لقاء في سياقات السياسة
بقلم : جاسم الحلفي
العودة الى صفحة المقالات

حذر الحزب الشيوعي العراقي من تداعيات الازمة ومخاطرها، منذ بدأت نتائج انتخابات آذار2010 تثير الشكوك، واستعصى تشكيل الحكومة الحالية. وطرح الحزب انذاك ايضا فكرة الانتخابات المبكرة، كوسيلة لمعالجة الوضع الناشيء عبر "اعادة الامانة" الى اصحابها المواطنين - الناخبين، ليقولوا كلمتهم الفصل في عملية انتخابية جديدة، متكاملة الشروط. ما يعني تأمين سجل للناخبين ينطلق من احصاء سكاني دقيق يتوجب اجراؤه، ويضمن مبدأ "صوت واحد للناخب الواحد"، كما يعني تشريع قانون انتخابات ديمقراطي منصف، يعتمد مبدأ الـ "اصوات متساوية القيم"، يعالج ايضا تنظيم الحملات الانتخابية، ويحدد سقف تمويلها وأوجه الصرف فيها، ويرسي الاساس لإدارة انتخابية مستقلة حقا وفعلا، وبعيدة عن المحاصصة الطائفية والاثنية والولاءات الحزبية، وإقرار قانون ديمقراطي للأحزاب.  يضاف الى ذلك توفير المستلزمات اللوجستية، الكفيلة بسد الثغرات والنواقص التي رافقت العمليات الانتخابية السابقة.

غير ان الاطراف المتنفذة تجاهلت، للأسف، هذا الذي طرحه حزبنا، ولم تلتفت الى الحل الدستوري والعملي الذي يقترحه لمعالجة الازمة، لا سيما وأنه يستهدف تجاوز المحاصصة الطائفية والاثنية. وبدلا من ذلك انشغلت بالتحاصص وتقاسم المناصب والمواقع في السلطة والدولة، وبمنطق توزيع الغنائم في الحروب الغابرة. فيما صوب البعض منها سهام النقد غير الموضوعي الى مقترح الحزب هذا، مدعين ان عدم حصول الحزب على مقاعد في البرلمان الجديد، هو ما يقف وراءه. متغافلين عن حقيقة ان الحزب حصل على مقاعد بالفعل، لولا ان المحكمة الاتحادية اجلت تنفيذ قرارها الذي قضى ببطلان التعديل على قانون الانتخابات.

ولقد جدد الحزب دعوته لإجراء الانتخابات المبكرة واعاد طرحها مرات لاحقا، مع  تعمق الازمة واشتداد عواقبها  بالنسبة الى المواطنين ومعيشتهم. لكنه لم يكتف بها، بل ان عقله الجماعي انشغل بالتفكير في شتى المخارج الممكنة للازمة، وتوقف حتى امام عوامل تهدئتها الوقتية. وفي هذا الاطار طرح فكرة الحوار الوطني الشامل، مقترحا تكليله بمؤتمر وطني واسع تسهم فيه كل القوى المشتركة في العملية السياسية، دون إقصاء او تهميش، ويتم التحضير له جيدا، وتهيأ له مستلزمات النجاح. وهذا يتضمن اجراء جولات من اللقاءات التي تساعد في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء،  وتوفير الاجواء المناسبة لاطلاق الحوار، واعداد جدول عمل المؤتمر بما يضمن بحث الملفات ذات الاولوية في التوصل الى حل الأزمة، وان لا يستثنى منها ملف الخدمات وتلك التي تمس امن المواطنين وحياتهم ومعيشتهم.

من هذه المنطلقات خرج الحزب في الخريف الماضي بمبادرته، التي حرص على ايصالها الى جميع القوى السياسية. وقد لبى معظمها دعوته الى لقاءات ثنائية لمناقشة المبادرة، باستثناء طرفين لم يستجيبا، هما السيدان رئيس مجلس الوزراء ورئيس القائمة العراقية. وطرحت المبادرة  امام الرأي العام ايضا، وتناقلتها وسائل الإعلام، وجاء ذلك في وقت ساد فيه خطاب التوتر والمناكدة وتبادل الاتهامات بين القوى المتنفذة، مما خلق جوا مشحونا بالاستفزاز والاحتقان.

من جانب آخر واصل الحزب نشاطه السياسي العام، وساهم في الحراك الجماهيري، وكان ضمن القوى الرئيسية في حركة الاحتجاج المطالبة بإصلاح العملية السياسية بالطرق السلمية والدستورية. كما انشغل بالحركة المطلبية التي اتسعت افقيا وقطاعيا، مطالبا بتحسين الاوضاع المعيشية والحياتية للمواطنين. وجرى التأكيد في خضم هذه النشاطات جميعا،  ان الاصلاح الحقيقي يتطلب انهاء المحاصصة الطائفية الاثنية، وإقامة دولة المواطنة المتساوية، دولة الخدمات والضمانات الاجتماعية والصحية والتعليمية، الخدمات والضمانات التي عجزت السلطات الحكومية عن تأمينها، في ظل الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والتمترس في مفاصلها.

لقد وجدت مواقف الحزب ونشاطاته المذكورة تفهما وتعاطفا من جانب الرأي العام في بلادنا، واعرب كثيرون عن ارتياحهم لسياسته العقلانية وخطابه السياسي المسؤول، الذي يضع الامور في نصابها، ويوضح مسببات الازمة ويطرح الحلول لها. ولم تثن المداهمات التي تعرضت لها مقراته، واعتقال ناشطيه ومراقبة تحركاتهم، ولا مساعي البعض للنيل منه اعلاميا، وتشويه مواقفه، والتشكيك في سياسته، لم تثن الحزب عن القاء المزيد من الاضواء على خطورة الازمة التي تلف البلاد، والتنبيه الى تداعياتها، والتحذير من تأثيراتها السلبية على حياة المواطنين ومعيشتهم.

وترك الحزب الباب مفتوحا للقاء مع اطراف الأزمة من القوى المتنفذة كافة، لا سيما وان مؤتمره الوطني التاسع (ايار 2012) شدد على مواصلة الجهود من اجل الخروج بالبلاد من طوق الازمة المستعصية.
وفي هذا السياق جاء لقاء وفد الحزب الشيوعي العراقي اخيرا مع السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء، حيث بيّن رؤية الحزب للازمة وكيفية تجاوزها، مؤكدا مسؤولية رئيس الوزراء الكبيرة عنها، كونه يتحمل المسؤولية التنفيذية الاولى في الدولة، ومشددا على ضرورة الحل الدستوري، ومعالجة القضايا الكبرى حسب اهميتها، ومن بينها ملف الاعمار والخدمات، اضافة الى تقديم التنازلات المتقابلة، ووقف حالة التدهور، وغلق المنافذ في وجه التدخلات الاقليمية والدولية.
وحين تحدث وفد الحزب بوضوح تام عن ذلك، فانه لم يقع ضحية التوهم ان الازمة سببها شخص واحد، مهما كان موقع هذا الشخص، انما هي مسؤولية كل القوى المتنفذة في العراق، كل حسب حجمه وموقعه وتأثيره،  الى جانب القوى الاقليمية والدولية الساعية الى تأمين  مصالحها الخاصة على حساب مصالح الشعب العراقي.

وأكد الوفد كذلك رأي الحزب بضرورة اجراء الانتخابات المبكرة، وعدم اضاعة الوقت. فالوقت ليس محايدا، والمواطنون لا يصبرون على الضيم ونقص الخدمات الى ما لا نهاية، ولا بد ان يقولوا كلمتهم، وقد يأتي ذلك بفعل يصعب حساب نتائجه.
من جانبه شرح السيد رئيس الوزراء تصوراته حول اسباب الأزمة، التي لا تتطابق  بالضرورة مع تصورات الحزب. كذلك منطلقاته في الدعوة الى الانتخابات المبكرة، التي نأمل ان تكون مغايرة لمنطلقات الآخرين، الذين قالوا ايضا بالانتخابات المبكرة، من دون ان تتحرك كتلهم البرلمانية في اتجاه تأمين مستلزماتها.
وفي مطلق الاحوال يظل الحزب يراهن على الشعب العراقي، فهو صاحب المصلحة الحقيقية في استعادة الامن والاستقرار، وهو الاحوج الى الخدمات والاعمار والتنمية، وهو الذي يقول كلمته سلميا وعبر الطرق الدستورية والديمقراطية.
كما ويعلق الحزب الآمال على تطور نشاط التيار الديمقراطي واستكمال بناء اطاره، وانهاض حركته، ومد أفقه، وتوسيع اتصالاته، كي يجمع كل القوى التي تؤمن بالديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية، الى جانب القوى الوسطية والمعتدلة الحريصة على استقرار العراق وحفظ كرامته. فالتيار الديمقراطي هو الاطار الذي يتجاوز المحاصصة الطائفية والاثنية، والذي يمتد الى جميع محافظات العراق، بعيدا عن الانتماءات الطائفية والاثنية والمناطقية، بل هو الذي يؤكد الهوية الوطنية العراقية، الى جانل احترام الهويات الفرعية، التي تثري التنوع في اطار الوحدة، وتعزز هذه الوحدة وترسخها.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 13-07-2012     عدد القراء :  1505       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced