سيرة وطن.. وأحلام شعب
بقلم : علي حسين
العودة الى صفحة المقالات

الشاعر الساخر والصحفي الملا عبود الكرخي، ظاهرة قلما تتكرر في عالم الشعر، ودنيا القلم والكتابة، فقد عاش رحلة طويلة بمفارقاتها وصراعاتها، فاستطاع من خلالها الغوص إلى قاع المجتمع حيث البسطاء من الناس وهموم الحياة واللهاث وراء أبسط متطلبات الحياة.



هناك كثيرون من الشعراء والكتاب يعيشون حياتهم العادية، لكنهم عندما يكتبون فإنهم ينفصلون عن الحياة ويعتكفون من أجل الكتابة.. والكرخي لم يفعل ذلك أبداً.
كان يكتب وهو يعيش فلم يكن أدبه نابعاً من الحياة كما يقال.. أنه الحياة نفسها، تلك الحياة التي عاشها واكتوى بنارها، لم يعرف الهدوء والعزلة أو الأبواب المغلقة والنوافذ المسدودة، فالحياة عنده لا فرق فيها بين البيت والشارع أو بين العمل والعلاقات الإنسانية المختلفة.
كان محباً للحياة بلا حساب، ومحباً للشعر والصحافة، لا تعرف إن كان يعشق الشعر من أجل الصحافة أم يبرع في الصحافة من أجل الشعر. ظريفاً آسر الحضور إذا ضحك، وآسر الحضور إذا غضب، يغادر المكان إذا ثار، ثم لا يلبث أن يعود، ساخرا من نفسه ومن الآخرين.
دخل عالم الصحافة أكثر من مرة وخرج منه أكثر من مرة،  كان يدخله بسبب السياسة، ويخرج منه ايضا بسبب تعنت الساسة.
صنع كل شيء من لا شيء، وعندما نعود اليوم إلى سيرته التي كتبها الصحفي جميل الجبوري وصدرت مؤخرا عن دار المدى، تذهلنا الجرأة التي كان يملكها، والشجاعة التي رافقته، والسخرية التي رفعها شعارا في وجه الجميع، بدأ حياته صبيا يرافق القوافل التجارية، لكنه قرر أن يصبح صحافياً، لم يتوقف رغم أن الحكومة أغلقت له خمس صحف، أنشأ صحيفة من غرفة صغيرة، وجعلها ساخرة بدل أن تكون صحيفة عادية، وكان يملؤها بنفسه، الأشعار، والافتتاحيات السياسية الجريئة، من دون أي عقد، استقطب كبار الكتاب والصحافيين: الرصافي، راجي العسكري محمد امين عزت، بقي مخلصاً للعراق البلد، ومخاصما للعراق الحكومات طوال عمره، كان له أسلوب في الحضور والحياة وأسلوبه في الكتابة. وظلت أشعاره لوحات أدبية وسياسية متفردة، خليطا من الأدب والسياسة والنقد والسخرية، وقاسما مشتركا واحدا هو حب الوطن.
عاصر حربين عالميتين، وكان شاهد عيان على أحداث وسنوات جسام، ظل فيها حاضراً بشكل يومي ليصبح وبجدارة ضمير شعب بكامله، من خلال قصائد ساخرة أصبحت ملاذ الناس ومضرب أمثالهم .
في بدايات القرن الماضي عندما لم يجد الكرخي في مجلس النواب حينذاك، من يمثل الشعب بشكل صادق وحقيقي، كتب فيهم قصيدة أصبحت مثلاً حتى يومنا الحاضر عنوانها " قيّم الركَاع من ديرة عفج" يقول:
برلمان أهل المحابس والمدس .. عكّب ما جانوا يدورون الفلس
هسة هم يرتشي وهم يختلس .. ولو نقص من راتبه سنت انعقج
قيم الركاع من ديرة عفج
وهي قصيدة مؤثرة لأنها وإن عبرت عن مرحلتها، فإنما تعبر بصدق عما يسود الأجواء التي نعيشها الآن.
لقد استطاع الكرخي أن يحول المعارضة إلى سخرية من الفساد والحكام المستبدين والخارجين على الخط، بمفرده امتلك قدرات لفظية وعقلية ما زلنا نعيش عليها، ولهذا وجدت كتاباته استجابة عند كل الناس، حيث لمست قلوبهم وخيالهم وفكرهم.
قال عنه صديقه الرصافي "يخطئ من يظن أن الكرخي سليط اللسان.. إنه سليط العقل والذكاء".
وكتب عنه الشاعر علي الشرقي: "لما تصفحت ديوان الكرخي وجدتني قد تصفحت العراق كله. فها أنا اتجول بين شوارعه ونواديه ومسارحه ومقاهيه في ريفه وحواضره، اسمع الحوار السياسي والاجتماعي واللوعة والصبر وابتسامة الأمل، واسمع أنة الألم بلغة عراقية"،
في هذه الأيام العصيبة يذكرنا جميل الجبوري بكبير الساخرين وجليس الضعفاء ونتذكر معه بسمة الكرخي على وجوه الفقراء فقد، عاش حياته بسيطا يدافع عن الضعفاء، لم يقف على ابواب الحكام يستجدي العطف والمال.
رحمك الله يا عمنا عبود الكرخي فما زلنا نبحث عن ركاع لديرة عفج.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 04-06-2012     عدد القراء :  2026       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced