عينكم على قانون الانتخابات!
بقلم : مشرق عباس
العودة الى صفحة المقالات


لا يكاد أحد يفكر بـ "قانون الانتخابات" بل أن مواجهات السياسيين وتسابق البرلمانيين إلى استعراض إمكاناتهم في توجيه الشتائم وردها وتدليس الحقائق ونسيان الوظيفة الأساسية لهم في تشريع كم هائل من القوانين المؤجلة التي تشكل عصب الدولة ومستقبلها ، واستدراج وسائل الإعلام إلى فخ المناكفات السياسية.
الحديث عن "قانون الانتخابات" ليس مبكراً كما قد يدعي البعض ، بل هو متأخر جداً ، لأن الطبقة السياسية المنتشرة اليوم نجحت في تحويل آليات الانتخاب إلى مناسبة موسمية خاضعة لظروف الأحزاب نفسها ، ما يستدعي في كل مرة إعداد قانون جديد يتلاءم مع توافقات القوى ، التي بدورها ستختلف على كل شيء لكنها تتفق في النهاية على قانون انتخابي يضمن بقاءها في مواقعها.
عندما جربنا قانون انتخابات العام 2005 بدائرة واحدة وقائمة مغلقة واحدة كانت القوى المكوناتية بمعرض ترسيخ وجودها كممثلة للمكونات الثلاث الرئيسية (سنة وشيعة وكرد) ، وكان النظام الانتخابي مثالياً لتكريس التمثيل المكوناتي بدقة لكنه يبتلع حقيقتين أساسيتين ، الأولى :إن القانون يدعم التكتلات الكبيرة والزعامات الكبيرة الموجودة على الساحة أصلاً ، والثانية :إن القانون يسلب حق المواطن في اختيار من يمثله كشخص وليس كحزب سياسي.
وعندما ارتأت الأطراف السياسية تغيير القانون مع انتخابات العام 2010 اختارت نظام القائمة شبه المفتوحة وتقسيم العراق إلى 18 دائرة انتخابية حسب المحافظات مع حق خجول باختيار نائب واحد يتيم من بين 325 نائباً.
سلبيات هذا القانون غلبت على إيجابياته ، فسلبت كل إمكانات فوز أحزاب وتجمعات صغيرة ، وتعاظمت سطوة القوى المكوناتية حتى أفرغت البرلمان من أي لون مختلف ، فيما كان الناخب حائراً في آلية انتخاب معقدة وحسابات مرتبكة سمحت بتكدس الأصوات لدى 5 شخصيات سياسية وصعود ثلثي أعضاء البرلمان الحالي من دون استحقاق انتخابي.
وعلى رغم الخلافات المتأصلة في الساحة السياسية إلا أن الأطراف المستفيدة من قانون الانتخابات هي في الحقيقة الأطراف الموجودة في البرلمان وليس خارجه وأنها ستحرص بالضرورة على إدامة هذا الوجود عبر قانون انتخابات العام 2014.
الواقع إن قانون الانتخابات ليس قماشة تفصلها الأحزاب في كل مرة على قياسها ، بل أن الكثير من دساتير العالم تضمنت تثبيت قوانين الانتخابات في نصوصها للسماح بفرص متساوية على المدى البعيد.
واليوم مازال التساؤل مطروحاً عن أسباب توافق القوى السياسية العراقية على إبقاء قضية اختيار قانون ثابت وواضح وعادل للانتخابات العامة وانتخابات المحافظات رهينة توافقات اللحظات الأخيرة ما قبل الانتخابات نفسها.
والتساؤل يعبر إلى منظمات المجتمع المدني والقوى الشعبية ووسائل الإعلام في تمرير هذه "الخديعة" الكبرى على الوعي الشعبي المرتبك.
يحصر الخبراء نوعين من القوانين الانتخابية يتلاءمان أو يقتربان من تغطية ما يسمى "الدول المنقسمة إثنياً وطائفياً" أحدهما يتضمن التمثيل النسبي الذي يسمح بتمثيل ثابت وحسب النسب السكانية للإثنيات المختلفة ، ويدعي أنصار هذا التوجه انه يحسم الخلاف حول الوزن ويخفف حدة الصراع بين المكونات من خلال تطمينها على وجود دائم في قلب السلطة.
والنوع الآخر يفترض عكس ذلك تماماً فيذهب إلى أن حل أزمات الدول المتنوعة إثنياً يكمن في إسهام قانون الانتخابات في فتح باب التحالف الإجباري بينها ليكون وسيلة لتغيير الخطاب الثقافي لهذه الإثنيات ، ما يفرضه تعدد واسع للدوائر الانتخابية من جهة وفرض حصول المرشحين الفائزين على الأغلبية المطلقة من الناخبين ويتطلب من الأحزاب تحالفات مناطقية حتى مع خصومها وبالتالي نمو أحزاب عابرة للطوائف.
الحقيقة إن مفهوم "الانقسام الاجتماعي الإثني أو الديني أو الطائفي" يكاد يكون سمة تجمع الكثير من الدول سواء تلك التي قطعت أشواطاً طويلة في المسيرة الديمقراطية أو الحديثة العهد بهذه المسيرة.
واختيار النظام الانتخابي الملائم لأي بلد يعاني الانقسام يتطلب دراسات تتجاوز خبرة برلماننا الحالي أو الذي سبقه ، ويستدعي دراسات مستفيضة ترتبط بتحديد فلسفة الدولة وغاياتها.
فإذا كانت فلسفة العراق تتجه إلى الحفاظ على الانقسامات الحالية في حدود تجنب الصدام ، يجب المضي قدماً نحو اختيار نظام انتخابي يطمئن الكيانات الاجتماعية القلقة ، وإذا كانت الفلسفة تذهب إلى تجسير الانقسامات وترسيخ قيم التعايش خارج مفهوم المكون ، فإن من الضروري تبني نظام انتخابي يمثل تلك الفلسفة.
ولا تجنٍ في القول إن قوانين الانتخابات التي شهدها العراق سواء على مستوى الحكومات المحلية أو البرلمان ، كانت تمثل على الدوام فلسفة الأحزاب القائمة والموجودة ومصالحها حسب.
ومن دلالات هذا الاعتقاد أن القوى السياسية مازالت منذ نحو 6 سنوات متفقة على عدم إجراء الإحصاء السكاني الشامل الذي يمكن على أساسه فقط تنظيم آلية انتخابات تشكل التمثيل الأكثر صدقية للناخب ، وتحميلها محافظة عراقية واحدة هي "كركوك" جريرة هذا التأخير غير المبرر.
أعيننا يجب أن تتركز في هذه المرحلة على قانون الانتخابات ، يجب سحب بساط التضليل من القوى السياسية ، عبر شروع المنظمات المدنية والقانونية والدستورية ووسائل الإعلام المختلفة دون تأجيل بمناقشة أفضل الصيغ المتاحة للقوانين الانتخابية.
ولكن قبل كل ذلك يجب التمعن بقاعدتين أساسيتين تشكلان أصل تمسك الأحزاب الحالية بتمييع قضية اختيار قانون انتخابات دائم :
الأولى : إن توسيع نطاق الدوائر الانتخابية لتتكون كل محافظة من 3 دوائر أو أكثر وتصل في بغداد إلى 10 دوائر سيكون المدخل الوحيد لتمثيل يمثل علاقة المرشح المباشرة بالناخب ، ما يضطر الأحزاب إلى اختيار مرشحين من سكان الدوائر وذوي السمعة فيها لا القاطنين في المنطقة الخضراء بعيداً عن ناخبيهم. كما أن اختيار القائمة المفتوحة الكاملة لن يكون متاحاً إلا بتوسيع نطاق الدوائر الانتخابية.
والثانية : إن تحديد مفهوم العتبة الانتخابية لتشمل الغالبية المطلقة من الناخبين في كل دائرة ، والسماح بجولات الإعادة لحسم الترشيح ، سيضمن عدم تحول أصوات المرشحين الخاسرين إلى الفائزين من دون إرادة الناخبين أنفسهم ، فجولات الإعادة تسمح بأن يكون الناخب هو الفيصل في الاختيار لا المعادلات الرياضية.
وخلاصة القول ، إن التغاضي المستمر عن بناء أسس الديمقراطية الرصينة التي تشكل الأنظمة الانتخابية الممثلة للمجتمع جزءاً مهماً منها ، والإبقاء على الأرضية الهشة للتجربة العراقية ، لن يتيح لأحلامنا التوسع إلى ما هو أبعد من دائرة الصراعات والمزايدات المغلقة التي حشرنا بها منذ سنوات عن سبق إصرار وترصد من نخبنا السياسية الحالية.

  كتب بتأريخ :  السبت 19-05-2012     عدد القراء :  1637       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced