كل صباح اذهب فيه للعمل، أمر بمحل بيع الفطور بالقرب من موقف الباص، هي سندويجة البيض وأخرى بالجبن، وفي حقيبتي حاوية الشاي التي أعددتها بنفسي، فالشاي العراقي لا يعلى عليه. في ركن صغير من المحل يجلس كل يوم رجل عجوز تأتي الى طاولته سيدة مسنة تشاطره القهوة، السيدة متبرجة على أكمل وجه، الشعر مصفف، والابتسامة تشرق من وجهها كانها قادمة على جديد لم تعيشه من قبل، الرجل لا يبدو مقبلاً على الحياة، فهو كثير التدخين ولديه زيادة في الوزن أكثر من المقبول، في اغلب الأيام أشاهد السيدة تتكلم أكثر من الرجل، وتشع من وجهها الابتسامة، يبدو الحديث من جانب واحد، لكن هذا لا يعني أن الرجل صامت دائماً، في احد المرات شاهدته يقبل يد السيدة ويقول لها أنها تشبه الزهرة المتفتحة. في هذا الصباح لم يأتي الرجل العجوز ولا السيدة الى ذلك الركن، هذا ما لفت انتباهي، اشتريت سندويج البيض والجبن كما هي عادتي، وفي يدي الحقيبة مع حاوية الشاي، وقررت الخروج، لكن صوتاً ما في داخلي دفعني للسؤال عن هذا الثنائي، فعدت الى البائعة لاسألها عنهما، جائني الجواب أن الرجل قد مات والسيدة اخذت باقة ورد لتزور قبره، وستعود الساعة الثامنة لتناول قهوتها.
خرجت من المحل لاشاهد طلاب المدرسة يملؤون محطة وقوف الباص، منهم من يكلم زميلته ومنهم من يجري خلف زميله ومنهم لا يزال النوم مرسوم على جفنيه. تذكرت والدي عندما كان يحضر لنا الصمون قبل ذهابنا الى المدرسة ووالدتي وهي تعد لنا الفطور، تذكرت أصدقائي الذين رافقوني طريق المدرسة، وتذكرت تلك الفتاة التي كنت اتابعها عندما كنت في عمر المراهقة، شعرها الجميل وهي تحرص أن تتركه ينسدل بدل الظفيرة التقليدية. صور جميلة لا يمكنني نسيانها، ليس لان الحياة كانت على ما يرام، لكننا بني البشر نحب أن نتذكر الجميل ونصبغ به أيامنا التي تساقطت من بين أيدينا. أتمنى أن تكون تلك الفتاة قد تزوجت من تحب، وانجبت كما تريد، وعاشت حياة لا تنتمي الى عقد الثمانينات والتسعينات والالفية الجديدة.
يا ترى هل ستتغير المفردات التي تقود المجتمع العراقي الى المزيد من الروتين القاتل؟ هل سيتوقف الموت الذي مابرح العراق منذ عقود؟ هل ستغيب الكهرباء اللاوطنية عن العراق؟ هل سيشرب العراقيون الماء النظيف؟ هل ستتوفر فرص العمل للشبيبة؟ هل سيعود الفلاحون الى الريف ويتركون المدينة؟ هل سيختفي الفساد المالي والاداري؟ هل تتراجع ثروات الحكام وتنتعش ثروات الفقراء؟؟؟
ما أن جاء الباص وركب الطلاب، حتى خرجت من ذكرياتي وأمنياتي وأسئلتي. انه يوم ككل الايام، لكنه يحمل الكثير من المتغيرات التي لا نلاحظها، فقط الذي لم يتغير أن الارض ما تزال تدور على نفس الوتيرة.
كتب بتأريخ : الإثنين 16-07-2012
عدد القراء : 1609
عدد التعليقات : 0