين من الأمراض السارية والموانع الصحية . وقد سهلت الفقرات ا و 2 و 3/ من المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية اجراءات التسجيل بأن جعلته بدون رسم وتسجيل العقد في سجل خاص يدون فيها ملخص العقد واسم الزوجين الثلاثي وعمرهما ومقدار المهر ويوقع بإمضاء العاقدين أو وكيليهما وبحضور القاضي ويوثق من قبله ويشهد على ذلك شاهدان معتبران وبعد ذلك تعطى للزوجين حجة بذلك.
قصص ما بعد الزواج الخارجي
كثيرة ومختلفة باختلاف الفئات والطبقات الاجتماعية ودرجة التعلم والثقافة ، فامرأة أخرى في متوسط العمر تشكو من مستقبلها المجهول الذي ينتظر أطفالها بعد طلاقها وعدم حصولها على حقوقها الزوجية كما هو الحال في حالات الطلاق التي تجري في المحاكم والسبب عقد زواجها خارج المحكمة . وتضيف المرأة : " زواجي خارج المحكمة كان خطا فادحا وعلى الرغم من ان عقد الزواج تم تصديقه بعد فترة في المحكمة الا اني لم احصل على حقوقي الكاملة عند تطليقي سوى مبلغ شهري مقداره 80  ألف دينار لا يكفي مصروفا يوميا للاطفال ، اما المهر الغائب فلم احصل منه سوى على مبلغ 100 الف دينار بعد تقييمه بالذهب".
ولم تكن  ( س . م ) تختلف عن المرأة التي سبقتها كونها أقدمت هي الأخرى على الزواج خارج المحكمة بعد ان أقنعها زوجها الذي اختارها زوجة ثانية له " ان هذا الاجراء شكلي ومن خلاله يمكن ان نصدقه امام المحكمة ونضع الجميع أمام الامر الواقع" كما تقول " الا ان الواقع الموعود بات يمثل لها كابوسا بعد ان اخذ زوجها يماطل في إجراءات تصديق عقد زواجهما في المحكمة خوفا من العقوبة كما يدعي".
ويرى فاروق الطائي رئيس هيئة السلوك المهني للمحامين في الاعظمية ان الزواج خارج المحكمة عادة ما يكون بسبب صغر سن المرأة ، حيث ينبغي ان تكون قد تجاوزت الثامنة عشر ، او الخمسة عشر مع وليها حتى يحق لها الزواج .
ويعتقد الطائي في كلامه مع " المدى " ان الزواج الثاني للرجل هو السبب الاخر الذي يدفع البعض للزواج خارج الاطر القانونية ، وهو ما يعتبره خطأ كبيرا لاسيما ان المحاكم تطلب موافقة الزوجة الاولى قبل عقد القران ، وتبحث المحكمة في امكانيات الزوج المادية والصحية .
فيما يجد المحامي حميد البياتي في كلامه مع " المدى" ان يعطى الحق للرجل في الزواج من امرأة ثانية دون الرجوع الى اذن الاولى.
البياتي  ينطلق في مطالبته بإلغاء هذا الشرط بسبب الظروف السيئة التي تمر بها البلاد نتيجة الحروب التي خلفت عددا من الارامل والايتام الذين يحتاجون الى رعاية لن تتحقق الا بوجود زوج يأخذ على عاتقه مسؤولية الزوجة واطفالها.
مكاتب الزواج وتصديق العقود
سؤال ملح كان يراودنا طيلة اعداد هذا التحقيق : ما وصف المكاتب الخارجية التي تبرم عقود الزواج ؟ القاضي الذهب يؤكد ان تلك المكاتب هي شرعية دينية  ولا تملك صفة قانونية ، الا ان البعض من اصحابها قد يلتحق بدورة ويخضع لامتحان بعد ان يقدم شهادته الجامعية الى محكمة الاستئناف في بغداد ليكون خبيرا قانونيا ، لافتا " لكن لا يحق له ان يصدق عقود الزواج او الطلاق في كل الاحوال".
فيما لم يعتبر كريم الانصاري صاحب مكتب الشريعة في منطقة الكاظمية ان يكون شرط الخبير حاصلا على الشهادة الجامعية .
الأنصاري أكد لـ "المدى " انه لا يقوم بعقد القران بين الأزواج الا في حالة التأكد من هوية الأحوال الشخصية ويأخذ نسخا مصورة يحتفظ بها في سجلاته الخاصة ، ويدون فيها كل المعلومات وبصمة اليد . مشددا انه غير معني بتصديق الوثيقة التي يصدرها وانما هو يعقد القران وفق الشروط الدينية .
من جانب اخر يشير الى انه ينصح الجميع بالذهاب الى المحكمة واجراء عقد قانوني للحفاظ على الحقوق لكلا الطرفين ، لكنه يرى ان البعض يتجه الى المكاتب الخارجية نظرا لاعتقاد الجمهور ان الصيغة الشرعية غير متوفرة في المحكمة.
بالمقابل ينفي قاضي الاحوال الشخصية في الاعظمية عدم وجود الجانب الشرعي ، مؤكدا ان قانون الاحوال الشخصية العراقي مستمد وبصورة اساسية من الدين الاسلامي ، وان الصيغة المقروءة في عقد القران هي شرعية وقانونية في آن واحد.
فيما لم يخف حسن الحسني صاحب مكتب لاجراء عقود الزواج وجود بعض الاشخاص ممن يسيئون الى المهنة ويبغون المنفعة والربح بدل تحقيق الخير.
الحسني شدد في حديثه مع "المدى " انه صاحب خبرة ولا يقتنع بسهولة بكلام الزوجين اثناء طلبهما اجراء عقد زواج ، ويتأكد مرارا وتكرارا من وضعهما الاجتماعي فيما لو كانا متزوجين او ان المرأة وضعها غير عادي ، مشيرا انه يرفض تزويج الكثير حينما يشعر بانهم غير "واضحين في طلبهما" على حد قوله .
الإجراءات الروتينية المطولة
في المحاكم قد تشكل جانبا آخر، من لجوء البعض الى الزواج خارج الإجراءات المعقدة ، كما يقول حسن ماجد الذي فضل ان يتزوج خارج المحكمة ، لأنه وجد الإجراءات طويلة ، والرشوى تلعب الدور الرئيسي في اتمام عقود الزواج ، والا سيحتاج الى ايام ليكمل المعاملة.
من جانبه يؤكد القاضي محمد الذهب ان المحكمة حسب تعليمات من محاكم الاستئناف اصدرت امرا في منع المحامين في ترويج معاملات الزواج ، لانهم على حد تعبيره يخدعون المواطن بتعقيد الاجراءات من اجل الحصول على اجور ، لافتا ان كل المعاملات والأوراق تباع مجانا في داخل المحكمة ، بينما كانت استمارة الزواج تباع من قبل بعض المحامين بخمسة الاف دينار .
وتتفق المحامية ميسون القيسي ان بعض الاجراءات الروتينية قد تمنع البعض من المجيء الى المحكمة ، لكنها في كلامها مع " المدى " أكدت ان الاجراءات اصبحت مخففة الان بعد ازالة شرط الحصول على صورة القيد للزوجين ، والاستعاضة عنها بتعهد يكتبه الطرفان ان المعلومات الواردة في هوية الاحوال المدنية صحيحة ، وعكس ذلك يتحملان التبعة القانونية .وتؤكد القيسي ان 75 % من عقود الزواج اليوم تجري خارج المحكمة.
كما حمل احد كتاب العرائض بعض المحامين وزملاء المهنة في تعقيد الاجراءات امام الرامين لاجراء عقود الزواج من اجل الحصول على اموال.عباس السامرائي الذي يضع طاولة حديدية تتوسطها طابعة وأوراق تحميهم مظلة، ويكتب على واجهة مكانه "عقود زواج....كلشي وكلاشي "، قال ان الإجراءات الجديدة بسيطة ، فبمجرد الحصول على ورقة من المحكمة لفحص الدم يتم العقد بعد ثلاثة ايام بعد ان تخرج نتيجة الفحص ، والأمر لا يستحق توكيل محام .

  كتب بتأريخ :  الخميس 19-04-2012     عدد القراء :  2338       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced