احداث كركوك والموصل
بقلم : همام عبد الغني
العودة الى صفحة المقالات

مرةً اخرى يطلق البعض النغمة النشاز , نغمة " مجازر كركوك والموصل " , والتي كانت بداية الهجوم الكبير على ثورة 14 تموز 1958 الوطنية وقيادتها ومكاسبها الكبيرة رغم قصر عمرها المجيد الذي لم يتجاوز الخمس سنوات , ذلك الهجوم الذي انتهى بانتصار الردة السوداءفي 8 شباط 1963 . لقد كانت هذه الأصوات المبحوحة وما زالت , تحاول الصاق ما حدث في تلك الأيام بالحزب الشيوعي العراقي , وهم يرددون بوعي او لا وعي ادعاءات المتآمرين من عصابات حزب البعث الفاشي وفلول الرجعية المهزومة آنذاك , وابواق المتآمر الأول على ثورة تموز المجيدة , الدكتاتور جمال عبد الناصر , الذي التقت اهدافه واطماعه التوسعية بمخططات القوى الأمبريالية وشركات النفط الأحتكارية .
ان كتابة التاريخ هي ليست تسطير احداث فقط , وانما هي مواقف وانحيازات , ولهذا من الصعوبة ان نجد من يكتب التاريخ بحيادية وتجرد . ان اقرب المؤرخين للحيادية والتجرد هو ذلك الكاتب او المؤرخ الذي يكتب من خارج اطراف الصراع , وليس له موقف مسبق من الأحداث . ولهذا اقول ان خير من كتب عن تاريخ العراق الحديث , هو المؤرخ حنا بطاطو, الذي يعتبر كتابه التاريخي الكبير ( الى شعب العراق ) , من افضل ما قرأتُ من حيث دقة التفاصيل والأستناد الى مصادر متعددة ومتعارضة احياناً للحدث الواحد . ولهذا انصح الأخوة الذين يبحثون عن الحقيقة , والذين ما زالت غشاوة الأعلام الناصري - العفلقي - الرجعي , تشوّه عليهم الرؤيا السليمة , لقراءة هذا السفر الكبير والجهد الرائع الذي بذله المؤرخ المنصف حنا بطاطو , لأنجاز هذا التسجيل الدقيق لمرحلة تاريخية متشابكة ومعقدة من تاريخ العراق الحديث . وحنا بطاطو هو فلسطيني الأصل امريكي الجنسية , واستاذ في عدد من الجامعات الأمريكية
وقد فتحت له الحكومة العراقية وقتذاك كل خزائنها الوثائقية , بما في ذلك مكتبة الأمن العامة التي تحتوي وثائق لا توجد لدى جهة بحثية او جامعية . يؤكد بطاطو وهو يتحدث  عن احداث
  الموصل , تدخل الجهات المصرية من خلال سوريا آنذاك , بمد المتآمرين بالسلاح واذاعة محلية و تسخير الأعلام المصري السوري لدعمهم . كما يقول عن الأحداث , ان عددالضحايا من الشيوعين وانصارهم 110 قتلى , وعدد الضحايا من انصار الشواف القومين والبعثيين هو 30 قتيلاً ويستند بذلك الى تقرير الشرطة والأمن في الموصل , ويتسائل : مَن جَزَرَ مَن ؟ , وكان من بين ضحايا الشيوعيين وشهدائهم , الشخصية الوطنية البارزة كامل قزانجي والمحامي الشيوعي البارز توفيق منير .
التقيتُ في سجن نقرة السلمان عام 1966 بأحد سجناء احداث الموصل يدعا سيد حسين , وهو رجل في منتصف الأربعينات من العمر , حكم عليه بالسجن عشرين عاماً , وهو انسان بسيط لا علاقة له بالسياسة والشيوعية , سألته عن تهمته , فقال : كنت مع التظاهرات التي خرجت لمواجهة المتآمرين , لم احمل سلاحاً , ولم اقتل احداً , لكنني وجدت جثة قتيل في احد الأزقة , فربطتُ بها حبلاً وسحلتها في الشارع , وقد اعترض علي بعض الشيوعيين في الشارع ومنعوني , وكنت اجيبهم ( واجب وطني ...ابني ) , ويواصل سيد حسين قائلاً , وبعد ان انطلت الأكاذيب على الزعيم , واعتقل القادة الشيوعيين في الموصل , شهد عليَ بعض من كان في الشارع , وحيثُ انني لستُ شيوعياً فلم يحكموا علي بالأعدام , وتراني هنا بعشرين عاماً . وحُسِبَ سيد حسين على الحزب الشيوعي !. ويقول حنا بطاطو , ان بعض صور القتلى التي عُرضت على عبد الكريم قاسم , لم تكن لعراقيين بل كان بعضها من جرائم الأستعمار الفرنسي في الجزائر .
وعن احداث كركوك , يقول حنا بطاطو , ان احداث كركوك هي نتيجة للعداء التاريخي بين التركمان والأكراد في هذه المدينة متعددة الأعراق , وحيث ان الحزب الشيوعي يتمتع بنفوذ واسع بين الكراد وان القمويين والبعثيين لديهم نفوذ بين التركمان , وخصوصاً الطورانيين منهم , ولهذا وقع الأصطدام في احتفالات 14 تموز 1959 , بعد تظاهرة تركمانية استفزازية , اصر منظموها ان تمرَ في المنطقة الكردية . وياتي بطاطو بإثباتات من دوائر الشرطة في كركوك وبيانات اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في كركوك, والتي تدعو للهدوء وتجنب الأحتكاك , وكذلك الأوامر التي اصدرها الزعيم الركن داودالجنابي قائد الفرقة الثانية في كركوك , وهو شيوعي أُعدم بعد انقلاب شباط , لتجنب الأصطدام , إلا ان مخطط المتآمرين نُفذَ وافشل تلك الدعوات السلمية , وحصلت الأحداث وأتُهم بها الحزب الشيوعي ايضاً .
ان المصادر المتعددة التي اعتمدها حنا بطاطو في كتابه تدعو الى الثقة لأن الكثير منها من اعداء الحزب الشيوعي العراقي , كالشرطة والأمن العراقيين اللذين تربيا على معاداة الشيوعية .
واخيراً اقول لأخوتي المندائيين ممن يناصبون الشيوعية العداء , ان اطلعوا قبل ان تحكموا , اذا كنتم تبحثون عن الحقيقة حقاً , فمن يبحث عن الحقيقة ينبغي ان يتجنب المواقف المسبقة والمحددة سلفاً . وأسالهم باخلاص اين مصلحتنا في معاداة الشيوعية ؟ واين وصل اعداء الشيوعية على مر التاريخ ؟! ,انني لا اتمنى لأي مندائي , ان يختار هذا الطريق الوعر , الذي لم يوصل احداً الى موقع محترم في نظر الناس , او في قرارة نفسه حين يخلو بها لتقويم مواقفه .
وتقبلوا تحياتي

  كتب بتأريخ :  الخميس 31-05-2012     عدد القراء :  5884       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced