الديمقراطية والطغيان
بقلم : جاسم المطير
العودة الى صفحة المقالات

قبل عام 2003 كان الطغيان واقعاً يومياً على رؤوس أبناء الشعب وكان الضحايا لا يستطيعون في ظل ذلك الواقع غير الاحتجاج بالصمت وقد حمل تغيير النظام بعد سقوط الطاغية ودفنه بمزبلة التاريخ فصار أبناء الشعب سعداء بنيل حريتهم بعد نيسان 2003 ، تلك الحرية المفقودة  منذ عقود طويلة التي علمتهم  الدرس والعبرة في عدم الصمت أمام  الطغيان .

خرجنا من الحرب وخرجنا من الغزو وخرجنا من طغيان حكم الحزب الواحد  ونحاول الآن  الخروج من إرهاب العصابات المتعددة الأجناس والأهداف والمذاهب  ومن كل تبعات السنين القاسية الماضية.  قيل أن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة للخلاص من جميع أدران الماضي وقال الديمقراطيون العراقيون وجميع محبيها قولهم بصوت عالٍ: لقد آمنا أن لا خلاص إلا بتطبيق الديمقراطية ..

لكن بعد مرور أكثر من تسع سنوات من زمن الحرية وجدنا أن الكثير من قادة الحكم الجديد لم يفهموا من الديمقراطية غير (الديمقراطية الانتخابية) التي رفعتهم إلى دست الحكم بينما ظل الشعب يعيش حياة الفقر والبؤس وربما بحال ٍ أسوأ مما كان سابقاً  إذ لم تستطع الحكومة العراقية من إيجاد الحلول لمشاكل المواطنين المحرومين من التعليم والخدمات الصحية والكهرباء والماء الصالح للشرب لأنها شغلت نفسها  بمكافحة الخمور كأن العراق مملوء بالخمارات والخمارين بينما لا يزيد عددها في العراق كله عن ما هو موجود في شارع هولندي واحد أو في زقاق فرنسي واحد في وقت نرى فيه هولندا وفرنسا اقرب إلى الله تعالى من العراق المليء بسارقي قوت الشعب وأمواله لأن الدولتين فيهما تطبيق للعدل والإنصاف والرحمة والحق ، وهو  ما يريده الله على أرضه.

لقد وجدنا الكثير من حالات وأفعال طارئة تمر علينا في كل يوم لتخلط ماضي الطغيان مع حاضر الديمقراطية إذ يعيش شعبنا حالات من التداخل بين صور الديمقراطية مع صور العدوان والطغيان فضاعت الوعود والعهود والشعارات الانتخابية كلها.  لم يكن احد يتوقع أو يتنبأ بحقيقة أن (المقدمات الديمقراطية) الناقصة يمكن أن تأتي بـ(نتائج طغيانية) فادحة موجهة، أولاً وقبل كل شيء،  ضد المثقفين من أبناء الشعب وكانت أول إشارة قد طالت مقر اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين حين اقتحمتها، قبل عامين،  قوة عسكرية بأوامر حكومية عليا تماما مثلما اقتحمت المتفجرات مكتبات شارع المتنبي  . كذلك حرمت الثقافة العراقية من كفاءة كامل شياع باغتياله في وضح النهار كما حوربت حرية الكلمة في مظاهرات الأحرار بساحة الحرية كما أعيد استخدام كاتم الصوت لإغلاق الصوت الإذاعي الحر باغتيال هادي المهدي وقتل العديد من المتظاهرين الشباب في مدينتي البصرة والديوانية وجرى العدوان العسكري المقيت على مقر جريدة طريق الشعب واعتقال 12 من الموجودين في مكاتبها .. و .. و .. عشرات المشاهد اليومية الأخرى من البغي والطغيان في تحت أضواء السلطة المنتخبة ديمقراطيا كما يدّعي ويقول ويردد دائما الكثير من أقطابها .

كنا نعرف ماضي وأساليب الطغاة العراقيين السابقين لكن صرنا اليوم وصار الديمقراطيون العراقيون كلهم مثلما غالبية أبناء الشعب جاهلين  حقيقة وأسباب تصرف بعض الحكام  الجدد فهل أنهم من الديمقراطيين حقا أم أنهم من صنف الطغاة أم أنهم من صنف الديمقراطيين الطغاة .

لقد فوجئنا ليلة الثلاثاء الماضي خروج قوة عسكرية من عتمة المنطقة الخضراء لخلق حالة من التوتر الجديد بين المثقفين العراقيين من الأدباء والكتاب والفنانين والسينمائيين والصيادلة وغيرهم وذلك بالعدوان الصارخ على مقرات منظماتهم بقصد لا نعرفه هل هو محاولة من النظام السياسي الجديد  لتطويع المثقفين وإخضاعهم لنهج بعض قادته المتحكمين الدولة  أم أن الدولة تريد تطبيع المثقفين على تديين الواقع والدولة و التخلي عن الحريات الشخصية وتطبيعهم على القبول بدولة دينية وليست مدنية ..؟

يبدو واضحا أن بعض الحكام الاتحاديين لم يدركوا حتى الآن ، حقيقة العصر الذي يعيشون فيه،  عصر الحقوق والحريات العامة والخاصة. هو العصر الذي يسري ليلا ونهارا لينتشر في كل بقاع الأرض العربية والعالمية . لقد اضطهدوا المواطنين وحاربوهم في ساحة التحرير وهم الآن يحاربون حرياتهم الشخصية في شارع أبي نواس.  لقد كشف أعداء الحرية والديمقراطية  عن موقفهم الحقيقي من الحرية والثقافة والديمقراطية وأنهم لم يترددوا باستخدام القوة العسكرية لإرهاب المواطنين والعدوان على منظمات المجتمع المدني وهم بهذا لا يختلفون عن طغيان الطغاة ، بل ربما هم اشد واعنف في محاربة الثقافة ومنظماتها والمثقفين وحرياتهم .

لا بد من التذكير  الصريح لكل ذي حكمة وعقلانية من رجال النظام العراقي الحالي أن عصرنا هو عصر الانتماء الوطني، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة ، وحرية التفكير والإبداع والاعتقاد.  كما لا بد  من تذكير  أصحاب (الديمقراطية الحكومية) أن التاريخ الإنساني كله بما فيه التاريخ العراقي الحديث قد برهن برهاناً قاطعاً أن ليس بإمكان احد حتى لو كان  يحمل على كتفيه نياشين  صدام حسين أو ميداليات حسني مبارك ومعمر القذافي  أن يفرض نظامه على أي مظهر من مظاهر الحياة وأن ليس بإمكان احد أن ينظم أمور الناس ونظام حياتهم كما يشاء الحكام ولا بد من القول أيضا أن ارتباط  الدين بالدولة يجعلهما لا يستقيمان وان المصحف والكلاشنكوف لا يرتبطان ولا ينسجمان .

  كتب بتأريخ :  الإثنين 10-09-2012     عدد القراء :  1762       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced