آن الأوان لتجريم زواج القاصرات
بقلم : سمر المقرن
العودة الى صفحة المقالات

هناك مناسبة عالمية مهمة على الأبواب، ففي يومي الثامن والتاسع من أكتوبر المقبل، ستقيم الأمم المتحدة احتفالا في مدينة جنيف بالذكرى العشرين لاعتماد اتفاقية حقوق الطفل، وهذه الاتفاقية هي ما اجتمعت عليها الأمم والدول، بحيث تم وضع بنود من خلالها تسن الدول الموقعة، قوانين لحماية الأطفال من العنف وتجريم من يرتكبه ضدهم، دون مراعاة لعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم.
هذا هو الشيء الطبيعي والفطري للنفوس المليئة بالإنسانية والخير، وهذا ما اجتمع عليه كل البشر برغم اختلافاتهم في الشؤون الأخرى من فكر وسياسة ومناهج حياة.
لكنهم اتفقوا على أن للطفل الحق في أن يعيش براءة الطفولة بكل جمالها، دون أن يتعرض للأذى النفسي والجسدي، وأن هذا الاعتداء عليه غير مقبول من أي كائن كان، حتى وإن كان أباه أو أمه.
المملكة العربية السعودية لأنها دولة عصرية، وتريد فعلا أن تكون جزءاً من هذا العالم، ولا تريد أبدا أن تكون خارجا عنه أو معزولة عنه، ولأن المملكة تجد أنها بهويتها الإسلامية التي نحرص عليها كلنا، تتوافق مع تلك القيم العالمية المشتركة، لكل هذا وقعت المملكة على هذه الاتفاقية في العام 1996 وهذا مما يُحمد في هذه الدولة الفتية التي تسعى بكل ما تستطيع من قوة أن تنقل هذا المجتمع من طبيعته الأولى البدوية والقروية، إلى أن يصبح مجتمعا عصرانيا مدنيا، ما لم يتعارض ذلك مع شريعتنا السمحة وقرآننا الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذه المناسبة التي اقتربت، فإنني أود أن ألفت النظر إلى قضية ألهبت قلوب ونفوس كثير من المعنيين بقضايا الطفل وحمايته من الاعتداء الجسدي والنفسي، قضية مازالت حاضرة في قلوبنا، لأنها مازالت تُمارس، ومازال معمولا بها، ومازال هناك من يدافع عنها، برغم أن هذا الدفاع بدأ في الخجل والتواري عن الأنظار، لأنه يعرف مقدار خطئه، وأقصد بها قضية تزويج القاصرات.
فالقاصر هي طفلة لا تبلغ السن الذي يجعلها امرأة تتحمل تبعة الزواج، وقبل ذلك هي لم تبلغ سن الرشد، ولا السن القانوني المعترف به في جميع أنحاء العالم، والذي يسمح لها أن تقبل أو ترفض الزواج. ولهذا وجدنا الشيخ الفاضل عبدالمحسن العبيكان، يُفتي بأن هذا الزواج باطل وغير صحيح من أساسه، لأن ركنا من أركان الزواج لم يتوفر فيه ألا وهو (القبول)، فالطفل لا يعرف قبول الزواج من رفضه، والأب ليس له حق في التزويج، دون رضى ابنته، وهذا ما تعلمناه من الإسلام ومن الصحابيات الجليلات اللاتي رفضن الزواج، ونقل لنا أن رفض البنت يكفي لإيقاف الزواج، فدل هذا على أن الأمر إليها كله، فهي من سيتزوج وليس أبوها ولا أمها ولا أخوها، هذا هو الإسلام وهذه هي الشريعة وهذه هي مقاصدها التي تحرص كل الحرص على كرامة الإنسان وسعادته في حياته.
ولا تجعل الأطفال مجرد دمية في يد أب لا يرحم أو أب يريد أن يجمع المال من مهر ابنته والذي هو حق لها وليس له، هذه قضية أخرى تستحق نقاشا طويلا حولها في وقت آخر، لكن سأتركها لكي لا تتشتت الفكرة هنا.
انطلاقا من كل هذا، وانطلاقا من توقيع المملكة على تلك المعاهدة، وبهذه المناسبة، أعتقد أن الوقت قد حان لخروج قوانين واضحة وصريحة تُجرّم زواج القاصرات، وتفسخ العقد بمجرد اكتشافه، ومعاقبة كل من شاركوا في ذلك الجرم من زوج وولي ومأذون، قوانين لا يمكن التلاعب بها ولا المراوغة أمامها..
وهذه القوانين لا بد أن يقوم بها نساء ورجال يتابعونها ويراقبون سريانها من الجهات الحقوقية، ممثلة في هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وبهذه الصورة نكون قد التزمنا فعلا بتلك الاتفاقية أمام كل دول العالم والمنظمات العالمية، التي تتابع مثل هذه القضايا، وفي الوقت نفسه نكون قد حفظنا طفلاتنا من مصير مؤلم وحياة تعيسة وأمراض جسدية ونفسية لا تُشفى منها، حتى بعد أن تصل لسن الشيخوخة، لأنها ستبقى تتذكر طوال حياتها طفولتها التي سُرقت منها.
إنني أخاطب هنا قلوب الآباء الرحيمة من صناع القرار ومقترحي القوانين، ومن رجال الدين والقانونيين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، أن يجتمعوا جميعا لوقف معاناة الأطفال من كارثة زواج القاصرات، فهذه الطفلة هي ابنتي وابنة كل واحد منكم، ولا بد أن نقول للجميع إن ابنة السبع سنين لا تصلح للزواج، ولا أن تكون مسؤولة عن بيت، ولا أن تكون حتى مسؤولة عن نفسها.

كاتبة من السعودية
samar.almogren_(at)_awan.com

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 23-09-2009     عدد القراء :  2327       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced