تهتم الحكومات بالطفل اهتماماً بالغاً وتضع المشاريع والخطط الكفيلة بضمان حقوقه وتشرع القوانين التي من شأنها حمايته، كونه يمثل المستقبل. العراق هو أحد البلدان التي وقّعت على اتفاقية حقوق الطفل ، لكننا للأسف لا نجد بنداً واحداً من بنود تلك الاتفاقية قد طُبق.
أطفالنا في العراق ليس لهم من يدافع عن حقوقهم بل إننا لا نجد من يحميهم من إساءات بالغة تمارس بحقهم كل يوم.
ففي مجال الحقوق الثقافية مثلا، والتي ينبغي على مؤسسات الدولة الحكومية والمدنية توفيرها للطفل، لا نجد جهة ما، تمارس ذالك الواجب بشكل مقبول، بل إن أية قراءة للممارسات التي تقوم بها بعض الجهات تجاه الطفل والتي يراد منها دعم ثقافته تكشف عن إساءات لا ينبغي السكوت عنها.
الأمثلة كثيرة وكبيرة وخطيرة، ومنها تلك الملاحق الخاصة بالأطفال التي تصدرها بعض المؤسسات الإعلامية، ولنأخذ مثلا ملحق جريدة الدستور الذي يصدر تحت عنوان "جريدتي" العدد 2598 الصادر في 4- أيلول – 2012 والذي يمثل احد مصاديق الخطاب الثقافي الذي يسيء إلى ثقافة الطفل ويسهم في تهديم ذائقته عوضا عن تهذيبها.
الملحق عبارة عن أربع صفحات بقطع كبير، لا يحتوي إلا على قصص مصورة وقصص قصيرة مسروقة من صفحات الانترنت، ويبدو أن هذا صار تقليدا تتبعه اغلب ملاحق الأطفال في العراق، دون الإحساس بأي مسؤولية أو التزام أخلاقي، فلا شرف الصحفي ولا نزاهته شكَّلا مانعاً يمنعه من التجاوز على تلك الحقوق من جهة، واستغفال أطفالنا من جهة أخرى. وعتبنا كبير على أصحاب الامتياز الذين يلتزمون كل الالتزام بجودة ورصانة ما تنشره صحفهم من مقالات ودراسات ويغضون الطرف عن جودة وأصالة ما تنشره صحفهم من خطاب موجه للطفل.
في النصف الأسفل من الصفحة الأولى نجد قصة مصورة "النحلة نانا" ولا نريد الخوض في مدى جودة محتواها وصلاحيته، فهي على كل حال مسروقة من صفحة على النت على الرابط التالي: http://www.hayah.cc/forum/t7461.html
ورغم أن السرقة بحد ذاتها سلوك لا أخلاقي فقد تجاوز السارق مرة أخرى عندما أساء للقصة نفسها، بعد أن كانت بألوان زاهية وجودة عالية على صفحات النت فقد طبعت على صفحات ملحق جريدة الدستور دون أية معالجات، فقط (كوبي بيست) مع ضغط وإعادة ترتيب صفحات القصة الثلاث لتصبح مستطيلا يلائم نصف الصفحة، ما أفقدها ترتيبها وفق شرائط إخراج القصص المصورة "الكومكس"، وبالطبع كانت قصة بلا هوية، فلا اسم الرسام موجود ولا كاتب السيناريو.
القصص الأخرى في الصفحة الثانية من الملحق، مثل: ملك الضفادع، والأسد وابن آوى وكاريكاتير العودة إلى المدرسة... الخ كلها مسروقة من النت، ويمكن العثور عليها بسهوله عبر موقع الكوكل ستجدها في أول نتائج البحث، وهي الأخرى خاليه من شروط ومتطلبات الكتابة الاحترافية للأطفال، فضلا عن ذلك فقد ألحقت بالقصص المسروقة مونتيفات ورسوماً لا يجمعها أسلوب أو اتجاه، كأن من صممها لا يعرف أدنى قواعد الإخراج الفني، صور متكسرة وأساليب رسم مختلفة تسيء إلى ذائقة المتلقي.
قصة "أشعر بالملل" التي احتلت نصف الصفحة الثالثة من الملحق هي الأخرى مسروقة من الرابط التالي:
وقد مارس السارق مرة أخرى اضطهادات عنيفة بحقها حين كبس عرضها لكي يتلاءم مع عرض الصفحة فتشوهت كل الرسوم وفقدت جودتها فأصبحت الأشكال مستطيلة بعد أن كانت طبيعية على صفحات الانترنت، ودمج المصمم الصفحتين معا ليضيع علينا تسلسل الأحداث وليكشف عن جهله بقواعد إخراج الكومكس.
لا نريد أن نتكلم كثيرا عن رداءة الرسوم في النصف المتبقي من الصفحة ويكفي أن نقول بأنها لا تصلح للنشر.
الصفحة الرابعة والأخيرة للملحق نشرت المواد المسروقة التالية:
(ديك العيد): http://www.arabna.info/vb/t19388.html
(البطة):
http://popekirillos.net/forums/showthread.php?t=37395
(الثعلب الطيب): http://www.sez.ae/vb/showthread.php?t=64437
بعد كل هذا أريد أن أسال: من يتحمل المسؤولية الأخلاقية لكل تلك التجاوزات على الملكية الفكرية وحقوق التأليف، والتجاوزات على الطفل في نشر مواد مسروقة غير خاضعة لأدنى شروط النشر أو شروط الكتابة للأطفال؟ كيف ينظر الطفل إلى صحافة تنشر مواد مسروقة من الإنترنت، كيف ينظر كتابنا ورسامونا إلى جريدة مثل الدستور تصدر ملحقا مسروقا من أوله إلى آخره؟
إن الاهتمام بالطفل وبالخطاب الثقافي الموجه للطفل مسؤولية كبيرة تخلى عنها المسؤولون وأصحاب الامتياز، ليس هذا فحسب، بل تخلو أيضا عن واجباتهم إزاء ما ينشر في صحفهم ويصدر من مؤسساتهم، فالمواد التي تنشر اليوم في أغلب الملاحق المخصصة للأطفال، لا تحمل هوية محددة، فهي دون اسم للكاتب أو الرسام، مسروقة من الانترنت من مواقع غير رصينة، ولا تمثل سوى اختيارات عشوائية لا تخضع لقاعدة معينة.إنها لا تمثل أطفالنا، ولا تمثل أصالة ما قمنا به من بناء عبر عقود من العمل للأساليب والاتجاهات التي ميزت رسوم فنانين عراقيين كبار وكتاب قصة برعوا في نتاجات كثيرة للطفل. وهي بالتالي تجاوز على حقهم وتضييع لفرصتهم في أن يرسموا ويكتبوا للطفل العراقي، إنها لا تمثل العراق، وجدير بكل من يؤمن بأخلاق الصحافة أن يقف في وجه تلك الإساءات البالغة والتهاون العظيم الذي لحق بصحافة الطفل في العراق، لا توجد صفحات ثقافية، تنشر قصصا وقصائد ومقالات مسروقة من النت، فمثل هذه السرقة المفضوحة لا تحدث إلا على الصفحات الموجهة للطفل ولأسباب عديدة منها غياب الرقابة والاهتمام بما ينشر للطفل، واحتقار المادة الموجهة له، وانعدام الشعور لدى المحرر بالطفل ككيان محترم.
إنني يائس كل اليأس من أن يحرك أصحاب الامتياز ساكنا، فكيف يمكن لعاقل أن يبرر، مهما حاول، كل تلك السرقات في ملحق واحد، لقد وصل بي اليأس حدا جعلني أحاول البحث عن أصل ما كتب في الافتتاحية التي وردت في الملحق المذكور لجريدة الدستور، والتي كانت لا تنتمي إلى جنس من أجناس الكتابة للطفل، فضلا عن كونها مفككة وغير صالحة للنشر ومبتورة النهاية بجملة غير مفهومة ، وبعد عملية بحث سريعة في صفحات شيخنا ومرجعنا السيد كوكل ـ كنت خلالها أثق أن ما تبقى من نزاهة في قعر كأس محرر هذا الملحق ستمنعه من سرقة حتى الافتتاحية، لكنني فوجئت بأن مقال الافتتاحية هو الآخر مسروق من موقع ويكيبيديا الشهير!
المدى
كتب بتأريخ : الثلاثاء 18-09-2012
عدد القراء : 1856
عدد التعليقات : 0
من أجل إنقاذ ثقافة الطفل
