الأرملة.. جسد في دائرة الشك
بقلم : شيمان الحضينة
العودة الى صفحة المقالات

للأرملة بصمة حزن خاصة.. مابين الاستسلام للأحزان وحسرتها على مجتمع وضعها في دائرة النسيان، وينظر إليها كأنها عالة عليه، لم يرحم ظروفها ولم يقترب منها بل تجاهلها عن عمد وقصد..
فبعد فقدانها زوجها تتشابك بداخلها أحاسيس متصارعة، الصدمة والرغبة في البكاء، ومعها في الوقت ذاته الرغبة في التكتم وهاجس البحث عن هوية جديدة. فعقب وفاة زوجها يحيطها الأهل للمواساة ولإبداء التعاطف وإبداء الاستعداد للمشاركة في المسؤولية، خصوصا مع وجود الأبناء، ويبالغون في إظهار الألم لما حدث لها، وتحصل الأرملة عادة على كثير مما تريده في الأيام والشهور الأولى عقب ترملها، ثم يستشعر من حولها ثقل المسؤولية ويتباعدون تدريجيًّا، فلا أحد يحب زيادة أعبائه..
الأمر لا يقف هنا، بل إن بعضهن يتعرضن لرفض الأهل للزواج الثاني، وغالبًا ما تستسلم الأرملة وتظل تبكي طوال حياتها على فوات الفرصة في الزواج الجديد، وتقوم بشحن نفسها ضد أهلها وتغذي بداخلها الإحساس بالاحتياج إلى رجل في حياتها، وتربط بين كل ألم تعاني منه وفقدانها الزوج، وتنمي بداخلها الإحساس بالسخط على الأهل وعلى الحياة، ويقل اهتمامها بدورها كأم وتستسلم للكآبة وأحيانًا للبدانة وإهمال المظهر، وتفقد الصديقات الواحدة تلو الأخرى، لأنها تشعر أنهن يعشن حياتهن بصورة تفتقدها، إذا لم نقل إن كل واحدة تخشى على زوجها منها.
فسر استشاري الأمراض النفسية د.أسامة الغريب استطلاع «أوان» الذي تساءل عن ظلم المجتمع للمرأة قائلا: «إن حزن الأرملة يتأثر بمجموعة من العوامل النفسية والديموغرافية المحيطة بها، فإذا كانت في سن متقدمة تحزن وهاجسها الوحدة والقلق من الموت، أما إن كانت في سن صغيرة فتغلبها الصدمة ويسيطر عليها إحساس بالذنب تخلقه وتصدقه وتعيشه، ثم تبدأ مرحلة الخوف من مواجهة مشكلات الحياة اليومية بمفردها.
ويعدد الغريب مراحل الحزن قائلا: «يبدأ بالصدمة ثم الفقد ثم الثكل، وهي أعلى نقاط المنحنى، وفي حالة لا شعورية كنوع من حماية النفس يبدأ الهبوط التدريجي ويتحول الحزن على الزوج إلى مكوّن جديد داخل نفس المرأة تعتاده وتستطيع التحكم به، بل ويمكنها استدعاؤه وتهدئته، وبهذا يتحول إلى شيء خاص جدا بها.
ويضيف: «إن حمْل المرأة لقب «أرملة» يفقدها مكانة اجتماعية، فتبدأ فجأة وفي وسط ألم الفقد رحلة البحث عن شيء جديد يحملها لمكانة أخرى في أغلب الأحوال لم تكن تتمناها، الأمر الذي يضعها تحت ضغط نفسي هائل مبعثه شعورها بالوحدة، بحيث تختلف درجته من امرأة إلى أخرى، إلى جانب شعورها بالتوتر والعصبية، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عزلتها وتجنبها الاختلاط مع الناس، وهذا الابتعاد القسري أو الاختياري يجعلها فريسة معاناة جديدة يولدها الكبت الجنسي المرافق لاكتئاب وقلق يأتيان في أعراض جسدية».
المجتمع يعيب على الأرملة التي ترغب في الزواج مرة ثانية ويصفونها بـ «الشهوانية»، هذا ظلم بحقها ففي حالة فقدان شريك العمر يتأجج في أعماق نصفها الثاني شعور بالافتقاد الشديد يجعل للفراق أنيابًا تنهش صاحبها، ولا يمكن لهذا الشعور أن يزول إلا بوجود بديل يعوض الشريك الراحل، غير أن هناك شروطًا معينة لدخول هذا البديل، فسن الأرملة عند وفاة زوجها يلعب دورًا مهمًّا في مدى قدرتها على العيش مع شريك أو من دون شريك، فإذا كانت شابة تزداد حينئذ حاجتها النفسية والعاطفية التي يلبيها الزوج».
ويردف: «إن مسألة السن مهمة جدا لأن العلاقة بين الزوجين تسير بعد عمر معين في اتجاه بعيد عن الحاجات الجسدية، على اعتبار أن القيمة المعنوية للزواج أعمق من القيمة الجسدية».
ويرى أن من الشروط الهامة أيضا شكل علاقة الأرملة بأولادها لأن كثيرا من النساء يستبدلن عاطفة الأمومة بكل المشاعر المفقودة بعد وفاة أزواجهن، وعلى الرغم من أن هذا الشكل السامي للعلاقة قد لا يعوضها تمامًا فإنه كافٍ أحيانًا لمساعدتهن على تجاوز الأزمة. ويشدد الغريب على ضرورة زواج الأرملة لأنها تظل حتى آخر يوم في عمرها بحاجة لوجود رجل في حياتها بعيدًا عن أي احتياجات مادية بيولوجية، وكذلك حاجة الأرمل النفسية للزواج التي تكون مضاعفة لحاجة الأرملة، ففي سن معينة تبلغ هذه الحاجة لدى الرجل أعلى درجاتها، فإذا استطاع ارتباط الأم الوثيق بأولادها أن يعوضها عن فقدان الزوج، فإن ارتباط الأب بأولاده لا يعوضه عن فقدان زوجته.
د.الغريب يرى أن الأرامل يعانين من مشاكل اجتماعية عدة أبرزها نظرة المجتمع الشرقي إليهن، وحكمه حين يسلبهن حقوقهن التي ضمنتها لهن الشريعة الإسلامية ولاسيما مسألة الزواج بعد وفاة الزوج، فلا يقتصر تجاهل المجتمع لدعم الأرملة دعمًا وجدانيًّا واجتماعيًّا لانتشالها من أحزانها، ولكنه يصدر حكمًا وكأنه عقاب يجعلها أسيرة تركة ثقيلة فلا يراعي ما للأرملة من حاجات نفسية وجسدية، خصوصا إذا كانت في مقتبل العمر، حيث تنهشها الوحدة والفراغ القاتل، فإذا ما فكرت في الزواج بعد وفاة زوجها لا يتردد المجتمع في اتهامها بنكران الجميل للزوج الأول، وعدم مراعاتها مشاعر أهله وأبنائه، والسعي وراء مصالحها الشخصية على حساب مستقبل أبنائها. كون الإنجاب جزء من التعبير عن الأنوثة.
ويشير إلى أن المشاكل الاجتماعية تختلف بين الأرملة والمطلقة، ذلك أن الأرملة غالبًا ما تتمتع بنوع من التعاطف معها، وهو ما يجعل الآخرين يدخلون في حوار معها تقديرًا لوضعيتها الاجتماعية، حتى إن كانت دون أولاد. وفي حالة وجود الأبناء يكون الوضع أيضا أفضل بكثير لأنهم يحمونها اجتماعيًّا من نظرة الإشفاق والدونية لأن غيابهم يعني غياب الخصوبة.
ويلفت د.الغريب إلى أن الأرملة التي ترغب في الزواج ويتقدم لها خاطب مناسب من دون تقديم تنازلات جوهرية حتى لا تدفع الثمن بعد ذلك، ويرفض أهلها زواجها فإن أمامها خيارين؛ إما الاستسلام لرفض الأهل ومحاولة إيجاد أفضل حياة ممكنة من دون زواج، وإما الإصرار على موقفها وتوسيط العقلاء في الأسرة، وإبلاغهم بحزم بأنها تريد الزواج ولن تتنازل عنه، وأن من الأفضل قبول هذه الحقيقة، مبينا أنها ستواجه عقبات كثيرة ومواقف مؤلمة، وربما بعض الإهانات وعليها تجاهل ذلك، والتركيز على أنها ستفوز بالزواج.
ويتابع: «قد تفرغ الأرملة شحنات حزنها في أولادها، وتبحث دائمًا عن التعاطف من الناس، وكأنها تريد منهم أن يعوضوها عن موت زوجها، أو تستسلم للاعتمادية حتى تفقد القدرة على أداء أي شيء في حياتها أو حياة أولادها وتخسر تقديرها لنفسها.
وتتأرجح معاملة الأرامل للأبناء بين القسوة الشديدة خوفًا من انحرافهم لغياب الأب، أو التدليل الزائد لتعويض هذا الغياب، وبالطبع فإن خير الأمور الوسط، فلا بد من الحنان مع الحزم».
ويستدرك: «إن بعض الأرامل ينتظرن كلمات الثناء والدعم والتشجيع من أولادهن، ومن المحيطين بهن، لأنهن لم يتزوجن وتفرغن لتربية الأبناء، وغالبًا لا يحصلن على القدر الذي ينتظرنه، ما يزيد من إحساسهن بسوء الحظ، والأفضل أن تسعد الأرملة باختياراتها، وأن تصنع سعادتها برسالتها كأم». وأنا أشجع الأرملة على الزواج مرة أخرى لأن فيه صحة نفسية وجسدية.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 12-10-2009     عدد القراء :  5971       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced