في الكتابة النسوية..فـي الشـوارع المدلهمـة بالفقـر
بقلم : ياسين طه حافظ
العودة الى صفحة المقالات

(3-3)
بمثل هذا صار الأدب الأنثوي النسوي، لا كل ما تكتبه المرأة كما يظن السذج  من الكتاب، المقصود بالنسوي الآن الكتابات التي تحمل حسا نسويا، أنثويا،  ثوريا، الكتابات التي تحمل بذور التأسيس للحركة النسوية بامتدادها العالمي.  والأدب الأنثوي هو الذي يحمل ميزاته الخاصة والطارئة على المألوف.
هذا هو الجديد، وهذا هو المرحب به في الثقافة التقدمية وهو من الجانب الرجعي والمحافظ، المُنّتقَص والمُتَّهم بأصالة إنتاجه. العيون الذكورية لا تريد أن ترى ما يحصل في العصر. وعوام الثقافة يشككون بجدواه ويشككون بقدرتهن على إنتاجه. هذا ما نسمعه دائما من رعاع الأدب! إن هذا النوع من الكتابة الجديدة ينبع من الذات الأنثوية ومن الامتياز النسوي الذي اجترح قشرةَ العصر وبدأ يعلن أفضليته وجدارته وابتئاسه مما وممن يهيمن:
خلف شهوتها/رجل أعمى/وآخر أحمق!
هذا خطاب نسوي لن يفوه به رجل:
أسبلت طفولتي/جفنيها/ونضت عن القبلات/اثوابَ/حدادِها/وانتصب/سريرُ المعهر!
جيرانداين جوزبري Gerandins Jewsbury تشرح لجين كارلايل Jane Carlyle
نحن ما كشفه تطـور النسوية، النسوية
التي لـم تنتظـم بعـد. إنها لحد مـا،
قوى تكونت توا لتجري وتتخلل المجتمع لكننا ما زلنا ننظر ونحاول ونجدّ. ان قواعد الحاضر الموضوعة للنساء، لن تصدنا بعد اليوم. اننا نحتاج إلى شيء افضل واقوى لحياتنا. وان نساء يأتين وراءنا سيقتربن من اكتمال القانون الذي يليق بطبيعة المرأة. أنا أرى نفسي مجرد أشعار، بداية فكرة لأنواع معينة، لإمكانات أعلى مما تمتلكه المرأة اليوم.
(A literature of their own by Daine Showater p.100)
وما تقوله المؤلفة شوتر في هذا الصدد:
"إن كتابـات النساء تحتاج إلى الحميمية مـع
النساء الأخريات، للإيحاء وللصداقة المتعاطفة..".
هذا الطلب، في رأيي، ليس لإسناد الكتابة ولكن للتعاون على فرز المشاعر المستباحة أو المعتادة ومن اجل التعاون الروحي والجسدي على كشفها- واظنني الآن دخلت في الممنوع!
دوريس لسنج تقول في الدفتر الذهبي The Golden Notebook وهي تخاطب الأنثى:
"بأية الطرق تختلفين؟ هل تقولين لا توجد فنانات من قبل؟ ألا توجد نساء مستقلات؟ ألا توجد نساء يؤكدن على الحرية الجنسية؟ أقول لك: هناك خط طويل من النساء تجاوزنكِ متوغلات في الماضي. عليك البحث عنهن وإيجادهن في نفسك وأن تكوني واعية بهن!".
ولنكمل: اقرئي ما يحتجب في عالمك وطقوسه، اقرئي ما وراء الاحتفالات ونقلك أسيرة في موكب. هي ليست حريتك. هي عبودية ثانية والاحتفال في حقيقته ليس لك. هكذا، مثل هذا، حديث النسوية اليوم. هن يعطين الفرح والحياة لغيرهن ويبقين حزينات في ظلمات الغابة:
إننا نقيم/تحت لحاء الشجر/يعود باخضرار ثوبهِ/منا الربيع/ولا يسمعُ أنيننَا الخجولَ/حارسُ الغابة
لقد تغير الخطاب النسوي. الثورية الآن طاغية فيه والكشف في الشعر وفي الرواية دقيق فاضح وصفته العظيمة، فضيلته المعاصرة، هي الاصطدام مباشرة بالجدار الأسود وهذا الجدار، كما يبدو بدأ يتشقق. العصر يقول ذلك. الفكر الرجعي لن يستطيع الصمود وما يُظهر من مقاومة في طريق الانتهاء مع الأنظمة التي تسنده. وما يبدو ضئيلا في الحياة الشاسعة يحتدم في داخل الأنثى، هذا الداخل الذي دفنت فيه الكثير من الرغبات وأصوات الرفض... ردُّ الفعل الأنثوي اكبر أضعافا من الفعل:
في بيت صغير/فقط/تعرف العاصفة/معنى الأعاصير
الوعي الانثوي يتأزر ووعي العصر ومنجزه الحضاري. والعلم يعمل بقوة لتصحيح وكشف الأكاذيب. سيكولوجيا المرأة معروفة اليوم وسيكولوجيا الرجل والنفعية الذكورية وراء الأنظمة والقوانين الاجتماعية. واستناد البناء الفوقي إلى الاقتصاد يؤكد هذا ولا يقلل من صحته. ونحن تاريخيا، نعرف ان أحداثا فكرية لعبت دورا حاسما في تكوين العقل الجمعي ولها تبنيات وان نتائج تلكم الأفكار الأساسية كانت قابلة للتطبيق وملزمة. وان الأفكار في التطبيق تعمر وتكتسب ديمومة وراء زوال الظروف المنتجة لها. لهذا أورثت من بعد تقاليد وعادات وأعرافا، حتى صارت هذه الثلاثية المريبة مصدرا دائما للقوة السلفية المعيقة للتقدم. قوة الماضي ما تزال فاعلة كجبهةٍ ضد هذا الحراك النسوي الجديد. لكن الحراك الجديد امتلك نظريات وتنظيمات وقوى فاعلة في الشارع وفي الدراسات وفي الإعلام.
على أية حال، نحن لا نريد أن نظل في حدود المحلي، المسألة التي تعنينا أكثر: كم هي الحركة النسوية الجديدة في المدى الثقافي الأوسع وكم هو حضورنا فيها؟ ولماذا نبحث كثيرا لنجد صوتا نسويا "حديثا" يبهجنا في الكتابة؟ نحن نعرف جيدا صعوبة انبثاق صوت جديد يحمل امتيازه الأنثوي من تراكمات هذا الوباء الذكوري المستفحل والذي صادر منطقية الأشياء وطبيعة الحياة السليمة. إن أضرارا جسيمة لحقتنا حتى من المراحل التطورية. ذلك لان هذه المراحل عاشت في كنف الهيمنة الذكورية وتغذت عليها.
ويمكن أن نأخذ الرومانسية مثلا مع متضمناتها القومية الفرد البطولي، الفذ، الضرورة التاريخية: هتلر، ستالين، الأباطرة الصغار في البلدان الأصغر وأدباء ومفكرون من هذا النمط، أو في خدمته... هؤلاء أكدوا الذكورية ورسخوا قواها الحاكمة ومن بعد استحوذوا على دور النشر والمسارح والمناهج التدريسية. ذكورية كاملة وشديدة الانغلاق سادت. ولأنها قلقة، الذكور الأفراد كانوا يواجهون الانكسار فيها فكيف بامرأة تريد أن تكتب، أن تكشف، أن تتوغل عميقا وتخرج بملكوتها للسطح؟ كيف تخرج تاريخها الأنثوي من الظلمات وتصيح بالعالم أن يفسحوا له الطريق؟ ما حصل من بعض النسوة البواسل هو إنهن استطعن بمحض الخطاب ان يلقين المدفون بأوجه "الراسخين"، راسخي الافكار المضادة لحرية الإنسان وحقوقه والحياة السليمة..
صارت القناعة النسوية أن عليهن أن يحاولن بهدوء، بإصرار وبنوع من العنف إذا اقتضى الأمر. ولم ينته نصف القرن حتى أحدثن صدوعا في الجدار يدخل منها الضوء! الصيحات الأنثوية وان بدت بسيطة، هي تحمل ضربات مطرقة: هذا صوت ماجدة غضبان، الغاضبة غضبان:
من يبيح لي أن أهجو/كل الكائنات/وكل قوانين البشر/وكل ما صنعته/خناجر الرجال؟
هذه المرأة المحتدمة استياء وغضبا تدرك جيدا ما عليه نسويتها وقد ضاقت ذرعا بهذا الخارج المدان، حتى تدين نفسها الراسخة تحت النير لإرضاء ذكورية باتت أنظمتها تتفسخ وسط العصر:
امرأة للمرايا/وضجة الألوان الماجنة/وفحيح الرجال/ودموع غارقة بكحلها
تزايد الوعي والغضب أكثر:
بين أربعة جدران/وسقف/يمكن للمرأة أن ترى/كل قبور الأرض..
هو العصر الثقافي، العلمي، هو الوعي الجديد افرز مثل هذه المشاعر النسوية باتجاه فكري وبتنظيم ثوري. النظم الاجتماعية والقوانين كانت هدفا أولاً لهذا الصوت النسوي وعلاقاتهن مع الرجال كانت هدفا والمقارنة العلمية بين البيولوجيا والارث الفكري كانت هدفا ثقافيا. وعلى خلاف ما يقال عن هذه الحركة، لم تقل أي من التنظيمات النسوية: الراديكالية، اللبرالية والاشتراكية الماركسية أو ذات الارتباط المسيحي بأنهن سوف يتجنبن كل العلاقات مع الرجال. لكنهن يتفقن على أن يعشن ويفكرن ويحددن الواقع من دون انصياع استسلامي لما يقوله الرجال. وثمة شعور يتزايد بأنها حياة فارغة تلك التي تدور في المنزل والإنجاب وان قيما جديدة يجب أن تحل محل القيم التقليدية ونضالهن سيستمر بهذا الاتجاه:
"إننا نتحرك في العصر الصاخب، وتضيع فيه أرواحنا بحثا عن نقاط اليقظة عن البقاع البريئة التي تحتفظ بنقاء الإنسان، التي نجد فيها أنفسنا ونتفهمهما. آن الأوان لإرباك التيار القديم الذي يحملنا في مجراه حيث شاء، لما في ذلك المجرى من بؤس وأوبئة أخلاقية..."
الحركة النسوية اليوم تطرق أبواب برلمانات العالم وجمعياته ولافتاتها في الشوارع والساحات.
إن ضوءا قد يبزغ في داخلها/وضوءا قد يبزغ في داخله..."
المساواة وحدها توفر فرصا تظهر فيها المشاعر السليمة للطرفين.. السعي النضالي، روح التمرد والفلسفات الجديدة، جعلت الخطاب النسوي مسموعا ومقنعا. وهي حساسية عصر ومخيلة عصر وثقافة عصر جعلت شاعرة مثل "ماجدة غضبان" تصف مشاعرها بدقة لم تألفها الكتابات النسوية إلا نوادر في الكتب القديمة .. أنظروا بأي اشمئزاز وأي رفض تعلن ماجدة، وبأي أدب جم ترسم احتجاجها:
تحت لمسات/أصابع باردة/تتجعد/كصفيحة فارغة/وينطوي لحمها/كثوب عتيق!
أود الآن أن انهي كلامي بمقتبس من الاين شواتر Elain Showater ومن كتابها "أدبهن الخاص" أو "الأدب الخاص بهن" The Literature of Their Own
"لا تعاني الكاتبات الانجليزيات من نقص الجمهور القارئ ولسن بحاجة لانتباه الدارسين والنقاد. هنالك الكثير من المعنيين بهن لكننا لسنا متأكدين بعد مما يوحدهن بوصفهن نساء، وان كن يشتركن بميراث عام يرتبط بنسويتهن..."
وقال سيتوارت مل (1869): النساء يحتجن إلى نضال شاق ليتغلبن على النفوذ الأدبي للرجال. ومل يرى "لو أن النساء عشن في بلد مختلف عن بلد الرجال ولم يقرأن أيا من كتاباتهم، لكان لهن عندئذ أدبهن الخاص بهن. أما والأمر غير ذلك، فسيبقين دائما مقلدات ولسن مبدعات..".
لكن العصر اثبت غير ذلك. الوعي الخاص لشؤونهن ولمشاعرهن الخاصة أنتجا أدبا نسويا خاصاً حتى صرنا اليوم نميز جيدا بين الأدب العام الذي تكتبه النساء و"الأدب الأنثوي".
الأخير عرّفَهُ جورج هنري لويز G.H. Lewes:
بأنه الأدب الذي يكتب بقصدية أنثوية
والذي يرتبط بالتجارب الأنثوية والذي
يقود نفسه بنبضه الأنثوي الخاص...".
أظننا وجدنا مثل هذه الصفات في كتابات الدكتورة ماجدة غضبان، وكان شعرها الأنثوي واضحا وبأنثوية خالصة، أثار فرحي، أنا المعنى بالحركة النسوية، واعتقد بأننا اليوم نقرأ شعرا نسويا أنثويا خالصا لشاعرتين من العراق هما إيمان الفحام التي لم أجد سطرا في ديوانها الأخير خارج قضيتها النسوية، وشاعرتنا اليوم ماجدة غضبان التي قرأت لها عدة مجموعات مخطوطة ليس فيها الا مقطوعات قليلة خارج المدى النسوي، وهذه المقاطع القليلة ذات نفس أنثوي أيضاً واغلب قصائد هذه المجموعات التي لم تطبع لا تفارق صميم موضوعها النسوي.
لماجدة سعة الوعي وسعة التجربة وهذان معاً منطلق جيد لكل شعر جديد. يحزننا جداً، إن الشاعرة التي نرفع الثناء لشجاعتها وجمال شِعرها وصوتها النسوي الذي أُجِلّ، تعاني منفردةً و/تحتفي بغربتها/الشوارع/المدلهمة بالفقر!
هو بدء الطريق على كل حال...

  كتب بتأريخ :  السبت 11-08-2012     عدد القراء :  1797       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced