الاختلاط مفسدة ام ظاهرة حضارية راقية
بقلم : يوسف علي خان
العودة الى صفحة المقالات

قد يثير هذا الموضوع حفيظة الكثيرين في هذا الوقت بما نشاهده من سيطرة النزعة الدينية المتشددة التي تدعو الى التبرقع والتحجب حفاظا على شرف المراة وصونا لعرضا والتزاما بفروض  الدين وتطبيقا للشريعة السمحاء وتمسكا بالتقاليد والاعراف العربية الاسلامية العريقة .. فوفق كل ما ذكرناه فيجب على المراة فقط باعتبارها عورة لا يجوز كشف حتى اصبعها على الرجال اصحاب العفة والفضيلة والشهامة والنخوة والمحافظين على القيم الاخلاقية التليدة... من منطلق الرجال قوامون على النساء طبقا لما جاء في القران الكريم وحماية للمجتمع من التفسخ الاخلاقي ..اذ هم يعتبرون  الاخلاق مرتكزة على الحجاب وتتمثل فيه.... فالحجاب هو الدليل القاطع على شرف المراة وعفتها ... والفصل بين النساء والرجال انطلاقا ايضا من الفصل بين السلطات وكما يجري ويطبق (((حرفيا جدا ))) في البلدان العربية والعالم الاسلامي برمته.... وعليه والتزاما لكل ما ذكرناه فالاختلاط بين الجنسين في أي مرفق من مرافق الحياة  محرم شرعا وخطرلا تحمد عقباه  ان كان في الدوائر الحكومية اذ يجب ان تخصص دوائر للنساء من الموظفات  لا يتواجد فيها الرجال من الموظفين وحتى في الاسواق فيجب ان يكون هناك اسواق للنساء لا تجد فيها خيال رجل  ... كما يجب ان تشرع  قوانين  لذلك يمنع فيها تواجد الرجال في اماكن النساء و  باقرب وقت.. كما على مجالس النواب في كل الدول الاسلامية اصدار التشاريع بفصل الجامعات المختلطة بين الجنسين وان تكون جميع فروع واختصاصات المهن والحرف العلمية وكافة العلوم الاخرى التي تدرس للتلاميذ فيها ذات شقين شق يخصص لتدريس النساء وشق اخر يدرس فيه  الذكور وكما حدث في نهاية العهد الملكي حيث اسست كلية البنات التي كانت تتراسها الست امت السعيد غير انها كانت كلية يتيمة سرعان ما انهارت والغيت بعد ان اكتشف العديد من القضايا الخفية التي حدثت فيها و التي لا نستطيع ذكرها في الوقت الحاضر وبامكان الفضولي المهتم الرجوع الى المتخرجات من تلك الكلية  كي يحكين بعض قصص تلك الكلية المتفردة في تدريس الاناث من الطالبات.. ولا ادري هل كان السبب هو الفصل بين الجنسين ام كانت هناك اسباب اخرى او مضافة  نتعفف عن ذكرها والسببين على اية حال اسوأ من بعضهما .. ولربما كان تأسيسها ايضا في ذلك الوقت بناء على دعوات رجال الدين الضاغطة بعزل الجنسين في جميع المراحل الدراسية عودة الى ما كان عليه الحال ايام الحكم العثماني الذي تشدد في التضييق على المراة وحرمها من حق التعلم وفرض عليها شتى صور التحفظ والانحصار داخل جدران بيتها انطلاقا من الالتزام بتطبيق الشريعة  إلا في قصور سلاطينهم وما حواه من حريم السلاطين اللواتي اطلق لهن كل الحريات المتاحة .. بينما استمر الفصل والعزل حتى احتلال العراق من قبل بريطانيا وتأسيس الدولة العراقية الحديثة .. حين دأبت الحكومة العراقية وكل الحكومات العربية الاخرى على سن القوانين الوضعية واعتبار الشريعة مجرد احد مصادر التشريع فيها ووضعت دساتيرها وفق هذا السياق ثم شرعت قوانينها المختلفة  بالتبعية استنادا لما نصت عليه الدساتير .. إذ شرعت وفق ما يتلائم وضروفها التي تعيش فيها متماشية مع كل المتغيرات وما تستوجبه من تغيير للقوانين بين فترة واخرى وعدم جمودها .. وقد سارت على نفس النمط معظم الحكومات المتعاقبة وادى هذا الاسلوب الذي اختلف عما سارت عليه الدولة العثمانية مع الشعوب التي حكمتها خلال اربعمائة سنة ببدء التحول الى النمط الغربي في طبيعة حياتها الذي ابتنت على الحرية والانطلاق النسبي حيث كان من ضمن هذه التحولات هو ظهور المراة في الحياة العامة وانطلاقها من عقالها داخل اسيجة دارها واستطاعت ان تحصل على هويتها الشخصية وتسجل اسمها في السجلات الرسمية التي حرمت منها ردحا من الزمن خاصة بعد ان فسح المجال لدخول العديد من الحملات التبشيرية الاجنبية التي اسست المدارس وانشات الجمعيات واتاحت المجال لاشتراك المراة في بعض نشاطاتها مع بقاء الكثير منهن محتفظات بعبييهن السوداء التي تغطي اجسادهن في العراق فتظهرهن وكانهن مجرد اشباح تسير في الشوارع والطرقات .... او لبس (( الايزارات )) كما كان يطلق على ما تلبسه كغطاء النساء السوريات واللبنانيات .. واستمر الحال حتى الثلاثينات من القرن الماضي حيث قامت الحكومة العراقية بفتح بعض المدارس للبنات اذ تدرجن فيها كمدارس ابتدائية ثم افتتحت المدارس الاعدادية واكملن العديدات منهن الدراسة فيها حيث كانت الحكومة العراقية قد جلبت العديد من المدرسات العربيات خاصة من مصر التي كانت قد سبقت العراق في فتح المدارس وفي نشر الوعي الثقافي فيها ... وقد كان من ضمن المدرسات المصريات اللواتي عملن في العراق الاديبة والشاعرة درية الغلاييني وغيرها العديدات.... ثم بدأت الطالبات التخلي عن شرانقهن وعبيهن والخروج سافرات سارحات الشعر خاصة في بغداد اذ انتقلت الكثير من الطالبات الساكنات في المحافظات المختلفة لاكمال دراستهن العالية في بغداد حيث لم يكن هناك كليات في اية محافظة اخرى في العراق... حيث دخلتها في بداية الامر المسيحيات اذ كن اكثر تحررا من النساء المسلمات في ذلك الوقت...  ثم تبعنهن بعض المسلمات حيث اكملن دراستهن في كلية دار المعلمين العالية وهي الكلية الوحيدة المختلطة التي تقبل الذكور والاناث دون تفريق او تمييز وبدأ السفور ينتشر ويعم جميع المحافظات ويفرض نفسه على المجتمع المنغلق كواقع تعذر مواجهته او التصدي له بعد ان سبقتها في ذلك بغداد فقد كانت اكثر تحررا من بقية المحافظات ومع ذلك فقد كان الشرف محفوظا ومصان ولم تنتشر الدعارة كما هي عليه الان  .. وقد كان هذا العامل المهم والوحيد لخلق الاجواء والضروف الملائمة لاختلاط المراة بالرجل على مقعد الدراسة وما كان يتوفر من فرص الحديث والاسترسا ل الاخوي  ولاول مرة بين الطالبة وزميلها الطالب الشاب في ساحة الكلية ويتمشين سوية .. فهي الكلية الوحيدة التي منحت الحرية للمراة بالتواجد مع الرجل وفي اجواء فسيحة لا بأس بها مع ما كان يرافقها في بعض الاحيان من منغصات ومضايقات وتعليقات حتى من قبل بعض الطالبات انفسهن عن زميلاتهن من الطالبات بسبب التأثير النفسي والمحيط المنغلق الذي عشن فيه في محافظاتهن  منذ ولا دتهن حتى تهيأت لهن الضروف للسفر والالتقاء بحرية مع زملائهن الطلبة من الذكور...  وبعد ان اكملن الدراسة الاعددادية وثم دخولهن الكلية  وقبل ان تتأسس جامعة في العراق ... ومع كل ذلك فكانت الاجواء اكثر صفاءا ونقاءا وحرية من كلية الحقوق مثلا وعميدها الاستاذ منير القاضي الذي كان يخرج الى ساحة الكلية كي يأمر الطالبات اللواتي لا زلنا في ساحة الكلية للدخول الى غرفهن المخصصة كانهن قطيع غنم اذ كان يفعل معهن مع قلة اعدادهن  كما يفعل راعي الاغنام الذي يطوق القطيع ويسوقه لاجباره الدخول الى حضائره فيمنعهن من التواجد مع الطلاب حتى داخل الصفوف فقد امرهن بالتجمع في الصف الامامي في قاعات الدراسة  معزولات بكراسيهن عن بقية الطلاب فلم تكن اعدادهن في الصف الواحد تزيد عن الستة او الثمانية طالبة ... ومع ان الاستاذ منير القاضي  كان يعتبر عقلية قانونية كبيرة شارك في وضع القانون المدني والعديد من القوانين الاخرى واصبح وزيرا للمعارف والعدل عدة مرات  لكنه ظل بعقليته الرجعية المتخلفة المنغلقة  رحمه الله .. غير ان الامور تغيرت عندما عين المصري عبدالله العربي عميدا للكلية مدة سنة واحدة تم خلالها اطلاق الحرية بشكل جيد وتمكنت الطالبات في المساهمة بالعديد من الفعالييات خاصة في اتحاد الطلبة التقدمي الديمقراطي  وشاركت احداهن كعضوة في احدى لجانه وقد اضحت بعد الاحتلال عضوة في البرلمان العراقي ورئيسة لاحدى المنظمات في الوقت الحاضر ... غير انه سرعان ما عادت حليمة الى عادتها القديمة وعاد منير القاضي من جديد حتى تخرجنا فتغيرت الاحوال بعد فترة من الزمن..... فالفصل العنصري كان معجونا في دماء العراقيين ولا زال متمثلا بالعديد من الظواهر الاجتماعية والسياسية للاسف الشديد ...فقد ساعدت الحركات الاشتراكية السوفييتية التقدمية  في خلق وعي ثقافي تحرري  كبير لدى كل شرائح الشعب  وانتشرت مظاهر التحرر ليس بالنسبة للمراة فقط التي ازاحت عن نفسها منذ الاربعينات والخمسينات تلك العباءة السوداء وخرجت سافرة بشخصيتها القوية دون شرانق او ملايات ولم يقتصر الامر على المراة فقط  بل شمل كل مناحي الحياة واوشك العراق ان تشرق عليه انوار الحضارة والتقدم غير ان ما حدث له من نكسات متلاحقة بظهور التيارات المتشددة الدينية والقبلية والذكورية  في كل النواحي التي لا اريد ان اخوض في غمارها  فاثير الحزازات.... ادت الى ما وصل اليه العراق من بؤس وشقاء والقادم امر واظلم ....فسوف يصيب الفصل العتصري المستشري اليوم ليس ساحات المدارس والكليات بل سوف يمتد الى كل مرافق الحياة في جميع البلدان العربية وليس في العراق فقط...  والظواهر الان بادية للعيان ...ومع ان فترة الستينات والسبعينات قد شهدت تأسيس العديد من الجامعات وانتشر الاختلاط بين الطلاب والطالبات غير ان الهجمات الرجعية لعبت ولا زالت تلعب لاعادة العراق الى المربع الاول في التخلف والانحطاط الثقافي والعلمي وكل مناحي الحياة فيعود الشعب العربي كقطيع من الاغنام كما كان في العهود الغابرة  المظلمة حيث عم الجهل وساد الظلام ...بعد ان كانت فترة الخمسينات والستينات  هي فترة ازدهار العراق وزهوه .. فانقضت علينا خطط الاستعمار الجديد لتسقط كل ما استطاع ان يبنيه العالم العربي خاصة في العراق ومصر ولبنان وهي ثلاثية الرقي العربي التي يشاد لها بالبنان فهاجمتها الرجعية بخطة امريكية حاسمة بامتياز على ايدي بعض الجلاوزة العملاء التي  لازالت تمارسها ولا ندري الى اين سينتهي بنا المطاف ...فاننا نجد اليوم تنطلق الاصوات لتطبيق الفصل والعزل بين الجنسين في جميع المراحل الدراسية وعلى كل المستويات اضافة الى ما يراد ان يشرع من قوانين تزيد هذا المجتمع تشددا وانغلاق ..

  كما  ان هناك نفاق الكبار من الناس من يعيش في ازدواجية التصرف من الذكور والاناث مما يعملون حاليا سوية وفي اشتراك واختلاط تام  في الدوائر والمؤسسات الحكومية والشركات وفي جميع السلطات الاخرى داخل الدولة وداخل البرلمان ولا يجدون حرج في هذا الاختلاط وبنفس الوقت يمارسون الضغوط المجحفة على اولادهم بنيهم وبناتهم ويحاولون منع الاختلاط والفصل بينهم في المدارس والكليات بدءا  من طفولتهم وصباهم فيخلقون لهم العقد ويلفتون نظرهم الى دوافع المنع التي كثيرا ما تكون خافية عليهم... فيكبروا ومعهم هذه العقد وعندما يصبحون راشدين تتفاعل اثار ذلك المنع الذي مورس ضدهم فيعكسونه على اولادهم كنوع من الانتقام دون ان يدركوا اسباب هذا التزمت الخفي ومن جانب اخر فقد تنعكس عندهم مشاعر التعويض عن ما عانوه من فصل وعزل في طفولتهم فينطلقون في استغلال الفرص للتعويض وتنفيذ ما يعتلج في صورهم عند الكبر... فيبدأون بالبحث عن الزواج تنفيسا للعواطف الدفينة  وقد تدفعهم عوامل الثأر من الماضي الى الافراط في هذا المشروع  وبما تسمح به الشريعة السمحاء او حتى خارجها... كما انه لابد لتغطية ما يعتلج في الصدور من نيران فيلتجأ البعض الى العمائم واطالة اللحا لاخفاء تلك الغرائز التي اعلنوا بانها حرام وفساد... اذ  منعها عنهم الاباء والامهات منذ الطفولة ونعومة الاظفار وايدت المنع الشرائع والتقاليد والاعراف... او يتخذ الافندية والمثقفون واصحاب الشهادات بصنفيها المزورة والحقيقية  مظاهر الحشمة والوجاهة  والتظاهر بالعفة والوقار واعتبار الاختلاط فسق وفجور فينادون بالدعوة الى الفصل والعزل وعدم الاختلاط  .. كما تتخذ بعض السيدات الحجاب والنقاب عنوانا واضحا  لكل القيم والاخلاق وهكذا تسير الامور بهذا النفاق والكل يعلم ويشعر بانها مظاهر مفتعلة لخداع الناس واغطية لما يعتلج اجسادهم من احتراق .. وكلها تعود الى ذلك الفصل العنصري المقيت الذي يبدأه الاهل مع الاولاد منذ الصغر  تسيطر عليهم كوابيس الاحاسيس او ما يطلق عليها ب (((  فوبيا الجنس )))  فتلتصق بهم هذه الاحاسيس حتى بعد زواجهم نساءا ورجال وهم اباء وامهات فتجدها تظهر مجددا وبشكل عنيف فيما لو طلقت المراة او رملت ناهيك عن حالات العنوسة التي قد تستمر مع بعضهن فتكون اكثر خطورة ... كل هذا هو سببه الفصل بين الجنسين بدوافع غير منطقية او مبررة  وهو العن واشد قسوة من الفصل العنصري الذي مارسه البيض في جنوب افريقيا.... فعليه فمن واجب الحكومات ان تكون اكثر تعقلا فتخفف من غلواء الفصل والعزل في المدارس وتجعل الطالبات والطلاب من كلا الجنسين يعيشون حياتهم دون تحسس.. وباخوية وعفوية سليمة فتكون المدارس انموذجا حضاريا راقيا يقتدى به واسلوبا تربويا سليما خاليا من التحسسات التي تثيرها هذه الاجراءات الخاطئة في الفصل بين الجنسين فهي بدلا من الحفاظ على القيم والاخلاق ستدفع هذه الاجراءات الى تاجيج المشاعر واثارة الاحاسيس وتكون النتائج معكوسة  على غير ما كان يبتغيه حكماء هذا الزمن من اصحاب القرار والدعاة المرشدين وهو ما نشاهده اليوم من انتشار الفساد في المجتمعات المنغلقة اكثر مما هو في المجتمعات المتحررة ومهما حاول الكثيرون التعتيم وانكار هذا الواقع المرير  فكل ممنوع متبوع ولا نكن مثل النعام ندفن رؤسنا تحت التراب  ...!!!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 03-10-2012     عدد القراء :  2089       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced